د. عبدالوهاب الروحاني - امتهان الحرف والقلم مهنة عشق لا تقف عند الرغبة في الكتابة وخربشات القلم.. بل هي اخلاق أولا ثم ضوابط وخصوصيات
من مدرسة الصحافة، وواقع الممارسة، وتجارب الكبار تعلمنا:
كيف يجب ان نكتب!!
وماذا نكتب؟!
ولماذا نكتب؟!
تعلمنا ان الصحافة مهنة اخلاق تنظمها مجموعة من القواعد التي يحكمها الضمير أولاً، وتسيطر عليها المصداقية والامانة ..
وهنا بيت "العصيد" ، الذي دفعني اليوم للكتابة عن الاخلاق والصحافة.. التي ضاعت قيمها في زحمة النسخ واللصق ، والسرقة ، والتدبيج والمتاجرة بالكلمات .. الحرفة القديمة الجديدة للبعض.
أتذكر زميلاً (خريجاً) كان معنياً بالصفحة الثقافية في صحيفة الثورة ربما ببراءة "لطش" نصاً للاديب والشاعر الايرلندي بيكتب وذيله باسمه ..
شاعت القصة بين الزملاء وكانت عليه كارثة مدوية ..غادر صاحبنا على اثرها الصفحة والصحيفة ..
فحيث تكون رقابة الوعي .. تكون الاخلاق حداً فاصلاً بين المهنة والممارسة.
الأستاذ والإيقاعات:
صوت الاستاذ يطرق اذني كلما هممت بالكتابة:
راجعت اللي كتبته يا عبدالوهااااب..؟!!
كان دوما يرددها بنبرة صوت هادئة مسحوبة من بين الاوراق، وهو يجلس في صدر مقيل الثورة (المؤسسة)، يمضغ وريقات القات بين كومة من الصحف والمجلات العربية وتقارير الوكالات .. عيناه تتفحصان الحروف والكلمات ، وقلمه يتدخل عندما يعن له التدخل .
تعودت سماع تلك العبارة عندما تكون له ملاحظة على المادة التي اسلمه لطلب رأيه واجازته.. حتى وان كان غير معني بالاجازة والنشر .. كانت ثقتي بقراءته ، ونزاهة قلمه ، ومصداقية رأيه لا تقف عند حد ..
لم يكن صحفياً عادياً، كان يقرأ الاحداث ويحللها برؤية المستقبل وروح العصر ..
وكانت ايقاعاته ( ايقاعات العصر) تقدم في الثورة كل صباح رأياً وفكراً تتجسد فيه المسؤولية ، وتبرز فيه قيم احترام الخصوصية ، ويتجلى الوطن في ابهى واجمل صوره من بين حروفه وكلماته..
كان عموداً واحداً يكتبه محمد الزرقة في ايقاعاته كفيلاً بإحداث جلبة ، وحالة استنفار في ديوان الملك السعودي ، ليتحرك المستشارون والوزير علي الشاعر ويطلبون التهدئة عاجلاً..
الزرقة كان مثالاً للصحفي الوطني المثقف ، الذي يهتز لقلمه عرش المملكة .. فقد كان خبيرا بخفايا واسرار القصر ، وكان لا يطرق الباب الا حينما يبلغ الوجع مبلغه .. والوجع اليمني من "الشقيقة" كوجع المريض من شقيقته التي تلازمه مدى الحياة..
أستاذ درس الصحافة وخبرها كما لم يدرسها ويخبرها احد مثله .. موضوعي في طرحه .. دقيق في تعبيراته .. حاد في لقطاته.
كان للفكرة التي يكتبها الزرقة وقع خاص في الوسط الرسمي والعام .. وكان "المسائيل" - بتعبير زميلي في مجلس النواب - يعملون لها الف حساب وحساب ..
يرتعش لصوته المفسدون، ولكلماته تهتز وتتأرجح الكراسي ..
كانت "لقطات سريعة" التي يكتبها في رأس الصفحة الاخيرة ، تحدث حراكاً قوياً في دوائر ومؤسسات الدولة .. لكنها ماتت مصداقية رسائلها وخفة ورشاقة حبرها بعد رحيله من الثورة (الصحيفة) مباشرة.
الرأي الآخر:
كان مدافعاً قوياً عن الرأي ، ولا أخفي اعتزازي أنني كنت مع الاستاذ الزرقة أول من افتتح باب "الرأي والرأي الآخر" عندما اسسنا معاً جريدة الوحدة الاسبوعية ، التي انطلق اول عدد لها صبيحة 22 مايو 1990م، اول يوم للوحدة ، وحملت شعار "التجسيد الصادق لحرية الرأي والرأي الآخر".. وشكلت الوحدة (الصحيفة) مذ ذاك مدرسة جديدة في الرأي والاخراح والتبويب ..
وكانت الوحدة (الحدث) والوحدة (الصحيفة) بوابتين للرأي الآخر في الصحافة اليمنية .. والرأي في الصحافة ليس كالخبر ، والتحقيق ليس كالتحليل تماماً كما الرياضة ليست سياسة .. وصيد السمك ليس كصيد المواقف.
نعود ونقول اننا حينما كنا نكتب في الايام الاولى لممارسة المهنة بمدرسة الثورة - الصحيفة كنا نفكر الف مرة ومرة عماذا نكتب ؟! ولماذا نكتب؟! وكيف نكتب ؟!
أتعرفون لماذا؟!
لاننا تعلمنا الحرص على المصداقية والنزاهة ، والمحافظة على الخصوصية.
|