|
|
|
المهندس/عبدالرحمن محمد العلفي - يبتهل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها في سفرهم وحلهم وترحالهم إلى الله عز وجل بالدعاء المأثور عن خاتم الأنبياء والمرسلين المبعوث رحمة للعالمين، الصادق الأمين محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، يرجون من الله الأمن والأمان في سفرهم ويأملون تجنب المشقة والعسر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والولد.
أما على المستوى الشخصي فإني أحمد الله كثيراً أنني منذ وعيت نفسي وحفظت هذا الدعاء ظللت أردده متوجهاً إلى الله جل جلاله وتعالى في علاه في حلي وترحالي وأنا على يقين بأن الله لن يخيب لي أمل وسيستجيب لي لأنه جل جلاله يستجيب لكل من يدعوه صادقاً يأمل توفيقه في كل سبل الحق والأيمان ومع ذلك فلا بأس أن أسجل بأنني لم أتعمق في فهم أبعاد وعثاء السفر ودلالاتها إلا حينما وجدت نفسي أشارك في الحياة واعتصر ألم الموت في آنٍ واحد وكان ذلك في الطريق التي تربط بين محافظتي لحج وتعز وبغض النظر عن حقيقة أنها ليست بطريق ولا ينطبق عليها من شروط الطرق ومواصفاتها أي شيء مما تتميز به من وعورة وشدة انحدار يضاف إلى ذلك ما يحيط بها من مخاطر واختناقات شتى تجمع بين الجبال الشاهقة والصحراء الرملية والسائلة الممتلئة بالأحجار والحفر والمنحنيات وأشجار الأثل والطلح.
واقع الحال في هذه المناطق معلوم لكل من تجرع ويلاتها وعلم صعوباتها وخلفياتها وشدة قسوتها من أولي الأمر والنهى ببعيد عن ذلك وكل من سافر من عدن قاصداً تعز أو العكس من يريد عدن قادما إليها من إب أو تعز، والحق يقال أن تلك الصعوبات تعد طامة كبرى تترك في النفوس ذكريات لا تحصى من العبر ذلك إن القهر فيها لا يقف عند الإعياء والتعب والمشقة بما في ذلك إلحاق الأضرار المادية بالمسافرين ووسائل نقلهم وكل ما يترتب على ذلك من ارتفاع مفرط في تكاليف النقل للبضائع والمنتجات الوطنية وحسبكم أنها تتسبب في رفع الأسعار من 30-40٪ للبضائع ولا نغفل هنا ما تسببه من اختلالات واضحة وجلية في قواعد العرض والطلب للسلع والمنتجات الوطنية وخاصةً في المناطق التي تتوافر فيها المنتجات من جهة ومناطق الطلب عليها من جهة أخرى.
أما الأضرار المعنوية فلا تمد عينيك ترغب في إحصائها لان ذلك من المعجزات التي لا يحيط بها ويقدر عليها سوى رب العالمين لان دمار الأنفس وخرابها وحالات الانقباض والتوتر في نفوس المسافرين وأهلهم وذويهم تحدث التصدع في النسيج الوطني والوحدة اليمنية ومع ذلك فإن صراعي مع الموت لم يَحُلْ بيني وبين أن أتذكر انه قد سبق لي أن اجتزت هذه المناطق خمس مرات في سنوات سابقة بعزم وصبر وجلد وهانت جميع تلك المشاق، حينما كنت احد أعضاء فريق عمل التحالف المدني للسلم والمصالحة الوطنية يشاركني في ذلك رفاق السلام مشاعل التنوير / رواد الحقوق والحريات مداميك الوحدة الوطنية برئاسة الأستاذ الدكتور حمود العودي، عدا أن المتغير في هذه الرحلة الأخيرة (نوفمبر من عام 2021م) لأنني لم أتجاوز بعد آثار الوعكة الصحية التي ترتب عليها تركيب خمس دعامات أو كما يسميها بعض الأطباء(شبكات شرايين القلب) كل ذلك كان قد ألزمني بأخذ قسط من الراحة حتى أقوى على السفر في تلك الطرق المقفرة المدمرة فما بالك بالإنسان المريض وكبار السن والأطفال ناهيك عن الحوامل وما حكمها على وجه الخصوص وهنا أقف لأعيد إلى ذاكرة القارئ ما استقر في ذهني من المعنى العظيم لوعثاء السفر في الحديث النبوي الذي قدمته في مستهل هذه الخواطر فقد مثل مما عانيته من معالجة حالة الدمار للروح والإنهاك للجسد وتبديد الراحلة وبالرغم من المعاناة ارتقت إلى سطح ما في الذاكرة عشرات الأسئلة التي كانت تراودني في كل الأوقات أهمها :
1) لماذا هذا العذاب وهل يمثل المرور من هذه الأماكن الوعرة ضرورة حياتية للناس ؟
2) من المستفيد من وراء هذا العذاب الناتج عن قطع الطرق المسبلة ؟
