أوس مطهر الأرياني - المقطع الثالث من مقاطعَ عدة، أعتقد أني عرفت يقيناً عددَها
توجَّهْتُ نحوَ الخوفِ في عقر دارهِ المطلِّ على وادٍ مخيفٍ يزمجرُ
فألقى ظلامُ الليلِ رعباً، ووحشةً على مُهجتِي،
والرعدُ يعوي ويزأرُ
وشَلْشَلَ غيثٌ ليسَ فيهِ غضاضةٌ سوى أنَّهُ -يا غارةَ اللهِ- أحمرُ
يسيلُ إلى وادٍ عميقٍ
جرت على جوانبه من سكبةِ الدمِ أنهرُ
وأزهرت الأرضُ اليبابُ جماجماً، وأشلاءَ،
مَنْ سارَ فيها تحذِّرُ
ومِنْ لمعةِ البرقِ الذي أشعَلَ الدُّجَى بَدَا القصرُ لي،
وجهاً عن النابِ يُكشِرُ
وقفتُ أمام البيتِ،
والقلب راجفٌ
أقدِّمُ رجلاً نحوَهُ، وأؤخِّرُ
دفعت بكفي الباب..
قاوَمَ صائحاً: "حذارِ..
حذارِ..
لا تلِجْ"
إذ يُصَرصِرُ
"سلامٌ.."
ولم أكملْ من الخوفِ جملتي وقد صاح صوتٌ بي:
"سلامُكَ مُنكَرُ
إذا جِئتَ تحتالُ السلامةَ فابتعدْ وولِّ،
فدارُ الخوفِ بالموتِ تزخَرُ
وحينَ استدارَ الخوفُ عاينتُ وجهَهُ،
وأدركتُ أنَّ الذُّعرَ مِنهُ لَيُذعَرُ
وفي كفِّهِ شيءٌ غريبٌ،
وبقعةٌ من الدمِ فوق الأرضِ بالموتِ تُنذِرُ
عجبتُ لقلبي كيف لم يَجرِ نبضُهُ،
وليسَ سوى روحي ارتياعاً تُغَرغِرُ
نظرت إلى صدري فشاهدت فجوة يحيطُ بها سوراً دمِي المُتخَثِّرُ
وشاهدتُ قلبِي في يديهِ، وفوقَهُ بقايا الهوى المذبوح،
والدمُ يقطرُ
وصاحَ: "قتلتَ الحبَّ ظلماً، وغيلةً،
وطبع الهوى مِمَّنْ يعاديه يثأَرُ
وما دُفِنَتْ في باطنِ القلبِ قِطعَةٌ مِنَ الحُبِّ إلا بعد حِينٍ ستظهرُ
ففيهِ بذارٌ دفنُها سرُّها الذي تعيشُ طَوَالَ العُمرِ فيهِ، وتزهرُ
نعم..
سيموت الحبُّ يوماً، وينتهي
ويُقبَرُ في جوفِ الثرى
حينَ تُقبرُ
فهذا سرورُ الحبِّ فيكَ طفا على محيَّاكِ فامسحْهُ إذا كنتَ تقدرُ
وأنَّى ابتسمْتَ ازدادَ حزنُكَ
حينَهَا ستدرِكُ أنَّ الحبَّ لا زال يكبُرُ"
|