حاوره/ عبدالسلام الدباء : - تحتفل بلادنا هذه الأيام بالذكرى الـ 59 لقيام ثورة 26 من سبتمبر الخالدة وهي الثورة العظيمة التي نقلت اليمن من عهود الظلام والجوع والفقر والمرض والجهل والظلم الى عهد جديد فتح لليمن وللشعب اليمني آفاقاً جديدة من الحرية والعدالة والتنمية والوحدة الوطنية والديمقراطية والنهضة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية الشاملة.
وفي ذكرى عظيمة كهذه تحضرنا شخصية أدبية وثقافية بارزة وهامة وطنية كبيرة ساهمت بدور كبير في مسيرة النضال الوطني وتجسيد قيم الثورة والتعبير عن الواقع الاجتماعي للوطن والمواطن في اليمن قبل الثورة وبعدها..
إنه الشاعر والأديب والمؤرخ الكبير المرحوم / مطهر علي الارياني والذي نسلط الضوء عليه وعلى نضالاته الثورية وإبداعاته الشعرية والأدبية من خلال هذا اللقاء مع نجله الشاب الخلوق والمبدع في مجال تقنيات الإعلام والاتصالات الالكتروني/ أوس مطهر الارياني والذي أجرينا معه هذا اللقاء للحديث عن والده المناضل والأديب والشاعر والمؤرخ والانسان، فتحدث إلينا ببساطته وحصافته المعهودة وتواضعه الجم ، لتخرج منه في ختام اللقاء بالحصيلة التالية:
* نعيش اليومَ احتفالاتِ شعبنا بذكرى ثورة 26 سبتمبر.. كيف يمكن أن تصف الثورة في وجدان والدك المرحوم مطهر الإرياني؟
- كانت ثورة 26 سبتمبر الخالدة في وجدان الوالد مطهر الإرياني تمثل ضرورةً فرضها الواقع اللامعقول، وأنها لو لم تقم الثورة في 26 سبتمبر لقامت في 27، ولم تكنْ لتتأخَّرَ بعد أن تهيَّأت أسباب اندلاعها، ولم يكن هناك حلٌّ لشعب قدِّر له أن يموت جوعاً وذلاً إلا أن ينجوَ بنفسه ثائراً، فكانت الثورة الحل الأخير الذي يحفظ للمواطن اليمني بقاءَه، وليس فقط كرامته. هذا ما تعلمته من والدي مطهر الإرياني، وجدي القاضي عبدالرحمن الإرياني رحمهما الله.
* حدثنا عن الدور النضالي الذي قدمه مطهر الإرياني، وكيف استطاع أن يرسخ معالم الثقافة الثورية في وجدان الشعب اليمني؟
- لم يفعل مطهر الإرياني إلا ما أملته عليه إنسانيته، فكتب ما كتب صرخة في وجه مستكبرٍ، لا ترفاً زائداً عن الحاجة، وواكب الثورة في جميع مراحلها، ونظَم في أحداث أغسطس 1968م قصيدته المشهورة: "يا قافلة عاد المراحل طوال"، وصاحبَ مراحل الثورة وما بعدها بالكثير من القصائد، والأغاني التي مازال بعضها يردد حتى اليوم.
* كيف أسهم والدك الشاعر، والثائر مطهر الإرياني في الانتصار للثورة؟
- مهما بلغ شاعر من الإبداع، فإنه لن يحرك شيئاً في مشاعر المتلقين ما لم يكونوا مُهيَّئينَ، ومتعطشينَ لسماع ما يعبِّرُ عنهم، فكان مطهر الإرياني مجرد انعكاس لرغبة الجماهير، وتجسيداً لمشاعرهم، ولأنه كان يعرف أوجاع الناس، ويشعر بما شعروا به قبل الثورة من ألمٍ، وضيمٍ، ومعاناة، وأحسَّ بما أحسُّوا به بعدها من سعادة، وفخرٍ، واستنشاق لنسيم الحرية، فقد قال بلغته ما أرادوا قوله بمشاعرهم، وكأن الشعب يقول له بلهجتنا العامية: "شلّيتها من لقفي".
