اللواء/ يحيى محمد المتوكل - بداية ارحب بكم واحيي فيكم هذه الروح الاحتفائية للمشاركة في مناسبة وطنية غالية تمثل علامة بارزة في تاريخ اليمن المعاصر وتعد في رأي تقييم المتابعين والمهتمين بتصورات الحياة السياسية اليمنية داخل البلاد وخارجها من انضج التجارب الحزبية التي تلقي أثرها الإيجابي على مختلف اتجاهات العمل الوطني وتحمل في حناياها شجون وتطلعات الإنسان كما تعكس الكثير من ملامح التغيير باتجاه البناء وإرساء أسس ومقومات النهوض بمشاق وأعباء ومهام الحاضر والمبادرة لاستشراف آفاق المستقبل .
وإذا كانت تجربة المؤتمر ودوره في مضمار العمل الوطني قد بوأته مكانة ريادية أهلته لتصدر مسؤوليات إدارة شؤون الحكم وقيادة مسيرة البناء والتنمية وتأمين حاجة الوطن الى الاستقرار فإن وجوده في مقدمة القوى السياسية الملتزمة بالنهج الديمقراطي ومبدأ التعددية الحزبية والتداول السلمي للسلطة يضفي على تجربة المؤتمر الشعبي العام الكثير من الدلالات المهمة التي لا تغيب عن جماهير الشعب وطلائعه الفتية على امتداد الساحة اليمنية . . لهذا تكون مبادرة المركز العام للدراسات والبحوث والإصدار من أجل الوقوف أمام هذه التجربة ضمن خطة عمل تستهدف وضع المؤتمر وشركائه في الهم والعمل والمسؤولية الوطنية ضرورة ملحة تستدعيها حاجة الجميع لتطوير أشكال وطرق الممارسة السياسية في الأداء الحزبي وامتلاك القدرة على تشخيص واقعها المعيش والعمل على معالجة وتجاوز العثرات المعيقة أياً كان نوعها . .
وإننا إذ نهيب ونبارك مثل هذه المبادرة وندعو للاستمرار فيها ونأمل إحاطتها بروح الحرص وشروط التقويم العلمي المسؤول فإن استجابتنا لمبادرات كهذه تشكل ولا شك تأكيداً إضافياً على ارتباطنا بالعصر وإدراكنا أهمية الدور الذي تلعبه المؤسسات والمراكز البحثية لرصد وتحليل وتشخيص الحراك الحزبي والنشاط السياسي ، وتكوين محصلة تعين الباحثين ويرجع إليها المهتمون ونستأنس باستخلاصها على أكثر من صعيد ، ومن دون تحسس أو مكابرة ، لأننا نعيش عصر المعلومات والفضاء المفتوح ولذلك فإن تجاربنا السياسية والحزبية يتعين فيها الوضوح وأن تكون على قدر من الشفافية والمكاشفة والتجاذب الخلاق الذي يجسد انتماء تجاربنا الحداثية لعصر جديد لا يعرف الانغلاق ولا يعترف بالدوائر والأفكار الانعزالية ذات الأفق الضيق والتفكير الماضوي المنغلق والمحكوم بالتوجس والسرية .
المؤتمر ونهج الحوار
وكما أن لكل تجربة سياسية قسماتها ولكل منعطف تاريخي مقدماته كذلك يكون الحال بالنسبة للأحزاب والتنظيمات السياسية في بلادنا والعالم فلكلِ خصائصه السياسية وملامحه الفكرية وطرائقه التنظيمية . . وفي حين تغدو التعددية الحزبية في وطننا ميداناً رحباً تتداخل معه سمات وملامح العمل المشترك بفعل الإجماع على ثوابت بعينها فإن سمة ما لابد أن تكون صفة ملازمة لهذا الحزب أو ذلك التنظيم . .
وإذا كان ثمة ميزة تتقدم غيرها من سجايا المؤتمر وهي كثيرة بالتأكيد فإنها تتمثل في الحوار منهجاً وثقافة وأسلوب عمل . .
لقد نشأ المؤتمر على الحوار وأنجزت مهام تأسيسه وإقرار وثائقه النظرية وفي طليعتها الميثاق الوطني الدليل النظري للعمل السياسي على قاعدة الحوار حول المؤلف والمختلف فتعارفت القوى السياسية على اعتباره مظلة آمنة تنمو في كنفها صيغ مثلى للوفاق وتتعزز من خلالها إرادة التغيير وتسمو في ظلها مدارك وتصورات الفرقاء الذين التحموا ببعضهم على هدف جامع تجسده الرغبة المشتركة في تجاوز معضلات الحظر الدستوري للنشاط الحزبي والالتقاء على قواسم مشتركة وإتاحة فرص التعبير الحضاري الذي يوازن بين التنوع والاصطفاف .
