الميثاق نت - جمال الورد - - مثَّل الاستقلال الوطني في الثلاثين من نوفمبر 1967م، الذي تحتفي بلادنا اليوم بذكراه الـ54، منعطفاً مهماً في مسار الحركة الوطنية اليمنية وانتصار الثورة المباركة26سبتمبر و14 أكتوبر، متوجاً وحدة نضال وكفاح أبناء الوطن الواحد رغم التشطير حينها، برحيل آخر جندي بريطاني من جنوب اليمن، ويعتبر ذلك اليوم المجيد المحطة الأبرز تاريخياً ووطنياً للعبور إلى مرحلة التحرر والاستقلال والوحدة.
وبين الطلقة الأولى التي تفجرت شرارتها في الرابع عشر من أكتوبر 1962م من على قمم جبال ردفان على يد شهيد أكتوبر المناضل راجح غالب بن لبوزة.. وبين يوم إعلان الاستقلال الثلاثين من نوفمبر 1967م مراحل نضالية في سفر التاريخ الثوري اليمني الذي نحتفي اليوم بذكراه الخمسين، ينبغي ان تظل نبراساً يقتدي به كل الأجيال اليمنية في الحاضر والمستقبل، ليكونوا على بينة ان الحماس الثوري والتمرد على الظلم وانتزاع الحرية والكرامة لها جذورها ومنبتها العريق والأصيل.
أصدرت قيادة الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل في (23) أكتوبر 1963م بياناً تم فيه الاعلان عن قيام الثورة من أعلى قمم ردفان الشماء في 14 أكتوبر 1963م وبداية الكفاح المسلح ضد المستعمر بكل أشكاله وصوره.
وخلال أربع سنوات من الكفاح للتحرير قدم أبناء الجنوب اليمني أعظم التضحيات في سبيل الخلاص من جحيم المستعمر البريطاني بمشاركة مختلف الأطياف والتوجهات والتكوينات من الفعاليات الطلابية والنسائية والنقابية في مسيرة النضال من خلال المظاهرات والإضراب والكفاح المسلح.. تكللت في العام 1967م بإعلان استقلال الجنوب اليمني وتحرره بخروج آخر جندي بريطاني من مستعمرة عدن وكان الثلاثون من نوفمبر هو يوم الحرية وعيد الجلاء والاستقلال، لتعم الفرحة كل قرى ومدن اليمن شمالاً وجنوباً.
حالة طوارئ في عدن (1963 ــ 1967م)
تجاوبا إيجابيا مع المناخ القومي العروبي الثوري السائد حينها في منطقة الشرق الاوسط ، سعت بريطانيا الى اقناع سلاطين وشيوخ المنطقة بالاندماج مع مستعمرة عدن وتشكيل اتحاد جنوب الجزيرة العربية . بعد استكمال بناء مؤسسات الدولة الاتحادية الجديدة وبناء جيشها الوطني الاتحادي ، سوف تمنح هذه الدولة الاتحادية الاستقلال في 1968م، لكن الدولة الاتحادية ستكون ملزمة باتفاق دفاعي مع بريطانيا ، وعلى ان تبقى القاعدة العسكرية البريطانية في عدن . نعلم كانت في عدن احد أهم القواعد الجوية والبحرية البريطانية على الطريق الى الهند . وكانت هذه القاعدة هي الضامن لحماية وصول إمدادات النفط من الشرق الاوسط الى الاسواق العالمية .
خلقت المقاومة الشعبية التي بدأت في عدن ضد الحكم البريطاني ، ارباك في الخطط البريطانية حول الاستقلال والانسحاب . دخل الجيش البريطاني في مواجهة حرب العصابات في عدن وفي الظروف الحضرية . اشتد الصراع بين المستعمر والمناضلين الاحرار في عام 1964 تم تسجيل 36 حادثا في عدن بأربعة قتلى ، وفي عام 1965 - 286 حادثة ( 35 قتيلا)، عام 1966 - 610 حادثة (45 قتيلا) وفي الاشهر العشرة الاولى من عام 1967 كانت هناك 2900 إصابة و369 قتيلا . أضف الى هذا المقاومة الوطنية في عدن اتخذت قرارا بقتل المسؤولين البريطانيين والعملاء في حكومة اتحاد الجنوب العربي . بدأ الاحرار اولاً بمهاجمة أقسام الشرطة ، ثم بقتل الضباط العملاء، في بداية عام 1965 قتل 16 ضابطاً يمنياً عميلاً من الادارة الخاصة.. بعضهم اختطف ثم رميت جثثهم المليئة بالرصاص في شوارع كريتر والشيخ عثمان.. هذه التكتيكات للمقاومة حققت التأثير المطلوب، حيث كان نشاط المخابرات البريطانية في عدن مشلولا بالكامل ، لان السكان المحليين كانوا غير مستعدين للتعاون مع المحتل واعوانه .
