استطلاع / عبدالرحمن الشيباني - يحتفي اليمنيون جميعاً بثورة الـ26 من سبتمبر الخالدة في العام 1962م التي يصادف هذه الأيام ذكراها الـ59 من عمرها المديد والوطن يشهد ظروفاً استثنائية بالغة التعقيد ، وكالعادة لا يترك الشعب اليمني هذه الذكرى العزيزة تمر عليه مرور الكرام لذلك فلا غرابة أن نراه محتفياً بها مشكلاً صورة ناصعة البياض لمعنى الانتماء وتجذر أهدافها في مخيلهم الشعبي والوجداني ولتمثل لهم دافعاً قوياً لاستلهام بطولات الرجال الذين صنعوا مجداً وحملوا أرواحهم على أكفهم من أجل حياة جديدة بعد أن رزح اليمنيون عقوداً طويلة فى الظلام تحت حكم الأئمة الإقطاعي الكهنوتي المستبد..
يستلهم اليمنيون اليوم وهم يحيون ذكرى ثورتهم المجيدة عظمة الفعل والإنجاز عازمين العهد على مواصلة درب النضال خصوصاً ونحن نشهد عدواناً وتآمراً واضحاً من قبل القوى الاستعمارية وأدواتها التي تسعى للوصاية على مقدرات اليمنيين من خلال شن عدوانهم وحربهم المستعرة منذ سبع سنوات واحتلالهم أجزاء غالية من وطننا اليمني الذي يأبى الاستسلام مواصلاً نضاله من أجل إنهاء هذا الواقع المفروض عليه مبقين العهد على وفائهم لثورة سبتمبر ورجالها والسير على خطاهم مستلهمين مبادئها ومعانيها لتحقيق النصر.
ينظر اليمنيون اليوم لسبتمبر بأنه حدث تاريخي عظيم لا يمكن نسيانه أو تجاوزه بأي حال من الأحوال معتبرين أن ثورتهم السبتمبرية هي تعبير عن معنى الوجود الذي حاولت الإمامة على مدار سنوات حكمها البغيض نكرانه وتجاوزها للتاريخ ومصادرة الحق المشروع في التحليق فى فضاءات الحرية وخلق واقع افضل موفور الكرامة..
ثورة قيم
يقول الباحث د. عارف عبدالرزاق عن ثورة سبتمبر إنها ستظل حدثاً استثنائياً وثورة خالدة نقلت اليمن من ظلمة الكهوف إلى رحاب العصر، كان قربانها آلافاً من أنبل وأشجع الرجال اليمنيين من ابناء الشمال والجنوب والمصريين على السواء، ليصنعوا ذلك التحول في حياة الشعب اليمني ولتخرجه من ظلمات الجهل والتخلف والاستبداد إلى آفاق العدل والمساواة والحرية..
وأضاف: "قيمة هذه الثورة العظيمة لا تكمن في القضاء على الكهنوت والظلم والاستبداد فقط لكنها كانت المحور الذي بدأت من خلاله مسيرة إعادة توحيد شطري الوطن الواحد ودعم الثورة في جنوب الوطن ضد المستعمر البريطاني فمن يحتفل بهذه الذكرى لا بد أن يمتلئ قلبه وجدانه بقيمة عليا لا تنفك عن حرية هذا الشعب وكرامته، ألا وهي الوحدة اليمنية.
في هذه الذكرى يجب أن نعي أكثر أننا مطالبون بالوقوف كرجال أحرار وكرام ضد كل مشاريع الكهنوت والتقسيم والاحتلال، والأهم من ذلك أن نستبدل الأحلام والطموحات بالخطط والمشاريع العملية والمواقف الواضحة..
واختتم د عبدالرزاق بالقول : "ثورة الـ26 من سبتمبر اعطت قُبلة الحياة للشعب اليمني عام 62م ولايمكن العودة الى الخلف.. فلابد لليل ان ينجلي ولابد للجهل ان يختفي.
الثورة السبتمبرية أعادت صياغة الإنسان اليمني على مبدأ المساواة والعدل وقضت على فرمان التفريق السلالي القائم على تقسيم الناس بين سادة وعبيد".
يوم أغر
واحتفاء بهذه الذكرى قال الإعلامى/خالد المنيفي: إن ثورة 26 سبتمبر لم تكن مجرد ثورة بل مسيرة حياة لشعب بأكمله ظل ميتاً عقوداً وعقوداً من الزمن في ظل الإمامة الكهنوتية وظلاميتها..