ومنذ استقرت فكرة المؤتمر ببعدها الوطني الجامع في ذهن وضمير الأخ المناضل علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية رئيس المؤتمر الشعبي العام الى مرحلة الإعلان عن التعددية السياسية والحزبية واعتماد مبدأ التداول السلمي للسلطة فإن ثبات المؤتمر على نهجه في الحوار ظل على ما هو عليه . .
الحوار من أجل إعادة تحقيق الوحدة اليمنية بالطرق السلمية في 22 مايو 90م والحوار من أجل بناء أسس للشراكة في إدارة الحكم والحوار على طريق النهوض بالوطن .
والحقيقة أن نهج الحوار بالنسبة للمؤتمر الشعبي العام ليس مجرد جولات استعراضية على هامش الممارسة السياسية ولكنه قناعة مبدئية لا مفر منها . . ذلك أن تجربتنا الطويلة في التزام الحوار وسيلة لإدارة التباينات وتجاوز بؤر الصراع وترميم الفجوات الناجمة عن الهواجس أثمرت الكثير من المكاسب وأمنت مسيرة العمل الوطني وافتدت البلاد من لوثات متعددة طالما هددت السلام الاجتماعي والاستقرار السياسي . . وعلى امتداد وتعدد المحطات والمراوغة ولكنه يلوذ إلى الحوار بحثاً عن حقيقة أو سعياً لإجماع أو تعبيراً عن رغبة في إزالة لبس أو إطلاق مبادرة وتحقيق مصلحة مقدرة للوطن والشعب . . وبواقع التجربة العميقة التي خاضها المؤتمر بداية تكوينه أو خلال المنعطف الديمقراطي قرين الوحدة فإن موروثاً عظيماً نعتقد أنه لا يخص المؤتمر وحده بقدر ما يضيف إلى تاريخنا الوطني خلاصة تجربة رائدة نفخر أن تكون كل القوى السياسية اليمنية شريكاً في اجتراح أولى مآثرها .
وما يمكن استخلاصه هنا ليس اكثر من التذكير أن الرهان على الحوار لم يخب يوماً فقد انتصر الحوار في مواجهة العنف والتغلب على عوائق العمل الجبهوي المسلح وانتصر مرة أخرى عند تحقيق منجز الوحدة وغداة التهيئة لأول استفتاء شعبي على دستور الجمهورية اليمنية وما يبرح الحوار يحرز انتصاراته بهذه الصورة أو تلك دون ملل أو انقطاع .
ولا ريب أن كثيرين يحسون اليوم بمرارة النتائج الفادحة التي نجمت عن الخروج على هذا الخيار وهم دون ريب يقدرون للمؤتمر نهجه ويحترمون موقفه ويؤيدون مضيه على هذا الطريق فالحوار وإن كان مضنياً ومرهقاً فإن الاعتماد عليه يمثل ضرورة يتفهمها العقلاء في كل مكان وزمان .
سلمية المؤتمر
وبهذا الصدد يكون بوسعنا أن نرتب على نهج الحوار لدى المؤتمر جملة من القضايا الجوهرية التي لا تقل أهمية عن ذلك النهج فمن يؤمن بالتعايش وينبذ الإرهاب والقمع ويرفض اللجوء إلى القوة في مواجهة الخصوم أو العنف في مقارعة المناوئين . . لابد أن يكون مسالماً بذاته وسلمياً في تعامله مع الغير ، ولهذا غدت تجربة الحكم لدى المؤتمر مطبوعة على السلم والتعايش مجبولة على التعاطي مع الحد الأدنى من الإمكانية التي تتيحها القوى السياسية له للعمل الجماعي والأخذ بما لدى المعارضة من آراء وجيهة وتصورات موضوعية بناءة ولم يحدث يوماً أن أغلق المؤتمر أبوابه أمام الفكرة المستنيرة أو أوصد نوافذه تجاه المبادرات التي تبتغي وجه الوطن ومصلحة الشعب . . وليس أدل على هذه الرحابة من المقولة التي أطلقها رئيس المؤتمر الشعبي بأنه ليس أسوأ من الديمقراطية غير غيابها .
ومن هذا المنطلق فإن نظرة المؤتمر للآخر حزباً كان أو جماعة أو فرداً تفضي لاعتبار الآخر مضموناً حقيقياً لنهجه القائم على الحوار وبذلك فإننا نعد الآخر أخاً لا خصماً وشريكاً لا دخيلاً وضرورة لا ترفاً وهو لكل ذلك موضع احترام وحماية وليس محل استهداف ونكاية وتجريم .