ثم بدأ العمل على قنص شخصيات بريطانية محددة مثلاً في صباح يوم 4 سبتمبر 1965 اقتنصت المقاومة الوطنية رئيس الإدارة الخاصة هاري باري وقتلته في سيارته في أزقة كريتر . بعد خمسة ايام تكررت العملية مع آرثر تشارلز Sir Arthur Charles رئيس الجمعية التشريعية في عدن وعضو اللجنة العليا للخدمة المدنية . هذه الاغتيالات أرعبت البريطانيين الذين ادركوا أن ايا منهم يمكن ان يكون الضحية التالية . واصبح الأوربيون سواء أكانوا يرتدون الزي العسكري أم لا ، هدفا محتملا في شوارع عدن للهجوم بالقنابل اليدوية أو للقنص من الثوار .
هذا الخوف دفع السلطة البريطانية في لندن الى تغيير خططها في فبراير 1966 . حيث أكدت حكومة العمال في لندن ان اتحاد الجنوب العربي سوف يحصل على الاستقلال الكامل قبل بدية عام 1968 . وكذا عكس التصريحات السابقة بشأن الحفاظ على القاعدة العسكرية في عدن ، تقرر ان تغادر القوات البريطانية اراضي اتحاد الجنوب العربي تماما .
عمليات فدائية
بعد تشعب المواجهات مع القوات البريطانية في المناطق الريفية وامتدادها إلى 12 جبهة، أعلنت الجبهة القومية عن فتح جبهة عدن، ونقل النضال إليها, حيث أصبح للعمليات التفجيرية وطلقات الرصاص ببسالة المقاومة.. صدى إعلامي عالمي يصعب على الاستعمار البريطاني إخفاؤه.
وقد شكّل نقل العمل العسكري إلى عدن انعطافاً استراتيجياً لتنظيم الجبهة القومية والثورة محلياً وعربياً، ودولياً، بل شكّل مرحلة جديدة في حياة المناضلين أنفسهم الذين اشتركوا في العمليات العسكرية، فكان العمل العسكري والفدائي داخل المدينة عامل إرباك للقوات الأجنبية, حيث عمل على تخفيف الضغط على الجبهات الريفية المقاتلة، وتشتيت قوات الاحتلال، الأمر الذي ساعد على مد الجبهة القومية لنشاطها النضالي إلى مختلف مناطق الجنوب.
تطورت أساليب النضال المسلح ليشهد صوراً مختلفة كان أكثرها تأثيراً العمليات الفدائية, حيث شهدت أهم وأخطر العمليات الفدائية كالعملية التي اشترك فيها (30) شخصاً لضرب الإذاعة البريطانية في التواهي، وحادثة مطار عدن التي قتل فيها مساعد المندوب السامي البريطاني في عدن, وإصابة المندوب السامي، وعدد من مساعديه أثناء توجههم إلى الطائرة التي كانت ستقلهم إلى لندن.
عمليات فدائية جديدة ظهرت أيضاً فيها, كان منفذ العملية هو الذي يحدد الهدف بنفسه دون الرجوع إلى القيادة المركزية، وأثبتت هذه العمليات نجاحها, حيث عملت على بث الرعب في نفوس الجنود البريطانيين، خصوصاً بعد مقتل رئيس المخابرات البريطانية في عدن "هيري ييري" ورئيس المجلس التشريعي " آرثرتشارلس".
