أحمد الزبيري - القرن العشرون شهد تحولات كبرى في كافة الاتجاهات الاقتصادية والسياسية والعسكرية كما شهد انتقالات غير مسبوقة على الصعيد العلمي والمعرفي .
من هذا كله لعبت الصراعات والحروب الاستعمارية والتحررية أدواراً مؤثرة أسهمت في تشكل الوعي الإنساني رغم المآسي والكوارث والآلام وهذا كله انعكس على الوطن العربي في نتائج متناقضة سلبية وإيجابية لعلّ أخطر تلك المؤامرات التي أحلت الاستعمار الغربي بدلاً من الاحتلال العثماني الذي كان ضمن المحور المهزوم في الحرب العالمية الأولى..
هنا بدأت المخططات التآمرية تتجلى في تقسيم الوطن العربي إلى مناطق خاضعة للاحتلال المباشر والوصاية وفي هذه الفترة تجسدت المؤامرة في ابشع صورها بوعد بلفور والذي بموجبه منح الاحتلال البريطاني ارض فلسطين لتكون وطناً قومياً لليهود وبذلك اعطى من لا يملك لمن لا يستحق.
وهكذا قامت دولة الكيان الصهيوني على ارض فلسطين كإحدى نتائج الحرب العالمية الثانية وبين الحربين شهدت المنطقة العربية العديد من الثورات الوطنية التحررية واستمرت الثورات بعدها وكانت ابرزها ثورة 23يوليو المصرية بقيادة الزعيم جمال عبدالناصر التي كانت مقدمة لسلسلة من الثورات العربية كثورة الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي وثورة العراق والثورة اليمنية 26سبتمبر ضد النظام الامامي المستبد والمتخلف والثورة اليمنية 14 أكتوبر ضد الاستعمار البريطاني المتجبر الخبيث التي يحتفل شعبنا بعيدهما الـ59 والـ58 هذا العام .
ولأن مناسبة الثورة السبتمبرية التي تدخل عقدها السادس هي ما سيجري الحديث عنها بنظرة تأخذ في الاعتبار موجبات قيامها والظروف التي أدت اليها والأوضاع التي في ظلها كان يعيش شعبنا في الجزء الشمالي من وطننا اليمني المستقل الوجود الاستعماري الأجنبي والتي مثلت استجابة شعبية ووطنية للانعتاق من التخلف بما يعنيه من عزلة وفقر وجهل ومرض.. والأهم ان هذه الثورة قد أسست لثورة 14 أكتوبر التحررية من الاستعمار البريطاني المتجبر البغيض.
ومع ان التاريخ لا يكرر نفسه ولكن ما شبه الليلة بالبارحة فمن شنوا الحرب العدوانية على ثورة 26سبتمبر قبل 59 عاماً هم من يشنون ذات الحرب العدوانية على شعبنا اليوم والمختلف هو الفارق الزمني بين متغيراته وغاياته المعاكسة بمعنى العودة الى تشطير وتقسيم اليمن بعد ان تحرر وتوحد وتغير بعض الأطراف الداخلية ونقل الأسلحة من كتف المشروع الوطني والقومي التحرري التقدمي الى كتف خدمة المشاريع الاستعمارية الامبريالية التقسيمية التي أدوات تنفيذها ووجهتها الرجعية العربية مقابل الحماية الامريكية البريطانية الصهيونية وفي مقدمة هذه الأدوات نظام بني سعود أولاد زايد.
ثورة 26 سبتمبر1962م تتجسد أهميتها وعظمتها من تحالف اعدائها ومن المسارات التي اتخذتها لاسيما في سنوات عقدها الأول والمتمثلة في تلك القوة المعادية لإرادة الشعوب في السيادة والحرية والاستقلال وامساك قرارها السياسي والاقتصادي بيد ابنائها ليتمكنوا من حقهم في النماء والبناء والتطور والتغير الإيجابي الجذري الشامل .
بكل تأكيد لا تسير الثورات في خط مستقيم بل يمر بتعرجات ودروب وعرة تؤدي أحياناً إلى التعثر أو التراجع تحت تأثيرات خارجية وداخلية لكن هذا لا ينزع عن الثورات كينونتها، والشواهد في تاريخ الأمم والشعوب كثيرة- ومنها الثورة الفرنسية والروسية- والنظر اليها باعتبارها حلقة محورية ومفصليه في سلسلة مسيرة تطور الشعوب الممتدة من الماضي إلى الحاضر والمستقبل، وثورة 26سبتمبر1962م ليست استثناء وأي قطع لهذه السلسلة سوف يعني قفزاً في الفراغ واعتسافاً لتاريخ شعبنا المعاصر العريق والعظيم.
لهذا أي عملية تغيير او ثورات سابقة او لاحقة لها تأتي في سياق الصيرورة الثورية للمسار التاريخي لشعبنا اليمني الذي يمضي قُدُماً في خوض معركته ضد الظلم والطغيان وفي سبيل حريته ووحدته وسيادته واستقلاله الوطني الشامل.
|