وأضاف: "في ذلك اليوم الأغر قرر الشعب اليمني أن يحيا أو يمنح الحياة للأجيال القادمة، خرج الثوار الأحرار في السادس والعشرين من سبتمبر المجيد ليعلنوا جميعا أن انكسار الشعب اليمني لن يستمر بعد ذلك اليوم وأن الشعب من تلك اللحظة الثورية سيغدو هو صاحب الكلمة الفصل في تقرير مصيره فقضى على الإمامة بما تمثله من التسلط وأعلن قيام النظام الجمهوري الذي يمثل درجة راقية من احترام الإنسان بما يمنحه من الحرية والكرامة والعيش الرغيد ويفتح البلد على العالم بعد أن ظل مغلقاً إثر تحويله من جانب الكهنوت إلى ملك خاص له ولاسرته ولحاشيته المقربين..
قرر الشعب إشعال الثورة الخالدة في السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962م لمحو الأمية ببناء المدارس والجامعات والقضاء على المرض ببناء المستشفيات وتأهيل الأطباء.. قرر الشعب أن يكون نظاماً يشتمل على ثلاث سلطات تنفصل كل واحدة منها عن الأخرى بعد أن عمد الإمام إلى تركيز كل شيء بيديه وصار هو صاحب الأمر والنهي في كل شيء.. قرر الشعب بناء المؤسسات والاختلاط بالعالم بعد أن كان معزولاً تماماً ..
واختتم الاستاذ خالد قائلاً: "ثورة السادس والعشرين من سبتمبر أخرجت شعباً بأكمله من الجحيم إلى ظلال حياة مختلفة تماماً ، أدرك الشعب فيها نفسه وعرف قدره الرفيع وحقه في الحصول على حياة تليق بالبشر".
رفضاً للواقع
الكاتب السياسي الأستاذ / عبدالغني العزي اكد أن الثورات اليمنية المتتالية عبر التاريخ اليمني المعاصر كانت عنواناً لرفض الواقع وسلماً لتحقيق الافضل على كافة الاصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية سواء نجحت في تحقيق اهدافها او اخفقت في الوصول اليها ..
واشار إلى أن ثورة 26 سبتمبر 1962م هي الابرز بين هذه الثورات نتيجة لنجاحها في تغيير الواقع اليمني وانتصارها نتيجة المساندة التي حظيت بها من الاشقاء في جمهورية مصر العربية..
وأضاف: "هذه الثورة التي رفعت الاهداف العظيمة رسمت المسار التحرري الاستقلالي للشعب اليمني وبرزت حول مسارها وانتصارها واهدافها وحتى تسميتها العديد من التباينات والاختلافات بين مؤيديها ومعارضيها فمنهم من يرى أنها الثورة الحقيقية التي ايقظت الشعب اليمني وغيرت واقعه الفكري والسياسي والاجتماعي والاقتصادي وحملت في طياتها عنوان تقدمه وازدهاره وصنعت نظامه الذي يريده ويسعى اليه"..
إلا أن العزي رأى أن هناك انحرافات رافقت الثورة بحسب ما نسبه إلى بعض قادتها بسبب تدخل قوى تقليدية برداء جمهوري ومحاولة إجهاض أهدافها واستمرار التبعية للقوى التى سماها بالرجعية الاستعمارية" ، والحقيقة ثورة سبتمبر بحسب الكثير من الباحثين فى الشأن السياسى وبعض من قادتها أكدوا أن هناك أخطاء وقعت شأنها شأن كل الثورات فحجم التآمر كان كبيراً حينها ، لكن هناك مبالغات وشطحات كبيرة في هذا الشأن والحقيقة أن هناك شهادات ساقها البعض في تناولاتهم (مذكرات) عن الثورة لم تكن فى مجملها صحيحة ، لكن ما يجمع عليه الكثيرون أن ثورة سبتمبر هي أم الثورات التى احدثت تحولاً كبيراً فى حياة اليمنيين ونقلتهم من عهد ظلامي اسود صادر كل معانى الحياة الكريمة المستحقة والطبيعية لأي شعب وجعلته يرزح تحت أسوار الجهل والتخلف والمرض الثالوث المرعب الذي تفنن الحاكم المستبد في إبقائه للنيل منهم إلى فضاءات الحرية.
|