3) لماذا الصبر على هذه المكاره على الرغم من اعتقال عشرات الآلاف من الناس ولم يرتفع لأحد صوت سوى المبادرة المعروفة من المجتمع المدني، ولماذا لم تنشأ مقاومة مجتمعية تنكر الاستمرار في المشقة والتعب وتناضل من اجل العودة إلى استخدام الطرق الأساسية السليمة الميسرة سهلت العبور؟
4) لماذا لم تتحقق الاستجابة من جميع القوى المهيمنة على المشهد السياسي والعسكري والأمني المقدمة من المجتمع المدني التي برز فيها الخير والأمن والسلام للجميع؟
وفي إطار محاولة الإجابة عن هذه الأسئلة برزت أمامي حقائق أعدها قمة في السوء بل إنها تأخذك إلى الذهول لما تتصل به من عدالة التنمية والتأمل وهو ما يدفعنا إلى قوله عز وجل: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ، وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ، وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216) صدق الله العظيم
وبقراءة الآية الكريمة استنتجت أن الحرب الداخلية قد كشفت الغطاء عن حالات الحرمان الشديد للقرى والعزل الواقعة خارج الخط الدائري للمدن الرئيسة في كل من تعز ولحج وأب والضالع وغيرها من المحافظات وكل ذلك يدل على أن التخلف لا يزال جاثماً على البلاد وهذا بالتأكيد هو السم الزعاف والبلاء المستحكم في أوساط المجتمع،
لقد كشفت الصراعات عن عورات السلطات المركزية والمحلية وبينت أنها لا تزال على حالتها من الإهمال، وهي في أحسن الأحوال على ما تركها التعاونيون الأوائل الذين شقوا الجبال ومهدوها وطوعوها لحركتهم على وفق ظروفهم وإمكانياتهم آنذاك.
ولم تغفل الملاحظات التي رافقتني في الرحلة الصعبة حالات التأمل والاستغراق وأنا أتجول ببصري لأشاهد المباني والتجمعات السكنية وهي تزينّ الجبال والسهول لتشمل مديريات بكاملها مثل مديريتي(سامع والصلو) وغيرهما، لان تلك المناطق تكتنز بالرجال والنساء الأشداء ذوي النفوذ والمشهود لها بالقدرة والكفاءة عدا ما تتميز به تلك المناطق من الكثافة السكانية، وفي واقع الحال إنهم جميعهم يتكبدون قسوة الحياة وشظفها وبؤسها لدرجة أن تنعدم الطرق الممهدة بصورها البدائية على اقل تقدير.
أضحى الحرمان واقع حال يتعايش معه الناس وكأنه قدر مقدر عليهم، وأكثر من هذا تذكرت أن أول مرور لي من تلك المناطق قبل أربع سنوات كنت أشير إلى أن الجهات المسئولة عن الطرق الريفية في طرفي الصراع تمتلك وسائل الشق والتعبيد ومخازنها تكتنز بالألغام والمتفجرات عدا عن توافر الكفاءة الفنية والهندسية تستطيع أن تقوم بواجباتها على الوجه الأكمل وفي أسوأ الأحوال أن تمسح الطرقات وهو الوضع الطبيعي الذي يحتم عليهم استشعار المسؤولية أمام الله ثم أمام ضمائرهم والناس كافة بكل ما يترتب على ذلك من إزالة العوائق القاهرة خاصة في ظل وجود حركة تجارية وناقلات لا تتوقف ليلاً ونهاراً وهي تمر بعقبات في مناطق جبلية ضيقة تجعل تلك الوسائل في حالات ازدحام بالغ الشدة ولا يستطيع احد أن ينكر أن العشرات منها قد هوت في أودية سحيقة ولعل الكثير من القصص والعجائب ستكون مادة ثرية يدرسها ويتناولها بالبحث علماء الاجتماع والاقتصاد وحقوق الإنسان ولا أستبعد أبداً أن تلك الدراسات لو أجريت ستخرج بنتائج وحقائق مخجلة تدمغ المتصارعين وتدمي الساكتين عن مقاومة الباطل وتسجل الخسائر المادية بالمليارات التي يتجرعها التجار والشعب الفقير، ذلك أن حجم المعاناة وقسوة الحياة كبيرة وعظيمة وليس لها من أسباب سوى عدم فتح الطرق المسبلة وضعف الوازع الإنساني والأخلاقي والديني لدى أمراء الحرب، وفي هذا المقام تذكرت ما قاله الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه (لو عثرت بغلة في العراق لسألني الله عنها لماذا لم أمهد لها الطريق) وحينها قلت في نفسي كيف ينطبق الأمر على مسئولينا وأمرائنا ووجهائنا وبأي وجه سيلقون الله وقد تعثر سكان مديريات بأكملها لا بغلة واحدة بل كلهم يتجرعون أهوال الطرقات ومشقاتها وعسرها وسوء المعيشة وغياب الأمان وانعدام الاستقرار وفقدان الأمل في الخروج من مستنقع الخراب والدمار والقتل والهيمنة والاستعمار الجديد القديم.