* كان لوالدكم إسهام كبير في تعزيز قيم الثورة اليمنية.. ودوّن ذلك بثقافة شعبية تخاطب الفلاح، والمواطن البسيط، ما ملامح هذه الثقافة من وجهة نظركم؟
- إن الحديث عن موضوع كهذا سيطول، ولن يتسع له المجال، ولكن بإمكان القارئ أن يطَّلع على ما كتبه البردوني في كتابه "الأدب الشعبي في اليمن"، حيث أفرد لمطهر الإرياني فصلاً كاملاً تحدث فيه عن "تحول الأغنية الشعبية على يد مطهر الإرياني".
وكما ذكرت في ردٍّ سابق أن الفلاح، والعامل، والجندي، وجد من يعبر عما يريد قوله، بلغة قريبة منه، وهذا هو أهم ما يميز أشعاره.
* ما أبرز القصائد المغناة المسجلة للوالد مطهر الإرياني؟
- للوالد العديد من القصائد المغناة، أذكر منها "البالة"، و"الحب والبن"، و"فوق الجبل"، و"وقف وودع"، و"يا قافلة"، و"ما أجمل الصبح"، و"حارس البن في وادي سبا"، ومن المراحل الأخيرة "اعشق ويالله"، و"يا سهيل"، و"يا صبايا البلد".
* يعد مطهر الإرياني واحداً من أبرز المؤرخين الذين كتبوا التاريخ اليمني بطريقته الخاصة، كيف تأتَّى له ذلك؟
- كان لقاؤه بالدكتور (حسين فيض الله الهمداني) في خمسينيات القرن الماضي، أثناء دراسته في كلية العلوم في القاهرة حيث كان يدرِّس الدكتور حسين، كان -هذا اللقاء- منعطفاً مهماً في حياته، حيث أبدى الدكتور حسين رغبته في نقل ما تعلمه من المستشرقين إلى من يهتم باللغة اليمنية القديمة، وقد وجد في الوالد ضالته، ووجد الوالد فيه مورداً، ومنهلاً كريماً. وللوالد كتاب "نقوش مسندية وتعليقات"، كما أن له كتاباً بعنوان "التسلسل الزمني للعصر السبئي الثالث" لم يصدر بعد، وما زلنا ننتظر صدوره، ونتابع مؤسسة دراسات الإنسان، إلا أن وفاة رئيسة المؤسسة (مارلين فيليبس)، ومشاكل فنية أخرى -مطابقة صور النقوش مع الشروح- أخرت إصداره.
* خاطب شاعرنا الكبير مطهر الإرياني في أشعاره المغتربين الذين غادروا البلاد نتيجة الظلم، وجبروت النظام الإمامي، حدثنا عن ذلك؟ وما أبرز القصائد التي دونها في هذا الجانب؟
- لا شكَّ أنك تشير إلى "البالة" التي صورت معاناة اليمني في بلده ودفعته للدفاع عن نفسه بالاغتراب، ومن ثم معاناته في الغربة، وقد استوحاها الوالد من قصة حقيقية لأحد أبناء قريته وهو (أحمد ظافر الدعوس)، وكانت من القوة والصدق في تجسيدها لهذه المعاناة أن ظنَّ كثيرون أن الوالد قد هاجر فعلاً إلى الحبشة.
* أنت كابن للهامة الكبيرة (مطهر الارياني) بماذا يشعرك ذلك وخصوصاً خلال مناسبات الاحتفال بذكرى قيام ثورة 26 سبتمبر؟
- بالتقصير، والخجل.
* ما الذكريات الخاصة التي تحتفظ بها عن والدك الفاضل.. مطهر الإرياني؟
- الكثير من الحكايا والقصص، لكنّ هناك قصة أرددها كثيراً عندما يشار إلى أني أشبه أبي في أشعاره، فأرد بأن الفرق أكبر من ألا تلاحظه عين، ولكن عين الرضا عن كل عيب كليلة، وهذه القصة تقول باختصار إني في يوم من الأيام الماطرة أبديت تذمري وامتعاضي من المطر الذي سيغرق الشوارع، ويزيد من مشقة الخروج، فنهرني أبي وقال لي عبارة توضح كيف يمكن لمثله أن يكتب "ما أجمل الصبح"، أو "هيا نغني للمواسم"، حيث قال: "والله لما يتأخر المطر أحس اني يابس".
