د.عادل الشجاع -
هناك أصوات عديدة في المنطقة العربية تدق على وتر المطالبة بالمزيد من الإصلاحات السياسية والانفتاح الديمقراطي، لكن هذه الأصوات تجهل مدى استجابة الرأي العام لهذه المطالب، خاصة أن قطاعاً واسعاً من الشعوب العربية ترزح تحت مشكلات الأمية والفقر..
كما أن الرأي العام بدأ يدرك أن هذه المطالب ما هي إلاّ مجرد غنائم يراد تقسيمها عند مستوى النخب فقط، وهذا ما حدث في العراق، حيث تحولت الديمقراطية إلى مكاسب ومغانم عند هذا الطرف أو ذاك.
والحقيقة أن النخب السياسية في الوطن العربي لم تعِ بعد أن مستقبل الديمقراطية مرهون أولاً بنهوض مفهوم الوطن، لأن الديمقراطية ليست إطاراً ديكورياً وإنما هي تحول حداثي يمس البنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فهي إذن في جوهرها فرص عمل ومشروعات إنتاجية وخدمية ملموسة.
أريد أن أقول بوضوح: إن هناك حقيقة ينبغي الإقرار بها، وهي أن النخب السياسية العربية فقدت بوصلة اتجاهها، فهي تعاني أزمة حقيقية تتمثل في الشرخ العميق بين التنظير والتطبيق، وبين القول والسلوك الفعلي.
فنحن بعد أكثر من نصف قرن من الدعوة إلى الوحدة العربية نجد أنفسنا مشدودين إلى تبني مشاريع تفتيتية بسبب أخطاء بعض القوى السياسية التي دخلت إلى المسرح السياسي للمنطقة في السنوات الأخيرة مثل حماس وحزب الله اللذين تحولا إلى أوراق ضغط لا تخدم سوى أطراف خارجية هي بعيدة كل البعد عن القضية العربية.
إن خطورة الموقف أن نجعل أوراق القضية الفلسطينية في يد حزبين حليفين استراتيجيين لإيران، والأدهى من ذلك أن سوريا التي خاضت الوحدة مع معظم البلدان العربية ها هي اليوم تتحالف مع إيران بدلاً من التحالف مع العرب خاصة أن الجولان المحتلة لا يمكن عودتها إلا عن طريق العرب وليس عن طريق إيران، فإيران لا يمكن أن تكون قوة إقليمية فاعلة، فهي لا تملك من المقومات إلا خوض مغامرات وإثارة قلاقل ليس إلا، كما هو حاصل في العراق.
لكن إيران تعاني من انقسام داخلي بين الحداثيين والمحافظين، وهي تعاني من أزمة اقتصادية وبطالة مرتفعة تهدد بانقسام سياسي واضطراب اجتماعي، وليس هذا فحسب؛ بل إن إيران تتملص من التزاماتها تجاه العرب في قضية الجزر الإماراتية، فما الفرق بينها كمحتلة لجزء من الأرض العربية وبين اسرائيل؟!.
إن إيران كما هو واضح تستغل الوضع المختل لتحقيق مصالح طائفية كما هو حادث في العراق ولبنان والأمر مرشح في بلدان عربية أخرى!.
وهنا يمكن القول إن سوريا تغامر في ارتباطها مع إيران خاصة أنها كانت قادرة على التنسيق مع المملكة العربية السعودية لحل المشكلة القائمة في لبنان، لأن استمرار الأزمة اللبنانية يعرّض لبنان للخطر، أىضاً فاستمرار الأزمة ومنع انتخاب رئيس للبنان يعد مغامرة خطيرة ليس فقط على لبنان وإنما على سوريا أىضاً.
وإذا استمرت سوريا على هذا النهج فإن الفوضى الخلاقة كما يسميها الأمريكيون ستصيب سوريا ، وعلى سوريا أن تدرك أن العراق واقع بين فكي كماشة النظام الدولي وإيران.
وعلى القوى السياسية المتمثلة باليسار العربي بمختلف تياراته أن تدرك خطر الانزلاق نحو الفوضى، وأن تتحرر من خطاب العواطف وتتجه نحو الدراسة المعمقة لما يجري في المنطقة وتحكّم العقل وفق سياسة الممكن.
على العرب أن يستفيدوا من هذه المرحلة من الارتفاع الكبير في أسعار البترول ويوفروا قدرة مالية لتحقيق تنمية حقيقية، فهذه آخر فرصة أمام العرب، فإذا لم يستثمروها فإنها لن تقوم لهم قائمة وسيعيشون عالة على غيرهم.
لا بد أن ترتكز القوى السياسية في الوطن العربي على أجندة واضحة ومحددة تنطلق من الواقع حتى تكون قادرة على التعامل بكفاءة مع المطالب الاجتماعية والاقتصادية التي تمس مصالح الشعوب.
إن أي إصلاح يستدعي بالضرورة تجنب الخسائر الاجتماعية، وهنا أوجّه دعوة للمعارضة اليمنية أن تعيد قراءة الواقع اليمني في ظل المشهد الإقليمي حتى نتمكن من إرساء قواعد صلبة للبناء الديمقراطي تحت مظلة من حرية الرأي واحترام حقوق الإنسان.
فها نحن أمام قمة عربية يمكن أن تغيب لبنان عن حضورها، فالمعضلة اللبنانية مرآة تنعكس عليها الحالة العربية الراهنة.