إبراهيم ناصر الجرفي - في كل ذكرى تحل علينا بمناسبة نكبة فبراير 2011م يتلاشى من حولها الكثير من الذين تم التغرير عليهم بشعاراتها الكاذبة والزائفة وتزداد حدة الاختلافات بين المعارضين لهذه النكبة وبين من تبقى من المؤيدين لها ، بين طرف وهم الأكثرية العظمى يرى أنها نكبة حلت باليمن وألحقت به الخراب والدمار ، وبين طرف أصبحوا مع مرور الأيام أقلية يرون أنها ثورة..
والحُكم على الفِعل السياسي في عالم السياسة لا يتوقف على مزاجات وأهواء الأفراد ولا على شعارات ذلك الفعل ، بل يتوقف على نتائجه وإفرازاته فإذا كانت إيجابية كان فِعلاً إيجابياً وإذا كانت نتائجه سلبية كان فِعلاً سلبياً والحقيقة والواقع والأحداث كلها تؤكد على سلبية وكارثية إفرازات ونتائج نكبة فبراير 2011م على المستوى الوطني والشعبي والجماهيري والتنموي والديمقراطي والحقوقي ، وإيجابياتها محصورة على المستوى الشخصي والحزبي لأقلية محدودة من قيادات تلك النكبة وهكذا وضع يجعل من أزمة فبراير فِعلاً سلبياً بكل المقاييس..
هذا بالنسبة لإفرازات ونتائج نكبة فبراير ، أما بالنسبة لدوافعها وأسبابها فالحكم عليها أيضاً يتوقف على نوعية تلك الدوافع والأسباب .. فهل كانت تلك الثورة كما يحلو لمؤيديها أن يصفوها قد قامت ضد نظام حكم ملكي دكتاتوري استبدادي رجعي أم ضد نظام حكم جمهوري ديمقراطي مدني تعددي؟!.. إذا كانت قد قامت ضد النظام الأول فدوافعها إيجابية وعادلة وإذا كانت قد قامت ضد النظام الثاني فدوافعها وأسبابها سلبية وغير عادلة لأن أي تحرك ضد نظام حكم جمهوري ديمقراطي تعددي هو في حقيقة الأمر تحرك لأسباب ودوافع حزبية أو شخصية أو مذهبية أو مناطقية أو رجعية، وأي اختلالات في هكذا نظام مفتوح يتم إصلاحها وتعديلها عبر المؤسسات الدستورية والقنوات الرسمية بدون الحاجة للفوضى والعنف والتمرد والانقلاب كما حدث في نكبة فبراير..
وبالتالي طالما ودوافع وأسباب نكبة فبراير 2011م ليست إيجابية ولا عادلة كونها ضد نظام حكم جمهوري ديمقراطي تعددي بل لدوافع حزبية وشخصية ومذهبية ومناطقية وطالما ونتائجها كانت أيضاً سلبية على الشعب اليمني كما يؤكد الواقع ذلك فإن هكذا وضع سلبي يحتاج لإرادة سياسية وشعبية من جميع الأطراف لتجاوزه والخروج من دوامة العنف والحرب والصراع التي أهلكت الحرث والنسل ودمرت كل شيء جميل في اليمن ، وإصرار أصحاب نكبة فبراير على موقفهم السلبي لن يساهم في التسريع بإخراج الوطن من العاصفة المدمرة التي تفتك به والتي تقضي كل يوم على مقومات الحياة فيه وتمزق وشائج الأواصر والعلاقات الاجتماعية بين أفراده وتصنع المزيد من الأحقاد والبغضاء والفرقة بين أبناء الوطن الواحد..
وهكذا وضع مأساوي وكارثي يمر به الوطن يحتاج لقيادات سياسية تحمل قدراً كبيراً من المسئولية وقدراً كبيراً من الوعي السياسي يدفع بها لتغليب المصالح العليا للوطن على المصالح الشخصية والحزبية والمذهبية والمناطقية ، وذلك من خلال التوقف عن المكايدات والمزايدات التي تزيد من الفرقة والانقسام داخل المجتمع اليمني والتوقف عن التغني بالمشاريع الصغيرة، ومن الخطأ استمرار فصيل أو حزب سياسي في استعدائه لبقية القوى والأحزاب الوطنية..
وطالما والجميع يتغنى بالوطن ويتكلم باسم الشعب ، تعالوا جميعاً إلى صناديق الانتخابات كحل مُرضٍ لجميع الأطراف وكمخرج عادل للجميع لا غالب ولا مغلوب وهذا هو الخيار الوحيد المتاح وما دون ذلك ما هو إلا مغالطات وهروب من الحل ورفض للسلام والتعايش السلمي والشراكة الوطنية الحقيقية ،ويحلم من يظن أن الحال سوف يستقر له خارج الأطر الدستورية، وحالم من يظن أن حل الأزمة اليمنية سوف يكون خارج صناديق الانتخابات كما أن أي مفاوضات أو تقاسمات للسلطة لن يُكتب لها التجاح بدون الاحتكام لصناديق الانتخابات.. فلماذا لا يتم اختصار المسافات والتخفيف من التكاليف والخسائر ورفع المعاناة والمآسي من على كاهل الشعب اليمني من خلال ذهاب الجميع مباشرةً إلى صناديق الانتخابات بكل قناعة ورضا بنتائجها وإفرازاتها، والهروب من هذا الحل المتاح لن يفضي أبداً إلى حل الأزمة اليمنية..
والهروب من الاحتكام لصناديق الانتخابات هو هروب إلى الأمام لن يجدي ولن ينفع ولن يحل الأزمة اليمنية ، بل يزيدها تعقيداً وفي نهاية المطاف سيكون خيار الاحتكام لصناديق الانتخابات هو حبل النجاة لجميع الأطراف وهو المخرج الوحيد لمن يريد أن يخرج من هذه الدوامة بماء وجهه وما دون ذلك هو عبارة عن عبث وإهدار للوقت والجهد ، وبذلك فإن تجاوز نكبة فبراير 2011م يكمن في الاحتكام إلى صناديق الانتخابات لأن تلك النكبة هي في حقيقة الأمر كانت هروباً إلى الأمام من الاستحقاقات الديمقراطية ومن صناديق الانتخابات ومحاولة للالتفاف عليها من خلال سعي بعض الأطراف والأحزاب إلى فرض تقسيمات جغرافية ومحصصات حزبية وشخصية ومناطقية ومذهبية تضمن لها نصيباً من السلطة..
وذلك لأن الفعل الديمقراطي لم يكن يصب في مصلحة قوى المعارضة فحاولت عبر نكبة فبراير القفز فوق الدستور والنظام والقانون وفرض واقع آخر يتماهى مع مصالحها الخاصة دون اعتبار للمصالح العليا للوطن ، وللأسف الشديد كان لها ما أرادت، وها هو الشعب اليمني اليوم يعيش ذلك الواقع المأساوي والكارثي بكل المقاييس ، وهكذا هي النتيجة الطبيعية عندما يتم الانقلاب على الدستور والنظام والقانون وعندما يتم الهروب من الاستحقاقات الديمقراطية .. لذلك يظل الحل الوحيد أمام الجميع للخروج من هذه الأزمة الكارثية هو القبول بالاستحقاقات الديمقراطية واحترام نتائجها بكل روح رياضية ولا مفر من ذلك طال الزمن أم قصر .
|