د/ طه حسين الهمداني - جاء انبثاق ثورة 26 سبتمبر الخالدة بمثابة اعلان نهاية نظام حكم الاستبداد والظلم الذي أذاق شعبنا اليمني المر والعذاب والهوان.
لقد كانت هذه الثورة الوطنية بداية للتحول من النظام التقليدي المتخلف لتؤسس النظام الجمهوري في شمال اليمن على قواعد راسخة من العدالة والمساواة والحرية، ومن رحم هذه الثورة المباركة ولدت ثورة 14 من اكتوبر 1963 المجيدة لتحرير جنوب اليمن المحتل من الاستعمار البريطاني.
هاتان الثورتان كانتا بمثابة الانتقال الاول من البنى والنظم التقليدية إلى البنى والتطور الحديث، ومن الوصاية الأجنبية إلى الاستقلال الوطني الناجز، بل شكلتا بداية الانعتاق والتحرر وشكلتا علامة ونقطة فارقة في تاريخ اليمن المعاصر لتجسيد قيم العدالة والمساواة وازالة الفوارق الاجتماعية بين اليمنيين وبناء جيش وطني قوي يحمي كرامة اليمنيين، وإرساء دعائم مجتمع ديمقراطي عادل يحقق المساواة وإلغاء التمييز والفوارق الطبقية وغيرها.
لقد كان من الاهداف العظيمة السامية للثورة المباركة العمل على احداث نقلة سياسية واجتماعية واقتصادية باعتبارها ثورة انسانية لجميع اليمنيين بمختلف مناطقهم وجهاتهم من مدنيين وعسكريين في الداخل والخارج، حيث اجتمع رجال الثورة على تأسيس عقد اجتماعي تمثل بمبادئ الثورة الخالدة وأهدافها.
لقد واجهت الثورة منذ انطلاقها تحديات عدة وجابهتها صعوبات جمة سواء أكان ذلك على الصعيد الداخلي او الفضاء الخارجي حتى تمكنت من تثبيت دعائم النظام الجمهوري وتأمين سلامته، ومع ذلك تحققت الكثير من الانجازات العظيمة في مختلف المجالات ولعل من ابرزها اعادة تحقيق الوحدة المباركة في 22 مايو 1990 والتي كانت بمثابة التحول الثاني الذي أسس لعقد اجتماعي جديد.
وترافق مع اعادة تحقيق الوحدة كذلك السعي لارساء التعددية السياسية والحزبية وافساح المجال لمنظمات المجتمع المدني وتوسيع قاعدة المشاركة واشراك المراة في مختلف الانشطة ومساواتها بأخيها الرجل والاهتمام بحقوق الانسان والحريات العامة، كما كان لمنظمات المجتمع المدني ادوار فاعلة في الشراكة مع الدولة في عملية التنمية،
وتم اجراء عديد الدورات الانتخابية رئاسية وبرلمانية ومحلية لتكريس حق المشاركة الشعبية ومفهوم أن الشعب مصدر السلطة وحقه في اختيار حكامه عبر صناديق الاقتراع الحر.. وقد مارس الشعب حقه في الترشح والانتخاب وتطور النظام الانتخابي في كل الدورات الانتخابية وكان هناك إشادات عدة من المنظمات المحلية والدولية المعنية بالديمقراطية والرقابة على العملية الانتخابية وضمان الشفافية ونزاهة الانتخابات واعتبار اليمن من دول الديمقراطية الناشئة.
وقد حققت الثورة جملة من الانجازات الكبرى، من اهمها بناء الانسان، والمشاريع التنموية، في مجالات التعليم والصحة والخدمات، كما تبنت الدولة اصلاحات هيكلية ادارية ومالية واقتصادية بهدف بناء الدولة اليمنية الحديثة وتحسين نظام الحكم ومواكبة التحولات الدولية، وصاحب تلك التحولات العديد من الصعوبات على الصعيد المحلي، كما رافقها الكثير من المطالب الدولية التي شكلت ضغوطاً على النظام السياسي ومثلت تحديات حقيقية أمام جهود الحكومات المتعاقبة الرامية لبلوغ الحكم الرشيد.
ان الاحرار الذين عمدوا هويتنا الجامعة بدمائهم الزكية لم يكونوا اصحاب هويات ومشاريع صغيرة وانما مشاريع وطنية كبرى، لقد دافع اليمنيون عن ثورتهم ومكتسباتهم ومازالوا مستعدين للتضحية بدمائهم واموالهم في سبيل انتصار تلك القيم والمبادئ التي ناضل من اجلها الآباء والاجداد.
وأياً كانت حيثيات الصراع وأدواته ودوافعه وحيثيات التدخل الخارجي في شؤون اليمن فلا بد من العودة الى طاولة الحوار وايقاف الاقتتال، ذلك أن التجارب التاريخية السياسية تثبت لنا أنه لا يمكن لفصيل سياسي منفرداً حكم اليمن بالقوة، كما أن وعي الشعب اليمني الذي اكتسبه خلال ستة عقود من الثورة وثقافة الثورة والديمقراطية لن يسمح لأي كان اعادة عجلة التاريخ للوراء سواء بعودة الامامة او التراجع عن الوحدة ومكتسبات الثورة والجمهورية.
ومن الواجب على اليمنيين ادراك ان الحرب العبثية الدائرة ليست لمصلحتهم وان استمرارها هو حرب بالوكالة لأن هناك من يستخدمهم كأدوات لتحقيق أهدافه التخريبية في اليمن.
وفي الاخير مهما كانت التحديات فإن ثورتي اليمن (سبتمبر وأكتوبر) المجيدتين ستظل اهدافهما بمثابة النور الذي يضيئ طريق اليمنيين والاجيال الشابة نحو ترسيخ مفهوم الدولة المدنية والمواطنة المتساوية القائمة على العدالة والمساواة والديمقراطية.
الرحمة والخلود لشهداء الثورة اليمنية »26 سبتمبر و14 أكتوبر«.
|