د.صادق وجيه الدين -
من المصادفات الجميلة أن نخرج من مناسبة عيد ديني، ثم ندخل مباشرةً في مناسبة عيد وطني؛ فالعيد الديني هو عيد الفطر المبارك الذي يفرح به المسلمون تقرُّبًا إلى الله وتعظيمًا لشعائره التي هي من تقوى القلوب، وشكرًا له -سبحانه- على ما أنعم به عليهم من خيرات في شهر رمضان؛ والعيد الوطني هو عيد الوحدة الوطنية الذي يحتفي به اليمنيون سنويَّا، منذ أكثر من ثلاثة عقود، فرحًا وسرورًا بذكرى الوحدة التي تحقَّقت في الثاني والعشرين من مايو في العام 1990م.
إنَّ هذا الإنجاز العظيم (الوحدة الوطنية) الذي نحتفي به -وهو حق لنا، بل واجب علينا- لم يكن تحققه ناتجًا عن قرار متسرِّع من قيادتي شمال الوطن وجنوبه حينها، كما نسمع مثل هذه التُرَّهات بين الحين والآخر من قلة قليلة فقدت البوصلة العقلية قبل الوطنية، ولكنه جاء تتويجًا لجهودٍ كبيرةٍ ومساعٍ طويلةٍ، قام بها أبناء شطرَي الوطن، ويكفي لتأكيد ذلك أن تحقيق الوحدة مثَّل هدفًا من أهداف الثورة اليمنية »26 سبتمبر 1962م« في الشمال، وكان هدفًا أيضًا من أهداف ثورة »14 أكتوبر 1967م« في الجنوب، وكان عاملاً من العوامل التي تبرز (واحدية الثورة اليمنية).
وعلى الرغم من جملة التحديات الصعبة والمتداخلة التي يواجهها الوطن منذ أكثر من سبع سنوات، لحظنا فيها استهدافًا بارزًا وواضحًا وعلنيًّا للوحدة الوطنية؛ فإنَّ هذه المناسبة تشهد احتفاءً واسعًا في مختلف مناطق الوطن الكبير، في صورة تمثِّل أكبر رد على المحاولات البائسة والفاشلة التي يسعى أصحابها من خلالها إلى إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء، وأنّى لهم ذلك، ولا سيَّما أنَّ الوطن شهد تحولاتٍ كبيرةً وإنجازاتٍ واسعةً، على مختلف المستويات، وفي كافة المجالات، خلال العقود الثلاثة الماضية التي أعقبت إعلان الوحدة، وهو ما يؤكِّد أنها مثَّلت بوابة العبور إلى اليمن الجديد.
ولمن نصبوا أنفسهم -من تلقاء أنفسهم وبإيعاز من غيرهم- أوصياءَ على أبناء جزء من هذا الوطن، وأصبحوا يتصدرون المشهد ويعيشون الدور الوهم، أطلب منهم أن يأخذوا الحكمة من فم (فودة)، وفودة هذا هو اسم الشهرة لرجل من أبناء محافظة الضالع، كان يحسبه الناس مهزوز العقل والتفكير، أي أنهم -بشكل أوضح- كانوا يرون فيه شيئاً من الجنون، قبل أن يقتحم قهوةً يتردد عليها من كانوا قبل أكثر من عقد يتجمّعون للتآمر على الوحدة، فطلب من العامل في القهوة كوبًا من الشاي الحليب، ثم طلب منه كوبًا من الشاي الأحمر، ثم طلب منه كوبًا كبيراً يستوعب الشاي الموجود في الكوبين السابقين، وعندما تم إحضاره جمعهما وسط استغراب من كانوا حوله، ثم نادى الموجودين للانتباه إليه، وسألهم: (هل يمكن الآن أن أعيد كلاً من الشاي الحليب والشاي الأحمر إلى مكانه، مصفَّى مما اختلط به)، وعندما أكد له الناس تعذُّر ذلك، أكد لهم أن الشعب اليمني بات شعبًا واحدًا، ومن المتعذر إعادة كلٍّ من الشعبين إلى ما كان عليه قبل 1990م.
إنَّ الحديث عن الوحدة الوطنية يظل محتفظًا بمذاقه الخاص ونكهته المختلفة، رغم أنف الظروف والأحوال المحيطة بنا، وما يمكن تسطيره عنها ليس سوى القليل مما نشعر به نحوها، ولهذا فقد شعرتُ بسعادة وحماسة وأنا أتلقَّى دعوة كريمة للإسهام بمقالة في هذا العدد الذي تكرِّسه صحيفة (الميثاق) لهذه المناسبة، وهذا ما اعتدناه منها في كل مناسبة وحدوية، وفي كل مناسبة من المناسبات الوطنية الغالية، ما يعكس الإحساس الوطني العالي لدى طاقمها الجميل، ولدى حزب المؤتمر الشعبي العام عمومًا.
sadikwagih@yahoo.com
| 
من عيد الفطر إلى عيد الوحدة
