حاوره/ رئيس التحرير -
قال الدكتور الفنان محمد بركات إن العدوان والحصار أثر بشكل كبير على عملية الانتاج الفني في بلادنا.
مشيراً الى أن معظم المبدعون شعراء وفنانون اضطرتهم الظروف للهجرة خارج الوطن بحثاً عن فرص عمل.
وتطرق بركات الى عوامل تراجع انتاج الأغنية الوطنية، وقال: لقد حل محلها »الزامل« كأحد ألوان الغناء الشعبي والذي وظف للتعبير عن مشاعر الشعب ضد العدوان الغاشم.. الى الحصيلة:
* كيف تقيّمون واقع الأغنية الوطنية اليوم في هذا التوقيت المهم الذي يحتاج إلى دورها ؟ وما الأسباب التي أدت إلى تواري إنتاجها في نظركم ؟
- لاشك أن الأغنية الوطنية تمثل بالغ الأهمية في التعبير الصادق عن المشاعر الفياضة بحب الوطن وعن مختلف القضايا الوطنية، والتغني بكل جمال في ربوع الوطن.
ويتعاظم دور الأغنية الوطنية عند الخطوب التي يواجهها الوطن، حيث يتجسد هذا الدور في شحذ الهمم ورفع المعنويات، وبث روح الشجاعة والتضحية والفداء لدى أبنائه من أجل الذود عن حياضه والدفاع عنه وعن مقدراته وثرواته وعن كل شبر من أراضيه.
وكان للأغنية الوطنية في اليمن دور فاعل منذ انبلاج فجر الثورة اليمنية الخالدة في سبتمبر من عام 1962م وفي مختلف مراحل النضال الوطني ضد التخلف وضد الاستعمار، كما كان لها دورها أيضا أثناء الفترات المتقطعة من الاستقرار والازدهار.
وخلال السنوات الأخيرة تراجع إنتاج الأغنية الوطنية بمواصفاتها ومكوناتها الفنية المتعارف عليها، وحل محلها لون آخر من الألوان الفنية الشعبية وهو (الزامل) أحد ألوان الغناء الشعبي في اليمن، الذي وظف للتعبير عن مشاعر الشعب ضد العدوان الغاشم.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن مكتبات الإذاعة والتلفزيون تزخر بالعديد من الأغاني الوطنية القيمة مضامين وألحاناً، ولا نعلم مبررات تجاهل إذاعتها عبر القنوات المرئية والمسموعة إلا ما ندر، بالرغم من أن دورها يتكامل مع الدور الذي تؤديه (الزوامل الشعبية)، والقصائد الشعرية، واللوحات التشكيلية، وغيرها من الأشكال الفنية والأدبية.
* هناك من يوعز السبب إلى عدم توافر النصوص الشعرية.. هل هذا سبب كافٍ أم هناك أسباب أخرى جوهرية؟
- من المؤكد أن الظروف الصعبة التي تعيشها اليمن جراء الحرب والحصار الظالم وانقطاع سبل المعيشة، كان لها بالغ الأثر على حياة معظم المبدعين شعراء وفنانين مما أصابهم بالإحباط وتسبب في الحد من الإنتاج بصورة عامة، وأصبح الهم الأكبر للجميع هو السعي للبحث عن القوت الضروري، وهناك من اضطر للهجرة إلى خارج الوطن للبحث عن فرص للعمل.
* هناك أيضاً من يرون أن السبب يعود إلى ضعف أو غياب الإدارة الفنية المؤسسية؟
- الحقيقة أن ضعف أو غياب الإدارة الفنية المؤسسية التي تمتلك الدراية والخبرة المطلوبة لإدارة هذه الشؤون التخصصية تعتبر إحدى أهم المشكلات الأزلية التي عانينا وما نزال نعاني منها كثيراً.
* فيما يتعلق بالساحة الفنية عموماً هناك فرق موسيقية غابت وغابت معها المهرجانات الفنية.. ما تفسيركم لهذا؟
- بتوقف إقامة الاحتفالات الفنية سواء في المناسبات الوطنية أو غيرها، وتوقف صرف الرواتب والحقوق بمختلف مسمياتها، توقفت أنشطة الفنانين والفرق الفنية (الفرق الموسيقية - الفرق المسرحية - وفرق الفنون الشعبية) في معظم محافظات الجمهورية وذلك لعدم توافر الإمكانات وانعدام الميزانيات التي كانت ترصد لإقامة تلك الفعاليات الفنية نتيجة لما سببته الحرب من آثار سلبية على هذه المجالات الفنية والثقافية.
