د. عبدالرحمن الصعفاني - من أخطر الآفات التي أورثت الأمة ما نشهده من التخبط والتيه تصارع فريقين متناقضين مختلفين في الوجهة والاشتغال لكنهما متفقان بالسطحية والركاكة:
الأول: سدنة التراث، من يقبلون التراث بكل شوائبه وعِلاته بالتسليم والتهليل؛ فكل التراث عندهم (مقدّس) يجب الامتثال له بأعين مغمّاة وعقول مغطّاة دون مساءلة ولا مراجعة ولا اعتماد على منهج أو التفكير بطريق للتمحيص والتدقيق وهي أصولية جمدت الفكر العربي وواكبت معظم محطات الأمّة وتسببت بكثير من نكباتنا المتتالية قديما والمستمرة حتى اليوم..
والثاني: المفتونون بالغرب وتقليعاته، المنساقون لكل شطحاته وتساؤلاته دون عقل أو منهج؛ فكل ما يأتيهم من البعيد (مقدس) ولامع يتبعونه ويرددونه باطمئنان، يؤمنون به دون سقف ولا إعمال عقل، يتجلّون لوكًا لألفاظ مكرورة ومصطلحات برّاقة كثير منها تجاوزه الزمن أو أنه لم يستقرّ بعد حتى لدى بلدان المنشأ ... وليتهم يعون أصول ما يرطنون به، أو يقفون على حقيقة التحوّلات العميقة التي أوجدته من الأساس.
تجدهم مندفعين - ربما بنوايا طيبة - مشدوهين بوهمِ التنوير ونشدان الحداثة لكن دون مؤسِّسات، فيتحوّلون باندفاعهم إلى إصولية اتّباعية لا تقل خطراً ووهماً عن الأصولية الأولى، خذلت وتخذل الإنسان العربي والفكر القومي، ولا تضيف للعقل العربي، جديداً مفيداً أو قيمة يُبنى عليها..
لسنا هنا معنيين باتّهام أحد أو التشكيك في نواياه أو القول باعتقاد تنفيذه لبرامج فُتن بها أو استُدرِج إليها أو يرتزق لحسابها، ليس ذلك لنا ولا مقصدنا، لكننا ملزمون بواجب حضاري والتزام ديني ونزوع إنساني بالإشارة إلى خطورة هذه الانفلاتات الرادحة والارتدادات المضللة والخادعة، التي ترتدي لَبُوسًا لامعًا إما بادعاء دفاعها عن الدين والعقيدة أو الانتصار للعقل والحداثة..!!
إننا نعيش أزمة (وجودية) حقيقية تحتاج منا التروّي والمراجعة الدقيقة والممنهجة وتلمّس مشروع نهضة قومية حقيقية متوازنة وواقعية، تنفع الناس وتمكث في الأرض..
|