راسل القرشي - شاهدت مقطعاً عبر اليوتيوب لأحد الساسة العراقيين مسجلاً من لقاء معه لإحدى القنوات العراقية ، وفيه يتحدث عن الفساد ويعترف بأن المنظومة السياسية في العراق كلها فاسدة دون أن يستثني أحداً ، حتى أنه اعترف على نفسه بأنه من زمرة الفاسدين ، وقال إنه تلقى الرشاوى لتمرير عدد من القضايا .. كان يتحدث وهو يبتسم لمضيفه دون أدنى مسئولية بالجرم الذي اقترفه.!
حينها سأله الاعلامي المستضيف له ألا تخشون من المحاسبة .. ألا تخشون من شكاوى الشعب ضدكم .. رد عليه بكل أريحية لماذا نخشى ذلك وكل شيء أصبح يدار بالفساد ، وعندما تتحدث عن الشكاوى فمن يشتكي بمن .. لا أحد يجرؤ على تقديم أي شكوى ضد أي فاسد .. ومن قدمها فمصيره الموت!!.
هكذا يتحدث هذا السياسي عن فساد المنظومة السياسية في بلاده وعن فساده .. يتحدث بصورة تعكس الحالة المأساوية التي وصل إليها الشعب العراقي المظلوم .. الشعب الذي نراه يخرج في مظاهرات ومسيرات تطالب بتحسين وضعه المعيشي وتوفير الخدمات الحيوية والإنسانية التي تجعله يشعر بأن هناك منظومة سياسية تعمل من أجله ومن أجل وطنه المكلوم والحزين ..، وإذا بهذه المنظومة تواجه مطالبه بالحديد والنار .. بالقمع والترهيب ،وإسكات كل الأصوات التي ترفع بهدف تحسين معيشتها وتوفير الخدمات الضرورية التي تفتقدها.
هذه المنظومة الفاسدة التي تدير شئون البلاد والعباد هي من دفعت الآلاف من الشباب العراقيين للرحيل من بلادهم والوصول إلى بيلاروسيا وبولندا وغيرهما للمرور إلى بعض الدول الأوروبية وطلب حق اللجوء.
لم يتحملوا شدة الألم والوجع في وطن ينتمون إليه.. لم يتحملوا العيش بين واقع مسكون بالموت من كل الاتجاهات.. وأجواء مليئة بالدم، وحياة مليئة بالقلق والتخويف والترهيب.
من أجل ذلك فروا من جحيم بلدهم ومن منظومته السياسية الفاسدة طلباً لحق اللجوء والبحث عن وطن آخر يعيشون فيه بأمن وأمان وبكل شرف وحرية.
وهناك الكثير من الشباب العربي ،من جنسيات عربية أخرى اختاروا نفس المصير ونفس الاتجاه لأنهم متعبون بعروبتهم.. ومن العقاب الذي يعيشونه في صباحات ومساءات أيامهم.
فروا بحثاً عن حياة كريمة.. وأمن وأمان.. وعن وطن لا يكون نهاره فساداً وقمعاً، ومساؤه إرهاباً.
فروا بحثاً عن اللجوء في واحدة من بلدان ما يسمونها "الكفار" التي تحترم آدمية الإنسان وكرامته وعقله وحياته.
فروا من بلدان لا تجيد سوى صناعة الأصنام وتمجيدها والتصفيق لها في كل صباح ومساء.
فروا إلى هناك.. إلى حدود بولندا وبيلاروسيا "بوابة احلامهم المنتظرة".. فكتبوا نهايتهم المؤلمة بدماء عيوننا وبكاء قلوبنا وأنين وآهات واقعنا العربي المريض الموبوء بالصراعات والحروب والأحقاد والكراهية والإرهاب.
نعم.. هكذا اصبح المواطن العربي يعيش في بلاده وسط الجحيم.. وما قاله ذاك السياسي العراقي لا يحتاج إلى أي تبرير.!
ما شاهدته وسمعته في ذلك المقطع المسجل أكد أن الفساد لدى السياسيين العرب أصبح مصدر فخر واعتزاز .. يعترفون أنهم فاسدون دون حياء ورغماً عن الشعوب التي تكتوي بنار فسادهم.
يتحدثون بكل أريحية ويقولون نحن فاسدون فما العيب في ذلك ، بل ومن ذا الذي يجرؤ على محاسبتهم أو تقديم شكوى ضدهم ، بل إلى من سيقدمونها؟!
نعم لم يعد الفساد عيباً ولا جريمة ، بل تغلغل في الثقافة العامة وأصبح لغة السياسي وغير السياسي!!
إنها لغة الحاضر لدى السياسيين العرب ،حتى أصبحوا يتنافسون على من يفسد أكثر ومن يعترف بفساده على الفضائيات بشكل علني وواضح .. ويتبعون حديثهم بقهقهات وضحكات وكأنهم يطلقون نكاتاً.!!
إنه زمن العهر العربي بامتياز.
وحسبنا الله ونعم الوكيل
|