* الغياب شمل أيضاً العمل النقابي للفنانين.. هل هذا الغياب يعود لفقدان النشاط الفني؟
- الركود الفني جراء تلك الظروف وللأسباب آنفة الذكر أعتقد أن آثاره السلبية انعكست على العمل النقابي الذي جمد نشاطه تماماً، وبإذن الله عند إيقاف هذه الحرب المدمرة سيعود النشاط الفني والعمل النقابي إلى سابق عهدهما وربما أفضل مما كانا عليه.
* مع وجود العديد من القنوات التلفزيونية لا نسمع أخباراً عن نشاطها في الإنتاج الفني؟
- غالباً ما تعتمد تلك القنوات على المواد الجاهزة المعلبة الأقل تكلفة تهرباً من تحمل تكاليف الإنتاج، وذلك للأسف يأتي على حساب الجودة وحسن اختيار المواد الفنية القيمة مضموناً وشكلاً.
* الإنتاج الفني مهمة إطارات عد.. كيف السبيل لتحقيقه؟
- يمكن تحقيق ذلك بتهيئة الظروف اللازمة للقطاع الخاص للمشاركة بإنشاء مؤسسات للإنتاج الفني، وتفعيل دور القنوات المرئية والمسموعة الخاصة للمساهمة في الإنتاج، إلى جانب تنشيط دور المؤسسات والقنوات الحكومية كمؤسسة الإذاعة والتلفزيون ومؤسسة السينما والمسرح، لتشكل في مجموعها منظومة عمل للإنتاج الفني الراقي الذي يلبي حاجة المجتمع بكافة فئاته.
* اقتصار رعاية الفن والفنانين على الحكومة فقط هل يحقق نهوضاً للحركة الفنية ؟
- تحقيق النهضة الفنية يتطلب توافر مقومات عدة وتلك مسئولية مشتركة بين أربعة أطراف وتتركز مهامها في توفير تلك المقومات والأطراف هي :
الحكومة : وتُعنى بتوفير البنية التحتية المتمثلة في إنشاء (كليات ومعاهد فنية أكاديمية متخصصة)، وتفعيل دور المؤسسات الثقافية والإعلامية للقيام بمهامها.
الكوادر الفنية المؤهلة علمياً : ومهمتها تأهيل الموهوبين من الشباب الذين سيلتحقون للدراسة بتلك الكليات والمعاهد.
المبدعون اليمنيون : وهم الرافد الأساسي للإبداعات الفنية.
القطاع الخاص : وهو معني بإنشاء مؤسسات متخصصة للإنتاج الفني، ودوره يكمل ويدعم دور الحكومة.
* كان هناك دور لمعهد الموسيقى.. لماذا غاب دوره وما المطلوب لتفعيله ؟
- إنشاء صرح أكاديمي للدراسة الأكاديمية لأي من المجالات الفنية يتطلب فكراً مستنيراً ورؤية فنية وعلمية، وتخطيطاً آنياً ومستقبلياً، وقبل كل ذلك الإيمان بأهمية وجود هذا الصرح وتطويره واستمرارية نشاطه، والإقرار بأنه منشأة أكاديمية وطنية يجب على الجميع المحافظة عليها ودعم نشاطاتها لتستمر في أداء دورها العلمي والتنويري، لكن ذلك للأسف لم يطبق معظمه حيال معهد الموسيقى.
وقد توليت إدارة المعهد وقمت بتدريس طلابه بعد تخرجي من أكاديمية الفنون بمصر العربية الشقيقة، وبذلت وبعض الزملاء جهوداً حثيثة لاستمرار نشاطه سواء في مجال الدراسة التخصصية أو في التنظيم والإعداد للأنشطة والاحتفالات الفنية، وكذلك التسجيلات الغنائية والموسيقية المسموعة والمرئية للإذاعة والتلفزيون في المناسبات الوطنية والاجتماعية، والإعداد للفعاليات الفنية للأسابيع الثقافية التي كانت اليمن تقيمها في العديد من بلدان العالم الشقيقة والصديقة.
وظلت أنشطة المعهد مستمرة حوالي عشر سنوات تعرضنا خلالها لمتاعب جمة نتيجة لشحة الإمكانات وتحمل الأعباء التي تفوق طاقاتنا في سبيل الاستمرار، وفي عام 1992م قررت استكمال دراساتي العليا، وبعثت بالفعل إلى القاهرة بمصر العربية لنيل درجتي الماجستير والدكتوراه في الفنون، وللأسف بعد إيفادي تدهور حال المعهد تدريجياً وتوقف نشاطه وبالأخص في مجال الدراسة التخصصية لأسباب عدة لا يتسع المجال لذكرها.