* ما الذي تقومون به من أجل المحافظة على الموروث الأدبي، والثقافي، والفكري للأديب الكبير مطهر الإرياني؟
- نحن في عصرٍ لم يعد هناك فيه خوفٌ على ضياع الموروث الذي تجاوز عدداً كافياً من المُقتنينَ له، فما كتبه الوالد متوافر ورقياً، وإلكترونياً.
* هل لديكم مذكرات كتبها الفقيد قبل وفاته؟ وهل سترى النور قريباً؟
- لم يكتب الوالد أي مذكراتٍ.
* لماذا انقطعت الندوات والفعاليات التى تناقش الإنتاج الفكري لمطهر الإرياني، والتى تقدمها للأجيال الجديدة والقادمة؟
- كمطلعٍ عن قرب على النشاطات الثقافية أدرك حساسية بعض المواضيع الثقافية، وأنتهز الفرصة لأشد على أيدي المؤسسات الثقافية التي مازالت تسمح لنا بالتنفس والتنفيس، لكن في الواقع، أقمنا الكثير من الفعاليات عن الوالد، ولم نلقَ أي منع، أو توجيهات. لكن لم نجد موضوعاً جديداً أو غير مكرر، وإذا وجدنا ما يمكن أن نقدمه للمهتمين فسوف نقدمه.
* حب الثورة في وجدان مطهر الارياني.. كيف انعكس على مشاعر ابنائه من وجهة نظرك؟
- عندما تعيش مع رجلٍ يمارس الثورة فعلاً لا قولاً، ويتمثلها في حياته، فلا شكَّ أنك ستتأثر، أما مقدار هذا التأثر وانعكاسه على ما نقوم به كأبناء له، لا يمكنني -أنا أو أياً من أخواني- قياسه، لكنني أستطيع القول بثقة أن الثورة -كما قلت سابقاً- ليست خياراً نرفضه أو نقبله، بل هي ضرورة حتمية، وهي الأم لنا التي نحبها كيفما هي لا كما نريد لها أن تكون.
* هل هناك مشروع لإعادة طباعة أعماله، والمشاركة بها في العديد من معارض الكتب، والفعاليات الثقافية العربية، والدولية المختلفة؟
- لم يكن الوالد يفكر في الربح التجاري، لذلك أتحنا أعماله للقراء المهتمين بصيغة PDF في الموقع الإلكتروني eryani.com بدون مقابل، لكن ما يزعجنا -كأبنائه- أن ديوان فوق الجبل المنشور في الموقع، والذي تم صفّه وتنضيده في سوريا يحمل الكثير من الأخطاء وقد قصرنا في تجهيز النسخة الجديدة المصححة، والمزيدة التي ستظهر في مطلع العام القادم، حيث إنَّ هناك عدداً من القصائد لم تكن في الديوان، بالإضافة إلى أوبريت (قران تشرين ثاني) الذي كان الوالد أعده للاحتفال بإقامة الوحدة في شهر نوفمبر كما كان مقرراً لها، إلا أن ظروفاً سياسية معينة أدت إلى الاستعجال في إعلان الوحدة يوم الثاني والعشرين من مايو المجيد، ولذلك لم يرَ الأوبريت النور.
* كلمة أخيرة تود أن نختتم بها حوارنا معك بهذه المناسبة؟
- أتوجه بالشكر للأخوين يحيى نوري رئيس تحرير الصحيفة، وعبدالسلام الدبا الذي تحمَّل مواعيدي العرقوبية، وأشكر المؤتمر الشعبي العام الذي لا يزال بالنسبة للكثيرين ضوءاً في نهاية النفق أتمنى ألا يبدِّدُه الظلام.
