د. عبدالوهاب الروحاني - (1)
تنزف كما ننزف، وتعاني كما نعاني.. ترزح تحت وطأة الجور والنار كما نرزح، وتكابد تكالب اللئام كما نكابد، تعاني التشرد والشتات كما نعاني.. والفرق بيننا وبينها يكمن في ثلاث :
الاولى: ان عمر معاناتها بلغ 73 عاماً، وعمر معاناتنا لا يزيد عن ست سنوات.
الثانية: جاءت معاناتها بفعل احتلال صهيوني غاصب، وجاءت معاناتنا بفعل احتلال داخلي وخارجي صلف ومتعجرف، ممول من الاخوة والجيران.
الثالثة: معاناتها صقلت تجربتها في المقاومة، وانضجت عقول أبنائها، ونهضت بشبابها علما وفكراً وحداثة، ومعاناتنا زادت عقولنا صداءة، وصقلت تجربتنا في الجهالة والتخلف واعادتتا ألف عام إلى الوراء.
تلك هي الارض المقدسة في تاريخ كل العصور وكل الديانات.. هي فلسطين في الذاكرة والوعي الثقافي العربي والانساني.. في التاريخ والحاضر، وفي كل الوثائق، حتى في وعد بلفور "وعد من لا يملك لمن لا يستحق" هي أيضاً ارض فلسطين »Palestine«.
هي أرض بشعب جبار ومقاوم، وليست كما زعم الصهاينة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض".. كذبوا وروجوا لكذبتهم.. ليبرروا احتلالهم وعربدتهم ضد من تلونت وجوههم بالارض والسهل والجبل..
(2)
كذبوا وقالوا :
* ان فلسطين هي "ارض الميعاد" التي وهبها الله لشعبهم، مع ان الله في موروثهم التوراتي اوجب عليهم التشرد والشتات.
* قالوا "نحن شعب الله المختار" واشراقة الله في ارضه، ونحن المخلصون، ومحققو العدل وصناع السلام.
* كذبوا وقالوا انهم "ابناء الله واحباؤه"، وانهم الانقى والاطهر، وان مادونهم من البشر وما يملكون مسخر لخدمتهم، وانهم فوق كل ذي علم عليم.
* كذبوا وقالوا ان الآخرين اغتصبوا حقهم، فمارسوا ضدهم العنصرية، والقتل، والنهب والسرق، وخربوا ودمروا، وادعو ملكية كل شيء باسم الله.
يريدون دولة دينية خاصة بهم، فهم يطلقون على غيرهم من اصحاب الديانات الاخرى بـ"الأغيار" أي الآخرين الذين لا ينتمون لعرقهم حتى وان كانوا يهوداً (السفارديم مثلاً)، وهم في عقيدتهم مغتصبون "كاذبون بطبيعتهم"، لا يقبلون بتزويج بناتهم منهم، ولا يحتفلون بأعيادهم، ولا يقبلون بشهاداتهم في محاكمهم الشرعية.
أما محرمات السرقة والقتل والنهب فهي عندهم لا تجوز على "اخيك اليهودي" من ذات العرق، أما على الآخرين من خارج عرقهم العنصري فهي جائزة ومباحة..
(3)
صدقها العرب:
هذه الأكاذيب والهرطقات روج لها العنصريون الصهاينة، وصدقها كثير من عرباننا الجهلة، وروجوا لها ايضاً، وتنادى المراهقون منهم في الدين والسياسة فقالوا كذباً:
* ان "المقاومة الفلسطينية إرهابية"، واسرائيل (حمامة سلام) "تدافع عن نفسها وشعبها".. بينما المقاومة تدافع عن قدسها وارضها وعرضها، والعدو يمارس ارهاب الدولة ضد المدنيين.
* قال بعض مشائخ دينهم "ان المسجد الاقصى يجب ان يكون شراكة لأصحاب الديانة الابراهيمية " وهو الدين الجديد الذي يدينون به.
* قالوا في موكب التطبيع ان "فلسطين كذبة كبرى" بينما التاريخ والحاضر والمستقبل يقول لنا ان "اسرائيل هي الكذبة الكبرى"..
* قال الصهاينة الجدد "ان الفلسطينيين باعوا أرضهم وبيوتهم للمهاجرين اليهود"، مع ان من باع واشترى، وسمسر وتاجر وزور، هم جماعات ارهابية متطرفة ومنبطحة للانتداب حينها، تماماً كما هم يفعلون اليوم..
(4)
فلسطين اليوم تنتصر للقدس ولغزة ولقضيتها.. افشلت آلة الحرب الاسرائيلية، وعرت غطرسة نتنياهو، بالتأكيد ليس بالجيوش العربية، ولا بعرب التطبيع، ولا بأموال النفط، وانما بقوة ارادة شبابها، بانتفاضتها، التي شملت كل ارضها ومدنها، وشبابها، في الداخل وكل مدن العالم.
تحية لفلسطين مقاومة ومنتصرة..
|