يقول قائل إن واقع الحال هو نتاج الحرب وهذا حق لكن ما هو أحق منه أو مثله على اقل تقدير يكمن في أن الظلم الذي تجرعه السكان في المناطق التي تمر منها هذه الطرق من جهة وتجاهل الكثير عن قول الحق من جهة أخرى قد جعلهم يمثلون الأسباب الحقيقية للمصائب والكوارث التي نحن فيها قد غابت العدالة في التنمية وتوقفت حركة الحياة ليس في الطرقات فحسب بل في نفوس الناس التي قضت عليها الهموم في أطراف الخطوط الدائرية للمدن والسواد الأعظم من الناس يعانون المشاق من سوء أوضاعهم المعيشية وكأنهم لم يطعموا لذة الانتقال الآمن والسريع في الطرق المعبدة.
وفي ساعات الألم والمعاناة لم يغب عني واقع حال المناطق التي لا تزال تعانق السحب في علوها وارتفاع قدرها في عدد من المحافظات وعلى سبيل المثال اذكر الجميع مرة أخرى بأن المواطنين في محافظ ريمة ومجرة وصاب - على نحو يحلو للأخ العزيز أنور شعب أن يسميها حين يتحدث عن ظروف ومعاناة سكانها على ذلك الحال ما هو معروف عن محافظات ومديريات الهضبة الوسطى ابتداء من رازح وحتى الضالع كلها لا تزال أوضاعها على ما تركها التعاونيون لان مسيرة التنمية توقفت وتعذر علينا الحفاظ على ما كنا قد أنجزناه حتى تلك الطرقات التي أنجزتها الثورة والجمهورية والوحدة أقفلوها وقطعوها ولغموها ودمروا جسورها على الرغم من أن البلاد كانت تسير في طريق التنمية المستديمة بشكل سليم يسمح لها بتوافر لها ما تحتاج إليه من الحدود الدنيا التي تمكنها من القدرة على تأمين انتقالات سكانها من قرية إلى أخرى وحتى ما بين القرى والمدن الثانوية غير أن ما يعانونه ويكابدونه ويقاسونه الآن هو أشد ظلما وتنكيلا بهم وبمقدراتهم.
ودعك من الاستطراد في تبيان المقاصد الخبيثة الأكثر إيلامّاً ومرارة حاضراً ومستقبلاً في الصدارة منها بذر المشاريع العدوانية ضد الوحدة اليمنية والدولة المدنية إمعانا في تمزيق النسيج الوطني شأنه تلك المقاصد لا يقل إيلاماً ودموية عن وقع الصواريخ وأشكال القصف المدمر الذي نتكبده ونتجرعه من العدوان على الأرض والسيادة والناس والمقدرات لأنها جميعها تصب في دائرة التدمير والتمزيق الممنهج وليس ثمة فيها من خاسر سوى الشعب والوطن يجمع على ذلك ذوو العقول الراشدة والألباب ذات التأمل والتدبر والحلم والنُهى في اليمن الكبير ومن قدر له أن يمر بتلك المناطق فسوف يتذكر فيما مضى عبور المهربات غير أنها قد أصبحت اليوم الملاذ الآمن للمواطنين الذين تقطعت بهم السبل ومنعوا من عبور الطرق الطبيعية أو ما تسمى مجازاً الطرق المسفلتة المعبدة.
