د. عبدالوهاب الروحاني - أن نضع البندقية جانباً، وننظر لبعضنا كما نحن، تلك هي الخطوة الأولى باتجاه الحل، فقد أغرقت هذه البندقية في حياتنا، واعملت فينا الكثير..
قتلت البندقية الأبرياء ورملت النساء، خربت البيوت وشردت الأسر..
جنت على الألفة وشوهت البساطة.. قتلت روح المحبة والتسامح بين اليمنيين.. اثارت الرعب بين الشيوخ والأطفال والنساء..
خربت المدرسة وأغلقت المستشفى.. حرمت الأطفال من الحديقة والملعب والمدرسة.. اثارت النزعات الطائفية والجهوية والعنصرية، ومزقت النسيج الاجتماعي شر ممزق..
لم تترك الحرب الهمجية شيئاً الا دمرته.. خربت المؤسسات وضيعت طريق بناء الدولة، مزقت الوحدة، واضاعت الوطن كما اضاعت الحكمة، التي نتحدث عنها كثيراً..!!
الديكة:
الممسكون بزمام الحرب والسياسية كلهم ديوك (رؤساء ومرؤوسون.. قبائل وأحزاب..) كلهم يصرخ، وكلهم يصيح، وصياحهم كصياح الديكة.. ضيعوا الوطن وباعوا الارض والانسان.. قطعوا سبل العيش الشريف، وقطعوا راتب الموظف وطالوا حياة البسطاء..!!
كلهم يرى انه يمتلك الحقيقة، وكلهم يجزم انه الأحق والاجدر بالريادة والرئاسة، وكلهم لا يرى في المرآة الا نفسه، فهو واحد أحد لا إله غيره، وبهذه العقلية أغرقوا الوطن في دمه، وقادوه الى حتفه..
ديك نزار:
وانا أكتب هذه الأحرف ، انتابتني نوبة ألم جارفة.. اختفت الكلمات واوقف اصابعي العبث بأزرار "الكيبورد"، وانا اقرأ في شريط الموت الذي وصلنا اليه في بلدنا.. بلد "الحكمة والايمان" كما يحلو لنا تسميته، فتذكرت (الديك).. القصيدة التي تروي مأساة أمة يحكمها الديكة ، كتبها الشاعر العربي الكبير نزار قباني ربما قبل 30 عاما.
القصيدة تحكي واقع أمة.. تصور مشاهد من غطرسة الديكة.. حواراتهم ، حروبهم ، جشعهم ، نزواتهم، فبادرت الى نسخ مقتطفات غير مزعجة منها، واستعرتها لتقوم بمقام الخربشات التي يمكن لي ان اكتبها ، فهي اصدق تعبير عن الديكة ، التي عبثت ولا تزال تعبث في وطني..
يقول نزار قباني في قصيدته (الديك):
(1)
في حارتنا ديك سادي سفاح
ينتف ريش دجاج الحارة كل صباح
ينقرهن، يطاردهن
يضاجعهن، ويهجرهن
ولا يتذكر أسماء الصيصان
(2)
في حارتنا، ديك يصرخ عند الفجر
كشمشون الجبار
يطلق لحيته الحمراء
ويقمعنا ليلا ونهار
يخطب فينا، ينشد فينا
فهوالواحد، وهوالخالد،
وهوالمقتدر الجبار
(3)
في حارتنا ثمة ديك عدواني،
فاشيستي، نازي الأفكار
سرق السلطة بالدبابة
ألقى القبض على الحرية والأحرار
ألغى وطناً، ألغى شعباً، ألغى لغة
ألغى أحداث التاريخ
وألغى ميلاد الأطفال
وألغى أسماء الأزهار
(8)
في حارتنا، ديك عصبي مجنون
يخطب يوماً كالحجاج
ويمشي زهواً كالمأمون
ويصرخ من مئذنة الجامع :
يا سبحاني يا سبحاني
فأنا الدولة ، والقانون
(9)
كيف سيأتي الغيث إلينا ؟
كيف سينمو القمح ؟
وكيف يفيض علينا الخير ، وتغمرنا البركة؟
هذا وطن لا يحكمه الله
ولكن تحكمه الديكة
(10)
في بلدتنا، يذهب ديك يأتي ديك
والطغيان هوالطغيان
يسقط حكم لينيني
يهجم حكم أمريكي
والمسحوق هوالإنسان
رحم الله نزار قباني
لوتأمل اليمنيون قليلاً (أعني النخبة المتحكمة في قرار الحرب والسلام) لوجدوا أن بدائل الحرب والدم كثيرة ومتاحة، ولوجدوا أن حاجاتهم للحوار هي حاجتهم للماء والهواء..
باختصار ، لوان كلاً من الديكة نظر للآخر بكونه مختلفاً في لونه، وريشه، ووثبته وصياحه، لاختصروا الطريق، وتجنبوا التشرد والضياع، وجنبوا الأبرياء والوطن ويلاتهم.. ويلات الحرب.
|