حاورتها - نادية صالح - قالت الرسامة التشكيلية سبأ القوسي، إن السلام ليس أمنية طوباوية وليس حجة يتسلق عليها مدَّعو الرحمة والعطف والنبل والأخلاق، فالسلام تصنعه الشجاعة الأدبية بقول كلمة الحق وفي وضع النقاط على الحروف، وفي مواجهة الأخطاء.
وأشارت القوسي إلى أن الحركة التشكيلية في اليمن في عصرها الذهبي تزامنت مع الانفتاح الثقافي على الحضارات والفنون الأخرى تزامناً مع القفزة النوعية التكنولوجية خلال الفترة السابقة والتي ساهمت بشكل كبير في هذه النهضة الفنية من خلال تبادل الخبرات و الاستزادة المعلوماتية وتعويض القصور الفني الذي نفتقر له في بلدنا بسبب غياب الوعي الفني.
وأكدت في حوار أجرته معها صحيفة »الميثاق« أن الواقع المعيش والقضايا ذات الشأن الكبير الوطني والإنساني والقومي هي المحرك والدافع للفنان، ليظهر فيها إحساسه ويعكس معاناة المجتمع من حوله بعيداً عن التعالي والظهور الإعلامي لغرض الظهور فقط، داعية إلى جعل الهم الاول والجامع للكل هو الظرف العام الذي نعانيه، دون تخندق وعصبيات، كما تحدثت عن عدد من القضايا الفنية والإبداعية وما يعانيه الفنان اليمني خلال هذه الفترة، في الحوار التالي:
* الفنانة المبدعة سبأ القوسي، أهلاً وسهلاً بك.. هل بالإمكان إعطاؤنا نبذة تعريفية عنكِ؟
- سبأ القوسي معروف عني فنانة تشكيلية، وهاوية للفنون بشكل عام، لي اهتمامات عدة كالكتابة وبعض الأنشطة الميدانية وفي الأعمال الفنية غالباً، خريجة بكالوريوس لغات -لغة ألمانية، عملت في الحقل التربوي لفترة ومن ثم انتقلت للعمل الإعلامي في المجلس المحلي لمديرية الوحدة بأمانة العاصمة صنعاء.
* بمن تأثرت سبأ في البداية.. وما أول لوحة لك ؟
- تأثرت بالجمال المتجسد بكل قطعة فنية حولي، ومن خلال بعض الدول التي زرتها بطفولتي ترسخ في ذهني أهمية الفنون وأثرها على النفوس، وقيمتها الجمالية للشعوب.
لا استطيع ان اتذكر اول بداياتي بالدقة لأن الرسم نشأ معي منذ الطفولة بعمل كامل وشبه مكتمل.
* متى ترسم سبأ القوسي ؟ وهل كان للحرب والظروف التي تمر بها اليمن تأثير في تكوين لوحاتك؟
- الرسم حالة وجدانية مرتبطة بما يحرك فكرة في أعماقي أو همّ أو يلفت انتباهي بشكل ذاتي، لا أقبل أو أستجيب لأي إيحاءات أو توجيه أو طلب بأن ارسم، بل الفكرة وموضوع اللوحة هو الذي يستدعيني ويوحي لي..
ولهذا فالقضايا ذات الشأن الكبير الوطني والإنساني والقومي هو المحرك والدافع للريشة في أن تمزج الالوان والرموز الى ما يبلور الهاجس الذي اعبر من خلاله عن همي الذاتي مع هذا الهم، وليس هذا فحسب حتى بعض القضايا الأقل شأناً في تفاصيل الحياة قد تكون كذلك فهناك بعض القضايا ما يفلسفها الفكر والذهن ولابد أن تكون لريشتي فيها بصمة، كيف لا يكون لها بصمة في أكبر واعقد ظرف تعيشه الجمهورية اليمنية وشعبها، ظرف العدوان الغاشم وحصاره الجائر الذي استهدف هيبة وكرامة دولة وشعب، ودمر وانتهك إنسانيتنا، فكانت لي لوحات أجدها متميزة واعتبرها مجلدات كتب اختزلت التعبير عن معاناة الشعب في هذا الظرف بلوحات متواضعة اراها القمة ويراها غيري كيفما يراها لكنها بين جهدي وفهم الآخرين لغايتي أوصلت الرسالة التي قصدتها، والحمدلله أدركت صدى هذه الرسالة ليس على المستوى الوطني فحسب بل وعلى المستوى العربي والإنساني.
* هل برأيكٍ الفنان هو نتاج الدراسة الأكاديمية أم هو نتاج الحالة الإبداعية ؟
- الدراسة الأكاديمية ترى الفن من زاوية دقيقة في الحسبة من خلال النظريات والقياسات، والقواعد الأساسية لتأسيس اي عمل فني، لكن الإبداع هو روح الفن ومن يعطيه حيويته ويمنحه فلسفته لأن الإبداع فكرة حية، ولا يسقط ذلك دور الدراسة الأكاديمية في إكمال الصورة في احترافيتها، لكن يبقى الإبداع هو سحر الفنان وليس المهنية.