* هل هناك إحصاء لعدد الكوادر الفنية المتخرجة من معاهد الموسيقى بالخارج ؟
- عددهم محدود جداً ومعظمهم يعملون خارج اليمن نتيجة للظروف، ليست ظروف الحرب والحصار فحسب فهناك من يعمل بالخارج منذ ما قبل ذلك بكثير.
* ما جديدكم كفنان أو مشروع فني تطمحون إلى تحقيقه ؟
- لدي عدد من الأعمال الغنائية سترى النور بمشيئة الله في الوقت المناسب عند تهيئة الظروف الملائمة وتوافر الإمكانات اللازمة لتنفيذها موسيقياً ثم تقديمها للجمهور.
أما المشروع الذي أطمح إلى تحقيقه فهو مشروع وطني أكاديمي، كان ولايزال حلمي منذ حصولي على درجة الدكتوراه، وهو إنشاء (كلية الفنون والتراث الشعبي) بالجامعة الأم جامعة صنعاء، وذلك بالطبع حلم كثير من شباب الجمهورية الموهوبين في مختلف المجالات الفنية (الموسيقية والمسرحية والتشكيلية والفنون الشعبية) وغيرها.
وكنا قد بادرنا في عام 2010م بتقديم مشروع إنشاء هذه الكلية التي شملت خمسة أقسام علمية هي (قسم الفنون الموسيقية - قسم الفنون المسرحية - قسم الفنون التشكيلية والعمارة - قسم الفنون الشعبية - قسم النقد الفني) إلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وتمت دراسة المشروع من قبل الإدارة المختصة بذلك، ووافقت الوزارة عليه وأشادت به كمشروع فني أكاديمي تفتقر إليه الجامعات اليمنية.
وقبل تقديم المشروع لوزارة التعليم العالي أجرينا استفتاء موثقاً بين المثقفين والمفكرين ومختلف الأوساط العلمية والأكاديمية بعدد من الجامعات اليمنية حول أهمية المبادرة بتنفيذ هذا المشروع الأكاديمي التنويري في جامعة صنعاء جامعة كل اليمنيين، وكان هناك إجماع غير مسبوق على مباركته والحث على تنفيذه، (وكان في مقدمة المباركين والمطالبين بتنفيذ المشروع أديب اليمن وشاعرها الكبير الدكتور عبدالعزيز المقالح رئيس جامعة صنعاء الأسبق رعاه الله الذي أكد على أهميته وأن تنفيذ مثل هذا المشروع قد تأخر كثيراً).
وإثر ذلك أصدر وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور صالح باصرة -يرحمه الله- توجيهاته إلى رئيس جامعة صنعاء بإنشاء (كلية الفنون والتراث الشعبي) بناء على تقرير الإدارة المختصة بدراسة المشاريع بالوزارة، وبناء على نتيجة الاستبيان المذكور، ولكن للأسف الشديد أجهض المشروع بالجامعة، ونسفت كل تلك الجهود، وتمت الاستهانة بتوجيهات الوزارة المعنية وبآراء كبار المفكرين والأكاديميين والمثقفين اليمنيين من قبل من اعتقد أن الجامعة من أملاكه الخاصة.
وحينها اعتصم الشباب حول الجامعة وعمت البلد الفوضى وتوقف كل شيء، وما يزال المشروع الحلم مجمداً حتى الآن.
* قدمت عدداً من الأغاني الوطنية القيمة فيما مضى أذكر لنا بعضاً منها؟
- هناك العديد من الأغاني الوطنية التي قدمتها لعدد من الشعراء ومنها على سبيل المثال لا الحصر :
- (الوطن الخالد) - كلمات الشاعر عباس المطاع ومطلعها يقول :
تمر العصور ويمضي الزمن.. وعمرك لا ينتهي يا يمن
تجدد مجدك في كل فن.. وتبني على كل نجم وطن
- وأغنية وطنية أخرى بعنوان (وطن السلام) - كلمات الشاعر المجيد أحمد الجنيد ومن بعض كلماتها :
يا وطن السلام والأمان.. يا كعبة يحجها الزمان
يا يمن الصمود والحنان
قد هب الشعب الرائد.. يحدوه هوى الأوطان
ومضى كالجسد الواحد.. يبني بيد الإتقان
وعلا بالحكمة صاعد.. يهدي يمن الإيمان
من عرق الهمة رافد.. يروي ظمأ الوديان
- ومن الأغاني الوطنية التي ألفها لي الرائع الأستاذ الشاعر اسماعيل الكبسي أغنية بعنوان (اليمن الكبير) يقول في مطلعها :
موطني يا مقلة الإبداع .. يا عقل الحضارة
موطني يا معصم التعمير.. يا كف المهارة
موطني يا راية الإقدام .. يا رمح الصدارة
طبت للشعب وطن
ومن أبياتها أيضاً :
أقسم الإنسان والتاريخ والنصل اليماني
سوف تبقى وحدتي حداً لأرضي وسناني
وسيبقى عز شمسان شموخاً في شهارة
ولتعش أرض اليمن
* كلمة أخيرة؟
- أرجو أن تنتصر الإرادة اليمنية الحرة وتتجلى الحكمة اليمانية التي وصف بها رسول الله محمد (صلى الله وسلم عليه وعلى آله) اليمنيين، ويعودوا للصواب هم وجيران اليمن، لتتوقف الحرب والعدوان والقتل والدمار، ويسود الأمن والاستقرار ربوع اليمن الحبيب.