ليجد البريطانيون أنفسهم بين كماشة من النار والرصاص بفعل المقاومة الشرسة التي سادت كل أوساط الشعب ، وأخذت أشكالاً عدة، كما أن الدعم العربي الذي لاقته المقاومة من الدول العربية وخصوصاً من مصر دبلوماسياً ومادياً عزز موقف المقاومة، وأجبر المستعمر على طرح السؤال الأكثر عمقاً وهو إلى متى البقاء في وجه الطوفان؟
مواجهة الجنود البريطانيين للمقاومة الشعبية
شن البريطانيون غارات دورية بحثاً عن مخابئ للأسلحة . وألقي القبض على المشتبه بهم في أنشطة المقاومة الشعبية وارسالهم إلى مراكز الاحتجاز في المنصورة ومراكز الاستجواب في مربط . وكانت أساليب الاستجواب التي استخدمها الجيش البريطاني في هذه المراكز كانت موضوع انتقاد شديد من منظمة العفو الدولية والصليب الأحمر الدولي . وكثر النقد على أساليب الاستجواب والتعذيب خاصة بعد نشر مقابلة مع جندي بريطاني العريف جورج لينوكس في فبراير 1966 في صحيفة " صنداي تايمز " ، الذي تحدث عما يحدث في مراكز الاحتجاز من الضرب الوحشي للسجناء وإساءة معاملتهم . وكان على الحكومة البريطانية ان تشكل فريقا برلمانيا للتحقيق . لكن السلطات البريطانية رفضت السماح لخبراء مستقلين بدخول مراكز الاحتجاز . وعموما في هذه الفترة كانت الصحف البريطانية مليئة بصور الجنود البريطانيين الذين يجرون بقذارة المناضلين ومنهم قصر من رقابهم، هكذا امتلأت الصحف بصور الجنود البريطانيين الوقحين، الذين عاملوا اليمنيين بطريقة لا إنسانية، وتحدثت منشورات الجبهة ايضا عن فظائع الجنود البريطانيين في عدن .
في يناير 1967 اندلعت اعمال الشغب بين انصار جبهة التحرير والجبهة القومية في عدن واستمر هذا الشغب حتى منتصف شهر فبراير 1967 على الرغم من تدخل القوات البريطانية . اضف الى هذا كانت الروح المعنوية بين قوات الأمن الاتحادية في ادنى مستوياتها على الاطلاق، هذا الاحباط ادى الى تمرد في جيش الاتحاد والشرطة الاتحادية في 20 يونيو1967، قتل المتمردون ثمانية جنود من فيلق النقل الملكي البريطاني عندما تم اطلاق النار من قبل المتمردين على شاحنتهم . بعدها استعادة القوات البريطانية النظام . عندما اقترب موعد انسحاب القوات البريطانية في نوفمبر 1967 ، نشب القتال بين جبهة التحرير والجبهة القومية . في الاسبوع الاخير من شهر نوفمبر 1967 ، تم إجلاء الـ 3500 رجل من المتبقيين من الحامية البريطانية . وبعدها اصبحت مستعمرة عدن وحكومة الاتحاد وجيش الاتحاد جزء من جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية .
ضربات الأحرار الموجعة
في نوفمبر عام 1967م قوت شوكة المقاومة اليمنية واشتدت سواعدها النضالية لتبطش بالاستعمار البريطاني واستولت على كافة المناطق اليمنية وألحقت ذلك بخوض معارك عنيفة مع جنود الحكومة البريطانية والتي ذاقت شر الهزيمة.
وتحت تأثير هذه الضربات الموجعة والقاسية فوجئت بريطانيا بتلقي ضربة قوية أخرى أسقطتها أرضاً وذلك عندما اشتدت حركة التظاهرات والاضطرابات والإضرابات السياسية ونتيجة لتوالي واستمرار هذه الأحداث الثورية استضافت مدينة جنيف في الـ22 من نوفمبر وحتى الـ27من نوفمبر عام 1967م مؤتمراً تفاوضياً بشأن استقلال الجنوب والذي انتهى بتوقيع وثيقة الاستقلال في يوم الـ29 من نوفمبر 1967 والذي فيه شهد رحيل آخر جندي بريطاني من الجنوب سابقاً.
وكان يوم الـ30 من نوفمبر 1967م هو ميلاد جمهورية جنوب اليمن سابقاً وخلوها تماماً من قراصنة الاستعمار البريطاني وبذلك تكون الثورة السبتمبرية قد أنجزت وحققت أول أهدافها الثورية والمتمثل في التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما..