إن الغرفتين التجاريتين في صنعاء وعدن ومعهما التكتل الاقتصادي اليمني قد أكدوا بوضوح ما يفيد من أن التكاليف تضاعفت على الناس في كل اليمن وأخطر ما في حركة التنمية أصبحت في حكم المشلولة الأمر الذي يحتم على العقلاء والكرماء وشرفاء القوم أن يجدوا في البحث عن حل صادق قابل للتنفيذ لنتمكن بذلك من وضع حد نهائي لهذا الواقع المؤلم.. في كل الأحوال فإن الصواب يعلمنا بأن نلجأ إلى الله مادمنا مؤمنين موحدين مدركين أن هذا الظلم من أكبر المنكرات عند الله، أو ليس هو جل جلاله من توعد قاطعي الطريق بالعقوبات المؤلمة والموجعة ومن ذلك قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو النفي من الأرض، الأمر الذي يدفعنا جميعاً مضطرين مجبرين على اجتياز هذه الطرقات بأن نبتهل إلى الله أن يشل أركان المتسببين في قطعها ويسلط الله عليهم من لا يخافهم ولا يرحمهم وهذا أضعف الإيمان.
وما أظنه ولا يغيب عن وعينا التأكيد أن في تراثنا الاجتماعي وفكرنا السياسي وقيمنا الدينية وحقوقنا القانونية ما يشير إلى أن قطع الطرق من الأعمال الإجرامية.. ويعد ذلك فإن قواعد الحرب حتى عند المشركين والملحدين لا تجيز قطع الطرقات والشاهد المؤلم أن ظاهرة قطع الطرق تكثر في المحافظات المتسمة بالكثافات السكانية والنشاطات الاقتصادية والوعي الثقافي والسياسي المجتمعي وهذا كله يجعلنا في أمس الحاجة إلى إدراك الأهداف المبطنة لأشكال التآمر وصور العدوان المباشر والوهم الذي يساور بعض القوى الخارجية البغيضة في العودة إلى الانفصال، وفي هذا المقام استأذن المناضل الكبير عبدالحميد سيف الحدي لأستشهد بعبارته الشهيرة(إن الوحدة اليمنية ثابتة وراسخة رسوخ وثبات الحجر الأسود في جوف الكعبة)
إن من ينظر إلى خصائص أبناء محافظات تعز، لحج، إب، الضالع على سبيل المثال سيجد أنهم يمثلون حاضرة الثقافة اليمنية وجسر الوحدة ومدماك التنمية الاقتصادية، غير أن الأمر المحرج والمؤسف والأكثر إيلاماً أن هذه المحافظات هي بعينها التي تقطعت بأبنائها السبل وفي نفس الوقت تتشابك فيها كل أشكال المؤامرات داخلياً وخارجياً.
ما الذي يعنيه ما يحدث من تقاسم المتصارعين لهذه المناطق ويجعلون منها كنتونات ؟
وعلى سبيل المثال فإن من يتأمل واقع حال الطريق التي تفصل بين الحوبان وجولة القصر بتعز يشعر بالرعب الاجتماعي والانهيار المعنوي والنفسي وحالات الاستعداء التي فرضت على الناس بما في ذلك ترهيبهم بالقناصات والألغام وما هو أشد وأنكى من ذلك القتل والسجن والملاحقة في تلك المنطقة التي لا تتجاوز مساحتها سبعة كيلو مترات تقريباً.
إن الحقائق التاريخية لم تبق مجالاً للشك أن سكان هذه المناطق هم المتغير الايجابي لبناء الدولة وأمنها واستقرارها وعكس ذلك يحدث حين يتذمرون.
بقي لكاتب هذه الخواطر أن يدعو ذوي العقول الراشدة الى أن يلتقوا حول مائدة المصطفى الأمين في دعوته الجامعة المانعة إذ يقول (كلكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع ومسئول عن رعيته.. الخ) وتذكروا أن الساكت عن الحق شيطان اخرس.. سيدي يا رسول الله تُرى اين نحن من هذا المبدأ الدستوري الديمقراطي الإنساني الذي يأخذنا إلى كل خير.. اللهم إنا نعتذر للحبيب المختار فقد أخذتنا شقوتنا وزخارف لهونا إلى مخاطر لا خلاص منها إلا بالعودة إلى جادة الصواب وما ذلك على الله بعزيز.
|
|
|
|
|
|
|
|
|
تعليق |
إرسل الخبر |
إطبع الخبر |
معجب بهذا الخبر |
انشر في فيسبوك |
انشر في تويتر |
|
|
|
|