وليس أدل على سلمية المؤتمر من حرص قيادته على إنهاء دورات العنف التي سادت خلال فترات متقاربة من تاريخ البلاد وتسلحه بالحكمة والصبر في مراحل عصيبة نال المؤتمر إزاءها بعض الذي يستحقه من إنصاف المتابعين والمهتمين بالشأن الداخلي لليمن في الوطن العربي والعالم .
المؤتمر وإدارة شؤون الحكم
ولعل واحد من القضايا الجديرة بالتقييم بمناسبة الذكرى التاسعة عشر لتأسيس المؤتمر الشعبي العام هي تجربته في الحكم ، ولاشك أن هذه التجربة قد كانت ولا تزال محلاً للإشادة من قبل أطراف كما هي موضع انتقاد من قبل أطراف أخرى ، ونحن لا ندعي أن تجربة تنظيمنا مثالية ، لكنها أيضاً ليست كما يزعم نقادها أو معارضوها ، ويبدو أن الحقيقة لكي تظهر تحتاج إلى الموضوعية والاتزان ولا بأس أن يقابل دور المؤتمر بانتقادات حادة لطريقته في إدارة مؤسسات الدولة وعليه أن يستفيد من وجهات النظر الأخرى لتطوير تجربته في الحكم وتنمية خبراته في الإدارة وعند استعراض جوانب من هذه التجربة تظهر الوقائع جوانب مضيئة بدأت مع بداية تجربة المؤتمر في تصدر مهام الحكم وظلت تتطور وتتعزز باستمرار رغم أن ذلك كان يحدث في ظل جملة من الصراعات السياسية والأزمات الاقتصادية وفي ظل موارد محدودة يصح معها القول إن ما حققه المؤتمر الشعبي العام في ظل هذه الظروف والملابسات يعكس نضج تجربته وحكمة قيادته .
ينطلق المؤتمر الشعبي في إدارة شؤون الدولة والمجتمع من مبدأ المشاركة الشعبية الواسعة في السلطة والمشاركة السياسية في مواجهة تحديات الوطن ناهيك عن تجربته كطرف في إئتلافين حكوميين ، كما أن تفرده بالحكومة بناءً على نتائج الانتخابات البرلمانية 1997م التي جرت في إطار مبدأ الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة لم يحل دون إشراك قوى أخرى وشخصيات مستقلة ما يؤكد نزعته لالتماس مكامن القوة من خلال عمله مع الآخرين والاستفادة منهم في تنمية البلاد ، ولعل المؤتمر الشعبي العام قدم نموذجاً محترماً في هذا الجانب يعترف بأصالته كثير من معارضيه ، وينجلي هذا النموذج في رفض المؤتمر استبعاد أي شخص من موقعه ليحل محله أحد أعضائه ، بينما حدث في بعض التجارب الائتلافية أن نفذ أحد أطراف الائتلاف سياسة إحلال بالجملة عبر مختلف المواقع التي أسند إليه إدارتها ، وحدث ذلك في وظائف عامة ومتوسطة ودنيا وليس في الوظائف السياسية التي تخضع للتداول السلمي للسلطة بين الأحزاب .
هناك قضايا أخرى يشار إليها دائماً كلما أراد البعض عن حسن نية أو بدونها غمز المؤتمر مثل الفساد وضعف أداء بعض أجهزة الدولة ، وتقييد الحريات وتضييق الهامش الديمقراطي ، ويجري الحديث عن هذه القضايا عادة من باب إحراج الخصم وليس بهدف الإصلاح إذ تنطوي هذه الادعاءات على رغبة في التشهير والإثارة ، فقضية مثل الفساد أو ضعف أداء بعض أجهزة الدولة هي حقائق قائمة ولكن لماذا يتم تجاهل وجود عمل ونشاط يستهدف القضاء على هذه الجوانب السلبية وتقوية الأداء أو تحسينه إلى ذلك فإن برنامج الإصلاحات الاقتصادية رغم آثاره السلبية إلا أنه حقق نتائج طيبة في هذا المضمار .
أما ما يقال عن أن تجربة المؤتمر في الحكم أسفرت عن إجراء المؤتمر في الحكم إجراءات لتقييد الحريات وتضييق الهامش الديمقراطي فهذا إدعاء يتعارض والحقيقة لأن تجربة المؤتمر تتميز بحرصها على حماية الحريات وصون حقوق الإنسان وتطوير التجربة الديمقراطية وإشاعة الحريات السياسية والفكرية وتلك في تقديري من أهم القيم المحركة لتنظيمنا للسير في تنمية المجتمع وتمكين قواه الحية من الانطلاق نحو التنمية السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية لأن المؤتمر يعتبر هذه القيم أساسية وضرورية لأي مجتمع تدب فيه الحركة ويعمل جهده في سبيل إحداث التحولات الكفيلة بتطوره ورقيه . |