سيرة ذاتية
الدكتور الفنان / محمد علي بركات C.V.(سيرة ذاتية)
أستاذ بكلية الفنون الجميلة - جامعة الحديدة منذ عام 2008م
رئيس قسم التربية الموسيقية بكلية الفنون - جامعة الحديدة منذ عام 2011م - 2020م
مدير لأول معهد للموسيقى باليمن ومعلم به منذ عام 1982م - 1992م وكان أحد مؤسسيه
مؤسس ومدير لمعهد الموسيقى الأهلي في عام 1983م
أحد مؤسسي العمل الفني الموسيقي والمسرحي باليمن
أول قائد للفرقة الموسيقية الوطنية والإنشاد بصنعاء , وأحد مؤسسيها
مطرب وملحن
عضو مؤسس بالمسرح الوطني اليمني
أحد مؤسسي نقابة الفنانين اليمنيين , ثم اتحاد الفنانين اليمنيين
باحث في الفنون الموسيقية والفنون الشعبية
رئيس تحرير مجلة المناهل ومؤسسها في عام 1991م
عمل رئيساَ لتحرير مجلة الفن وكان أحد مؤسسيها (إصدار نقابة الفنانين اليمنيين)
محرر ثقافي وفني لكتابات تخصصية (موسيقية ومسرحية وتراثية وفلكلورية) إضافة إلى كتابات في قضايا عامة
عضو المكتب التنفيذي للإتحاد العام للفنانين العرب سابقاً
عضو اتحاد الموسيقيين العرب
عضو نقابة الصحفيين
عضو الهيئة الإدارية لنقابة الفنانين اليمنيين
عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الفنانين اليمنيين
المؤهلات العلمية
حاصل على المؤهلات العلمية التالية من أكاديمية الفنون بجمهورية مصر العربية :
بكالوريوس في الموسيقى
دبلوم الدراسات العليا
ماجستير في الفنون
دكتوراه في الفنون بتقدير (مرتبة الشرف الأولى)
أهم أعمال الدكتور الفنان / محمد علي بركات له أبحاث ومؤلفات تخصصية في الموسيقى والفنون الشعبية.
له كتابات صحفية في قضايا ومجالات مختلفة تنشر في عدد من الصحف والمجلات اليمنية والعربية.
شارك في عدد من الأسابيع الثقافية التي أقيمت في البلدان الشقيقة والصديقة، كما شارك في عدد من المهرجانات والمؤتمرات والندوات الفنية والثقافية المحلية والعربية والدولية.
حصل على جوائز وشهادات تقديرية في بعض المهرجانات الفنية والملتقيات الثقافية أقام حفلات فنية وله تسجيلات إذاعية وتلفزيونية موسيقية وغنائية في عدد من البلدان العربية والأجنبية.
له ألحان وأعمال غنائية متعددة الأشكال والمواضيع كالأغاني الوطنية والعاطفية، اللوحات الاستعراضية، التواشيح والابتهالات الدينية . ألف نصوصها عدد من كبار الشعراء اليمنيين والعرب.
لحن مجموعة كبيرة من الأعمال الموسيقية والغنائية للأطفال، وتم تسجيلها للإذاعة وتصويرها للتلفزيون، وقدم عدداً منها في الحفلات والمهرجانات الفنية المحلية والعربية للأطفال.
لحن بعض المونولوجات الكوميدية الهادفة
وضع بعض المؤلفات الموسيقية لآلة العود
شارك في (ورشــات مسرحية) في اليمن وفي مصر العربية، وشارك بالتمثيل في عروض مسرحية متعددة بالمسرح الوطني اليمني.
ألف الموسيقى التصويرية لعدد من المسرحيات.
|
الفنان بركات لـ"الميثاق": الأغاني الوطنية في تراجع والزامل يحل محلها