قصيدة: فوق الجبل من إبداعات مطهر الإرياني
فوق الجبل حيث وكر النسر فوق الجبل
واقف بطل محتزم للنصر واقف بطل
يزرع قُبل في صميم الصخر يزرع قُبل
يحرس أمل شعب فوق القمة العالية
* * * * * * * * *
في الحيد يا تالقة ياللي ظلالش برود
وقت الحمى رفرفي بالظل فوق الجنود
وإن جا المطر والزوايب والبروق والرعود
فكنّنيهم وكوني فوقهم حانية
ويا حنايا الضياح * من لفح برد الرياح
ومن صقيع الصباح * كوني لهم حامية
* * * * * * * * *
يا حارس البن في الوديان ليش السهر
طفي سراجك ونام، ولا يهمّك خطر
فوق الجبل كلّ نسر اخدر، حديد البصر
يحمي حمى السهل والوديان والرابية
فتيان مثل الرماح * مدججين بالسلاح
مدربين للكفاح * ضرباتهم قاضية
* * * * * * * * *
يا ليت من هو معاكم يا حماة الحِمى
مجاورين للنجوم والشمس قرب السما
من الضيا في ينابيعه نروّي الظما
ونمنح العاطشين ألوانه الزاهية
نغزل خيوط الصباح * وننسج احلى وشاح
وننقشه بالجراح * لأمنا الغالية
* * * * * * * * *
يا أمنا يا يمن يا احلى وأغلى وطن
يا غاية العزّ من يسطى يعاديش مَن
ما دام واحنا رجالش فاصمدي للمحن
ولا تبالي وعيشي يا أمنا راضية
واحنا بحدّ السلاح * حراس في كل ساح
وكلما الخصم لاح * نرميه في هاوية
* * * * * * * * *
قولي لمن غرّته نفسه ركبت الخطر
الموت لك منتظر خلف الحجر والشجر
مَن حلّ وادي السباع قالوا دَرَج وانتحر
دخل خبر كان قامت بعده العازية
يطول عليه النواح * وكل من جا وراح
يقول: ما له فلاح * ولا يعود ثانية
* * * * * * * * *
كم من مغفّل رمى جيشه بوادي سبا
سالت عليه الجبال الراسية والرُّبى
ما زد رجع من جيوشه من يردّ النبا
يا أرضنا يا مقابر للقوى الغازية
قولي لكم من وقاح: * من مسّ هذي البطاح
غوى طريقه وطاح * وراح في داهية
بطاقة تعريف:
من هو الشاعر مطهر الإرياني ؟
هو مطهر علي يحيى الإرياني، شاعر وأديب ومؤرخ، ولد عام 1933م في (حصن ريمان) المعروف بحصن (إريان) ناحية (القفر) قضاء (يريم) محافظة (إب)، وتوفي في 9 فبراير 2016م.
وينتمي الشاعر والمؤرخ مطهر الإرياني إلى أسرة امتطت صهوة العلم منذ وقت مبكر ، ولها باع طويل في الحكم والسياسة ؛ بدءاً من عمه القاضي عبدالرحمن الارياني - رئيس الجمهورية الاسبق.
ويوصف الشاعر والاديب والمؤرخ مطهر الارياني بحارس الهوية اليمنية ...
وقد كان له العديد من الأعمال الشعرية الغنائية الكبيرة والمؤثرة في الواقع الاجتماعي اليمني بالاضافة الى عدد من الاعمال عن آثار وتاريخ اليمن القديم.
وقد صدر له العديد من الاعمال الشعرية والتاريخية المطبوعة ، ومنها :
- فوق الجبل (ديوان شعر عامي- 1991).
- شرح وتعليق على نقوش في تاريخ اليمن لم تنشر 34 نقشاً من مجموعة القاضي علي عبدالله الكهالي.
- تحقيق كتاب شمس العلوم لنشوان الحميري (بالاشتراك مع حسين العمري ويوسف محمد عبدالله).
- صفة بلاد اليمن عبر العصور (بالاشتراك مع حسين العمري).
- المجد والألم (قصيدة طويلة).
- مغناة وادي سبأ (أوبريت).
- نقوش مسندية وتعليقات 1990م |