* كيف يمكن تقييم دور المثقف والفنان والمبدع اليمني في هذه الظروف (ظروف الحرب والعدوان) التي يشهدها اليمن منذ 2015؟
- دور المثقف اليمني بهذه المرحلة للأسف ليس عند بمستوى توقعاتي، فقد كانت النخبة المثقفة تحافظ على نمطيتها المتعالية، تعيش بين كواليس الكلمات والجمل وإنتاجاتهم القصصية والكتابية، ويعيشون في قصور عاجية بعيداً عن عامة المجتمع ومعاناته وعن همّ الوطن، فتراهم متباهين بإنتاجات ذا وذاك بلغة لا تُفهم في مثل هذا الظرف، وإن أظهروا احساساً بالمعاناة حرصوا على حصرها في أعلام ورموز فكرية وثقافية من وسطهم، إياً كانت طبيعة ظروف كل حالة، بينما كنت أرجو واتوقع -مع احترامي لكل منهم في فكره ورأيه ومزاجه- أن يكون الهم الاول والجامع للكل هو الظرف العام الذي نعانيه، دون تخندق وعصبيات وبما لا يجعل الرتابة في التوصيفات التقليدية للوطنية واللاوطنية، كأن تكون مع هذا وطنية، واللاوطنية أن تكون مع ذاك، فيجب أن يعمق المثقفون رسالة الرأي والرأي الآخر والقبول والتعايش، ورفض الإقصاء وحق الواحد منهم والمجموع في النقد البنَّاء،لا منهج التناولات التي فيها بُعد من الشخصنة والعصبيات الحزبية والجهوية والمذهبية.
* واقع المشهد الثقافي العام في اليمن، كيف يمكن قراءته خلال ستة أعوام من الاستقطاب السياسي الحاد والصراع المسلح المتداخل؟
- المشهد الثقافي تعبر عنه منصات عرض الفنون التشكيلية والمسرحية والتمثيلية بشكل عام، وطباعة الكتاب، وخلال السنوات الست هذه نعم إن كل ما يتعلق بالعدوان له أولوية في فضح جرائم العدوان، وله دور مهم في تعبئة الجبهة الداخلية والثبات والصمود والتلاحم، وكنا في البداية نمشي بهذا الاتجاه وبتنوع ملحوظ وكنا النتاج الثقافي بشكل عام، إلا أنه بدأ يتراجع بسبب سيطرة أحادية بحجة العدوان وفرض فرص ولون ادبي وثقافي مجير لمن يسيطرون ويتحكمون في هذه الأنشطة الى حد بلغ أن يكون كل ما يعرض يكون ناطقاً باسمهم وثقافتهم وعقيدتهم مما سبب نفور، على سبيل المثال عندما زارني طاقم قناة عربية وأخذ من وقتي وجهدي في التصوير والتوثيق ولأن طرحي لم يتوافق مع ما كانوا يريدون أن يصلوا إليه ضمن خطهم ومنهجهم وسياسة القناة فقد تم التحفظ الى الآن عن إذاعة البرنامج.. ومثل آخر هناك كثير من الكتب في الهيئة العامة لم ترَ النور لنشرها، بينما هناك العديد والكثير من الإصدارات السطحية والتعبوية وتوزع بالمجان إذا كانت الحجة متعلقة بالامكانات، والأنكى أن نعلم أن هناك كتباً او كتاباً أصدر من دائرة التوجيه المعنوي ومع ذلك تم إتلافه.. وفي إطار الفن التشكيلي، الفنان يحتاج إلى دخل وتسهيل حضوره ومشاركته، لاسيما واللوحات مرتبطة بموضوع الحدث، لذا يجب ألا يعاني الفنان في ايصالها واعدادها وحتى في إعادتها..
أما الأمور الأخرى حين نتحدث عن الدراما فكل قناة تعد دراما موجهة ضد الآخر وبشكل مجحف كما في مسلسل ليالي الجحملية، وغيرها حيث لا مجال لذكرها..
* كيف تقيّم سبأ الحركة الفنية التشكيلية في اليمن؟
- الحركة التشكيلية في اليمن في عصرها الذهبي تزامناً مع الانفتاح الثقافي على الحضارات والفنون الأخرى والتي تأتى كلها مع القفزة النوعية التكنولوجية خلال الفترة السابقة ساهمت بشكل كبير في هذه النهضة الفنية من خلال تبادل الخبرات والاستزادة المعلوماتية وتعويض القصور الفني الذي نفتقر له في بلدنا بسبب غياب الوعي الفني.
ومن جهة أخرى كان للظروف الأليمة التي نمر بها دور كذلك في دفع المبدعين للتعبير عن وجعهم وموقفهم، وهذا ما تجلى لي من الانتفاضة الفنية للمعارض المدرسية وكذلك المعارض الشخصية للصاعدين والمبتدئين في هذا المجال.
* ما دور الفنان في إحلال السلام ؟
- السلام ليس أمنية طوباوية وليس حجة يتسلق عليها مدّعو الرحمة والعطف والنبل والأخلاق.. السلام تصنعه الشجاعة الأدبية بقول كلمة الحق وفي وضع النقاط على الحروف، وفي مواجهة الأخطاء، ورفض مشروع العدوان، في رفض الظلم والفساد، ورفض العمالة والارتهان للتجاذبات الإقليمية والدولية التي تجرّدنا كوطن من سيادتنا وكمجتمع من تفكك نسيجنا الاجتماعي، وفي شعب مما نعيشه من معاناة.. وحين نؤشر على ذلك ونجمع على حسن تشخيص نوافذ الاذية لنا، سنتمكن من صنع سلام حقيقي يقوم على احترام سيادتنا وسيادة الوطن والحفاظ عليها ، والحفاظ على هيبة الدولة ومؤسساتها يتقيد أداؤها بالقوانين والدستور، ورفض أي تدخلات او وصايات خارجية على قرارنا الوطني ومقدراتنا ومصيرنا.. حينها سنكون في جو من التعايش والاختلاف الطبيعي الذي ينوع عطاءنا ويثريه، ويمكنا من العيش والقبول ببعضنا البعض.
|