إبراهيم ناصر الجرفي - أعتقد جازماً أن أغلب الأزمات والصراعات والخلافات ، التي تعاني منها المجتمعات العربية عموماً ، والمجتمع اليمني خصوصاً ، هي النتيجة الطبيعية والمنطقية لانزلاق مؤسسات الدولة في دوامة الفساد ، وعدم التزامها بالنظام والقانون واللوائح ، وعدم التزامها بأسس الإدارة العلمية الحديثة ، وعدم التزامها بالشفافية المالية ، والشفافية الإدارية ، وكل ذلك بسبب التدخلات السياسية والحزبية السلبية ، في عمل وتعيينات وقرارات مؤسسات الدولة ..!!
وأزيدكم من الشعر بيتاً..
لا يمكن لأي نظام سياسي في العالم ، تحقيق أي نجاحات سياسية ، أو اقتصادية ، أو تنموية ، بدون إصلاح منظومته الإدارية ، وإخضاعها لقوانين الإدارة العلمية الحديثة ، وتطبيقها مبدأ الشفافية الإدارية والمالية ، في كل تعاملاتها ، وإجراءاتها ، ومخرجاتها ، ومدخلاتها ، وتحريرها من التدخلات السياسية ومن الولاءات الحزبية ، والمذهبية ، والمناطقية الضيقة..
ولا يمكن لأي مؤسسة حكومية أو عامة أو خاصة تحقيق أي تطور ، أو تقدم أو نجاح أو إبداع ، بدون إصلاح منظومتها الإدارية الداخلية ، وبدون إخضاع سياساتها وتعاملاتها للشفافية الإدارية ، وبدون تطبيقها قوانين الإدارة العلمية الحديثة ، لأنه من غير الممكن عقلاً ومنطقاً ، إحداث إصلاح مالي وإداري ، وإحداث تطور وتميز في الخدمات التي تقدمها هذه المؤسسة أو تلك ، ومنظومتها الإدارية وقراراتها وتعييناتها ومدخلاتها ومخرجاتها وتفاعلاتها تحكمها البيروقراطية الحزبية ، أوالمذهبية ، أوالمناطقية ..!!
يا ناس .. يا عالم .. الإدارة يجب أن تخضع لأسس ومبادئ الإدارة الحديثة ، من تنظيم ، وتخصص ، ورقابة ، وتوجيه ويجب أن تخضع جميع التعيينات في المناصب الإدارية للكفاءة ، والخبرة ، والمؤهل ، والأقدمية والتخصص ، بموجب اللوائح ، والقوانين المنظمة لذلك ، وبدون تحقيق تلك الأسس الإدارية والالتزام بها ، من الصعب تحقيق أي نجاح ، أو إنجاز ، أو تطور على كل المستويات كون نجاح العمل الإداري يتطلب تحريره من كل القيود السابقة التي تقف عائقاً أمام تطوره ونجاحه وتقدمه..
عندما ندرك ونؤمن بأن الإدارة علم ، وفن ، وخبرة وكفاءة وقوانين ولوائح عندها فقط يمكننا إصلاح منظومتنا الإدارية ، من خلال تحريرها من التدخلات السياسية والحزبية والبيروقراطية وذلك عن طريق التزامنا بمبادئ الإدارة العلمية الحديثة ، ومن خلال احترامنا للوائح والقوانين ، وبإصلاح منظومتنا الإدارية ، سوف تصلح كل أحوالنا وتحل كل مشاكلنا ، وسوف تتوقف على الفور كل صراعاتنا السياسية ، التي هي في الحقيقة ، ليست سوى صراعات للسيطرة والتحكم في المنظومة الإدارية للدولة ، وللسيطرة على الموارد المالية للدولة ، وللاستيلاء على المناصب الحكومية ، بعيداً عن الأسس الإدارية الحديثة ، ولوائح وقوانين الخدمة المدنية..
لكن لو كانت منظومتنا الإدارية الحكومية ، تعمل باستقلالية تامة بعيداً عن التدخلات السياسية والحزبية كما هو معمول به في بقية دول العالم المتقدم ، وكانت خاضعة للأسس والمعايير الإدارية الحديثة ، وكل تعييناتها وقراراتها وترقياتها خاضعة للوائح وقوانين الخدمة المدنية ، وكل إجراءاتها المالية والإدارية تتم بشفافية ووضوح وفق لوائح وزارة المالية ، فلن يكون هناك من داعٍ لكل تلك الصراعات والخلافات ، التي يعاني منها مجتمعنا اليمني ، طالما والجميع خاضعون للنظام والقانون ، والذي بدوره يقطع الطريق أمام الأطماع والصراعات الفردية والجماعية ، ويولد لدى الجميع القناعة بأنهم لن يحصلوا على حقوقهم الإدارية والمالية خارج الأنظمة والقوانين واللوائح النافذة ، وعندها لن يكونوا في حاجة لممارسة السلوكيات السلبية والعدوانية ..
خلاصة القول:
عدم الالتزام بالنظم واللوائح الإدارية الحديثة ، هو ما يشجع على حدوث المزيد من الصراعات السياسية ، كونه يحول الوظيفة العامة إلى غنيمة وفيد ، وهو ما يفتح شهية أصحاب الأطماع السلطوية ، للفوز بالغنائم خارج إطار النظام والقانون ، ويفتح المجال لغير المؤهلين ، وعديمي الكفاءة والخبرة لتولّي أعلى المناصب الحكومية ، وأفضل وسيلة لتحقيق ذلك بالنسبة لهم ، هي طريق العنف والقوة ، وهو ما يدفع إلى حدوث الصراعات السياسية ، بينما الالتزام بالنظم الإدارية والاستقلالية الكاملة للمنظومة الإدارية من التدخلات السياسية والحزبية هي الوسيلة القادرة على قطع الطريق أمام كل طامع ، لأن الوظيفة العامة في هذه الحالة ، سوف تصبح استحقاقاً وجدارة وعندما تصبح الوظيفة العامة استحقاقاً وجدارة وليست مغنماً ولا فيداً عندها لن يكون هناك من جدوى للصراع والعنف والفوضى ..
بمعنى أكثر دقةً لن تستقر بلادنا وتتوقف الصراعات السياسية والسلطوية فيها إلا عندما تتحرر المنظومة الإدارية من التدخلات السياسية والحزبية وتتم كل التعيينات والترقيات الإدارية في كل مناصب الدولة وفق النظام والقانون ولوائح الخدمة المدنية ومبادئ الإدارة العلمية الحديثة باستثناء المناصب السيادية كالرئاسة والوزراء والتي تخضع لنتائج العملية الديمقراطية، ولا يحق للرئيس أو الوزير تغيير أي مسئول إلا في حال إدانته أو فشله أو عدم التزامه بتنفيذ البرنامج الحكومي، ويتم التغيير وفق الأقدمية والكفاءة والخبرة والتسلسل الإداري ..
|