د. عبدالوهاب الروحاني - احتفالات أعياد السنة الميلادية كما أشاهدها كل عام عبر أجهزة البث الفضائية تشد انتباهي كثيراً، فهي تأخذ كل عام جديد أبعاداً جمالية جديدة، وتحمل معاني من اهتمامات الناس في كل أنحاء العالم.
تبدو كبريات مدن العالم في حالة تبارٍ وتنافس شديد عندما لبست أجمل وأحلى ما أنتجته مصانعها من بهارج وألوان.. عند منتصف الليل تتراقص ألوان الفرح زهواً في سماوات المدن، تعانق الكرات البلورية بدلال ناطحات السحاب.. وتختلط حبات الثلج البيضاء بفرقعات الألعاب النارية.. فتصنع ألواناً قرمزية تبهج كبار "النصارى" وصغارهم، وتضيئ عندهم نفوس الاطفال والشيوخ والنساء .
لكن هذه المفرقعات - بالتأكيد - لم تخطئ الطريق، ولم يكن بينها رصاصات أو قذائف طائشة كما هو الحال عندنا في اليمن وفي بلاد العرب والمسلمين، فألعابهم ومفرقعاتهم لا تطلق رصاصات الموت، ولا تفزع الأطفال والنساء، ولا تلوث الهواء وتقلق الجيران والسكينة العامة كما تفعل ألعابنا ومفرقعاتنا .. إنما هي تلون فضاءاتهم بالجمال، وتكسو وجوههم بالسعادة، وتصنع الابتسامة والألق في نفوس الأغنياء والفقراء على حد سواء ..
- أتدرون لماذا أيضاً..؟
لأنها مفرقعات لا تختلط بالحقد والبارود، وإنما هي تختلط بالألوان وبحبات الفرح ولذلك، فهي لا تقتل طفلاً، ولا تغتال شيخاً أو امرأة ولا تصيب خطأً ماراً أو عابر سبيل..!
في الأعياد والمناسبات عند هؤلاء "النصارى" و"الكفار.!!" لا تتزين السيارات بالمرافقين المدججين بالأسلحة الرشاشة والـ"آر بي جي" كما يفعل أصحابنا من كبار القوم ووجهائها، الذين يدافعون كلٌّ بطريقته عن بناء الدولة المدنية الحديثة، وإنما تتزين سياراتهم ودراجاتهم النارية بقطع من الأقمشة الملونة، ويحمل الأطفال عندهم بالونات الفرح، وزُمَّارات العيد، ويتمنطقون بقبعات "بابا نويل" أو "ديد ماروز"، وليس ببنادق الكلاشينكوف ومسدسات "الكلوك" الحديثة وكاتمات الصوت.
تكسو الفرحة في أعيادهم وجوه الناس، وتبدو الحياة في عيون صغارهم حدائق حالمة تتجلى فيها روعة الانسان وجماله، وفي عيون الكبار تبدو الحياة أكثر حباً وتفاؤلاً وأملاً..
في أعياد رأس السنة الثلجية يتسابق الفنانون الناحتون والرسامون والموسيقيون والمغنون الى الأماكن العامة والمنتزهات وأماكن الترفيه، وينبري الجميع أفراداً وجماعات شباباً وشيوخاً، نساء ورجالاً، بنين وبنات، في حلقات تبارٍ إبداعية نادرة، وسباق خلاق لهدف أن يرسم المبدع بسمة في وجوه الناس.
المدن عند "النصارى" في الأعياد والمناسبات تبتسم هي الأخرى، لأنها لا تنام، ليس من الخوف والفزع والظلام، ورعب غياب الدولة وموتورات الموت، وإنما لأنها تعج بالحياة.
العيد في مدن "النصارى" انتعاش وحركة.. إبداع وثقافة.. بحث عن هدايا وورود وفرح وموسيقى، ازدحام شوارع وحيوية ونشاط أسواق، وارتياد مطاعم.. والعيد عندهم حركة اقتصادية رابحة، الجميع ينتج، والجميع يعمل ويستهلك.. والجميع يبتسم ويستفيد.
في أعياد رأس السنة في مدن "النصارى" الثلجية، يتقاطر الرسامون، النحاتون بمناشيرهم وأزميراتهم ومطارقهم الى ساحات وأركان القوالب والصخور المتجمدة؛ لينحتوا من الصقيع حرارة ودفئاً..
يشكلون من الكرات الثلجية مجسمات كريستالية تقطر إبداعا وتنثراً جمالاً وروعة.. يقيمون مدناً في معارض ثلجية في الهواء الطلق.. يجسدون فيها الحكايات والقصص القديمة، ويتمثلون حياتهم الغابرة والمعاصرة في لوحات ومنحوتات فنية بديعة ومدهشة .. |