د.إبراهيم الكبسي - يتعاطف الكثير من العرب مع الشقيقة مصر في قضية سد النهضة، ولكن الحل الأمثل لهذه القضية يكمن في التعاون وعقد اتفاقيات جديدة تكون منصفة وعادلة بين جميع دول حوض نهر النيل، بدلا من اتباع السياسات والتصرفات الأحادية الجانب في مسألة استخدام مياه النهر، فسياسة الحوار البناء، وبناء الثقة، وليس اتباع النهج التصادمي سيكون بداية لاستهلال عصر جديد من التنمية التعاونية لصالح شعوب المنطقة.
لكن هناك حقائق عن نهر النيل يجب ذكرها وهي كالتالي:
1- يتكون نهر النيل من نهرين كبيرين هما:
أ. نهر النيل الأزرق القادم من بحيرة تانا في إثيوبيا والذي يسميه الإثيوبيون بنهر آباي أو عاباي.
ب. نهر النيل الأبيض والذي يأتي من بحيرة فكتوريا والتي تطل عليها دول كينيا وأوغندا وتنزانيا.
ج. يلتقي هذان النهران جنوب مدينة الخرطوم في السودان ليشكلا نهر النيل الذي يمر وسط دولتي السودان ومصر ويصب شمالاً في حوض البحر الأبيض المتوسط.
2- يشكل نهر النيل الأزرق عند موسم الأمطار الصيفية على الهضبة الأثيوبية نسبة 80 ٪ من كمية مياه نهر النيل، وأغلب كمية المياه في هذا النهر تأتي من جبال أثيوبيا وتحمل كميات هائلة من الطمي الخصب الذي يساهم في تخصيب أراضي السودان ومصر.
3- بني سد النهضة على مسار نهر النيل الأزرق بالقرب من الحدود الأثيوبية السودانية (كما هو موضح في الخريطة المرفقة).
4- يمر نهر النيل الأزرق على ثلث الأراضي الإثيوبية فقط، فيما تعتمد بقية مناطق الوسط على الأمطار الموسمية الصيفية، فيما تعاني مناطق الشرق من موجات جفاف متقطعة.
5- بسبب الحروب وعدم الاستقرار السياسي في إثيوبيا خلال القرن الماضي فقد عجزت عن بناء مشاريع مائية تمكنها من استغلال مياه النيل الأزرق في مشاريع زراعية.
6- تستغل أثيوبيا نسبة 1 ٪ فقط من كمية مياه النيل الأزرق بسبب عدم وجود سدود أو حواجز مائية، فيما تذهب بقية كميات المياه نحو الأراضي السودانية والمصرية ثم تصب في البحر الأبيض المتوسط شمالاً.
7- استطاعت مصر والسودان الاستفادة من مياه نهر النيل خلال القرن الماضي بسبب اتفاقيات عقدتها انجلترا أثناء احتلالها مصر والسودا،ن فيما ظُلمت أثيوبيا في بنود كثيرة في هذه الاتفاقيات.
8- كانت مصر هي المستفيدة الأكبر من مياه النيل بسبب الاستقرار السياسي فيها ووجود أنظمة اهتمت ببناء السدود والحواجز المائية والتي كان أكبرها السد العالي جنوب مصر والذي بني في عهد جمال عبدالناصر وكان له دور كبير في حماية مصر من الفيضانات الموسمية وكذلك في توليد الطاقة الكهربائية وأيضا ساهم في توفير المياه اللازمة للزراعة في مواسم الجفاف وكذلك توفير مياه الشرب.
9- كانت أثيوبيا هي الطرف المظلوم والأقل حظاً في مسألة الاستفادة من مياه النيل الأزرق ولذلك فقد عانت لسنوات طويلة من المجاعات المتعاقبة خاصة خلال فترة ثمانينيات القرن الماضي بسبب موجات الجفاف، وكانت أحد أكثر الدول الأفريقية معاناة في مسألة نقص الغذاء وضعف المشاريع الزراعية وفقر السكان واضطرارهم إلى الهجرة بحثاً عن الغذاء والعمل.
10- حالياً اختلف الوضع في أثيوبيا بسبب الاستقرار السياسي ووجود حكومة تسعى لبناء الدولة وعقد الاتفافيات التجارية الضخمة مع دول كبرى كالصين ولذلك فهي بحاجة إلى استغلال ثروتها المائية في الزراعة وتوليد الطاقة الكهربائية وتوفير فرص عمل لشعبها والذي بلغ تعداده قرابة 90 مليون نسمة.
لذلك وكما قلت سابقاً لابد لجميع دول حوض النيل من التفاهم وعقد اتفاقيات جديدة عادلة ومنصفة تضمن اعطاء كل ذي حق حقه، حيث إن التصميم على التمسك باتفاقيات قديمة فرضها الإنجليز لصالح مستعمراتهم في مصر والسودان أصبح غير مقبول وغير عادل لدولة حضارية قديمة ومهمة كأثيوبيا، وليس من صالح العرب معاداة دولة جيدة كأثيوبيا والتي تعتبر شريكاً حضارياً واقتصادياً مهماً للدول العربية منذ الأزل، كما أن كميات المياه القادمة من بحيرة فكتوريا وما يفيض من سد النهضة لاتزال جيدة للسودان ومصر، وأيضاً لا ننسى أن السد العالي ومن ورائه بحيرة ناصر لا تزال تحتفظ بكميات هائلة جداً من المياه ويمكن استخدام هذا السد لتنظيم مرور كميات مائية جيدة للأراضي الزراعية في مصر.
أيضاً لا أنسى ذكر وجود نزاعات مائية أخرى في منطقتنا العربية، كالتي بين تركيا من جهة والعراق وسوريا من جهة أخرى بخصوص مياه نهري دجلة والفرات، عندما قامت تركيا ببناء سدود كثيرة على مجرى هذين النهرين، وكذلك هناك النزاع القائم على حوض نهر الأردن بين العرب من جهة واسرائيل من جهة أخرى.
|