فما أحوجنا اليوم امام عظمة هذه المناسبة ، ذكرى الاستقلال من إعادة بناء منظومة القيم والاخلاق التي دمرها العدوان، وتعزيز الولاء الوطني في نفوس الجميع واستشعار المسؤولية الوطنية والحفاظ على وحدة الصف الوطني بين قوى الحراك السياسي الجنوبي، وتغليب مصلحة الوطن والدفاع عن ارضنا وشعبنا ودحر مشروع العدوان الذي يسعى الى تمزيق الحراك السياسي الجنوبي عبر شراء الذمم وتمرير اتفاق الرياض وفرض الاستعمار الجديد الذي لا يختلف عن ذلك الاستعمار القديم ، البريطاني.. وعلينا ان نتهيأ لحرب تحرير اخرى إذا اضطر الأمر ذلك.
أهم أحداث العام 1967م
15 فبراير: جماهير غفيرة في عدن خرجت في مظاهرات حاشدة معادية للاستعمار البريطاني وهي تحمل جنازة رمزية للشهيد مهيوب علي غالب (عبود) الذي استشهد أثناء معركة ضد القوات الاستعمارية في مدينة الشيخ عثمان.
8 مارس: الجامعة العربية تصدر قراراً تشجب فيه التواجد البريطاني في جنوب اليمن.
2 إبريل: بدون تنسيق مسبق، حدث إضراب عام شل كافة أجهزة العمل في مدينة عدن، دعت إليه الجبهة القومية وجبهة التحرير في وقت واحد.
3 إبريل: فدائيو حرب التحرير ينفذون عدة عمليات عسكرية ناجحة ضد مواقع وتجمعات المستعمر البريطاني في مدينة الشيخ عثمان بعدن، كبدوا خلالها القوات الاستعمارية خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، وسقط خلالها عدد من الشهداء في صفوف الفدائيين.
20 يونيو: تمكن الفدائيون من السيطرة على مدينة كريتر لمدة أسبوعين.
21 يونيو: ثوار الجبهة القومية يتوجون كفاحهم البطولي ضد الاستعمار الأجنبي وعملائه في إمارة الضالع بالسيطرة على عاصمتها ومعهم آلاف المواطنين الذين دخلوها في مسيرة حافلة يتقدمهم علي احمد ناصر عنتر.
12 أغسطس: الجبهة القومية تسيطر على مشيخة المفلحي بعد أن زحفت عليها بمظاهرة كبيرة شارك فيها أبناء القرى والمناطق المحيطة بالمشيخة، وتوالى بعد ذلك سقوط السلطنات والمشيخات بيد الجبهة.
28 سبتمبر: تأسيس إذاعة المكلا التي انطلقت باسم "صوت الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل".
5 نوفمبر: قيادة الجيش الاتحادي في جنوب الوطن المحتل تعلن وقوفها إلى جانب الثورة ودعمها للجبهة القومية، بعد أن باتت غالبية المناطق تحت سيطرتها.
14 نوفمبر: وزير الخارجية البريطاني (جورج براون) يعلن أن بريطانيا على استعداد تام لمنح الاستقلال لجنوب الوطن اليمني في 30 نوفمبر 1967م وليس في 9 يناير 1968م، كما كان مخططاً له سابقاً.
21 نوفمبر: بدأت المفاوضات في جنيف بين وفد الجبهة القومية ووفد الحكومة البريطانية من أجل نيل الاستقلال وانسحاب القوات البريطانية من جنوب الوطن. وجرى في ختامها توقيع اتفاقية الاستقلال بين وفد الجبهة القومية برئاسة قحطان محمد الشعبي، ووفد المملكة المتحدة (بريطانيا) برئاسة اللورد شاكلتون.
26 نوفمبر: بدأ انسحاب القوات البريطانية من عدن، ومغادرة الحاكم البريطاني هامفريتر يفليان.
29 نوفمبر: جلاء آخر جندي بريطاني عن مدينة عدن.
30 نوفمبر: إعلان الاستقلال الوطني وقيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، بعد احتلال بريطاني دام 129 عاماً، وأصبحت الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل إبان حرب التحرير تتولى مسؤولية الحكم.
30 نوفمبر: صدر في عدن قرار القيادة العامة للجبهة القومية، بتعيين قحطان محمد الشعبي، أمين عام الجبهة، رئيساً لجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية لمدة سنتين.
|