محمد اللوزي - «غاردينيا» رواية أتقن حرفها وتداعياتها بسرد مشوق وحبكة قل أن نجدها في عمل روائي آخر »منيف الهلالي« لنقع بين دفتي حب يصهر الوجدان ويشعل خبايا الروح، ويفعل في القلب تضاريس الفرح والأمل معاً، وبين وجع يتلاحق، وعيش منغص، وسراب معنى لايكف عن إيهامنا بحياة، ثم مباغتتنا حد الموت كما هو حال الشيخ (محمد)، الذي انفتحت له أسارير الهوى وحمله العشق الى مستوى التدرج النوراني، حتى إذا طاله وأتي إليه، حدث اغتياله المريب.
الرواية عمل فني تألق فيها الكاتب ويزداد حضوراً وهو يطلق الحرف في اتجاه الضمير والأخلاق والجمال، ومايجعل العيش له معناه.. نحن إذاً أمام سردية رائعة بدقة فنان ودهشة متلق، لاشيء يجعلك تطمع في المزيد وأنت تقرأ هذا العمل الروائي كماهو القدرة على الصياغة والحبكة المتقنة وسبر أغوار النفس البشرية ومايعتريها من هواجس وظنون، ومخاوف وآمال وآلام وأحلام، ما أن نراها حتى تنز لنطلق آهاتنا في هذا الفضاء الملبد بالغامض..
(منيف الهلالي) كاتب محترف وبارع واكثر حصافة وروعة وامتلاء باللغة التي يقدر أن يأتي إليها فيرسم مانتوخاه فينا، تارة غصة وأخرى بسمة، وبينهما الإنسان تجوال في غرائبية هذا العالم.. ميزة (منيف) قدرته على استحضار المكان، واتقان صناعة الحدث وجعله ينبض بإيقاع المجتمع وبالإنسان المغترب عن واقعه أولاً، وعن وطنه ثانياً (غاردينيا) عمل روائي بامتياز، حكاية اغتراب لايحد، فيض من الوجد ومخاوف القادم. إنها عمل استثنائي يقدم برؤية فنية عالية تأخذك الى حيث ترى الإنسان اليمني في أمريكا بكل صخبها ووجعها وقدرتها على أن تمنحك ماتريد وتسلبك وقت ماتريده.
في(غاردينيا) ينبت الحب والوجع معاً، نطل على عالم معبأ بالإنساني واللاإنساني، الغربة فيها حديث لايكف عن الوجع ونزيف الحياة التي تشتعل بضراوة في الحلم كما الواقع، للشيخ (محمد غاردينيا) قصة مسلم ومسيحية حضور قوي في العمل تجاوزا شائك الديانات بالتسامح والحب وبما يشبع فضولنا الإنساني، ويمنحنا القدرة على التسامح والتعاطف مع حب يعوض عمراً من الحرمان والغياب عن الأهل والاغتراب الذي نراه في كل زاوية يصنع فيها الكاتب الحدث، لينقلنا الى معترك آخر يبقى الإنسان هو الراكض نحو أمل خائب، أو غائب حد البكاء، البكاء الذي يحتفي به (منيف) فيرهقنا حباً وانتظاراً لما لايجيء إلا في الفقد والموت والاغتيال وهو يبدد الأمل ويشعل النشيج..
|