كتب/ طه العامري - يبدو واضحاً ان النظام السعودي ومن يلتف حوله وصل إلى منعطف خطر وطريق مسدود، وبالتالي غدا هذا النظام في مأزق حقيقي سياسياً وعسكرياً وامنياً وبصورة تهدد سلامة بنيته الوجودية ودوره الوظيفي على ضوء منظومة المتغيرات اليمنية والإقليمية والدولية وهي المتغيرات التي اجبرت النظام السعودي على ان يعيد حشد محيطه الإقليمي ممثلة بدول (مجلس التعاون الخليجي)، وطبعاً بالتشاور مع حلفائه الإقليميين والدوليين ليطلق دعوته لـ»حوار بين الاطراف اليمنية، بهدف حل الازمة اليمنية« حسب الإعلان الصادر تحت راية مجلس التعاون الخليجي، واشارت الدعوة او البلاغ الى ان الحوار سيكون في العاصمة (الرياض) بدءاً من يوم 29 مارس الجاري.. واضاف البلاغ السعودي ان الدعوة ستوجه لجميع الاطراف اليمنية وان الحوار سينطلق في الموعد المحدد له وسيجري هذا الحوار بـ(من حضر)..!!
هذا المنطق السفسطائي المثير للسخرية يعكس حقيقة التفكير والسلوك الطفيلي لنظام لا يفتقد للقيم والاخلاقيات فحسب بل يفتقد ايضاً لأبسط مقومات الوعي السياسي الذي يجرده من مصداقيته ومن الصورة التي يحاول ان يظهر بها نفسه امام الرأي العام العربي والدولي كراعٍ للأزمة اليمنية او وسيط بين اليمنيين وهذه الصورة التي يحاول ان يظهر بها النظام السعودي هي صورة مزيفة وكاذبة لم يكن يوماً وسيطاً بل هو العدو الرئيسي وهو طرف اصيل في العدوان وكيف لمثله ان يكون وسيطاً او راعياً نزيهاً..؟!
اليمن يواجه العدوان السعودي ويواجه الحصار ويواجه القتل اليومي بطائرات واسلحة السعودية، وبالتالي كيف لمثل هذا النظام ان يكون وسيطا او راعياً لحوار وهو العدو الاساسي لليمن واليمنيين الارض والإنسان..؟!
بيد ان النظام السعودي وهو يعيد تقديم نفسه للعالم بذات الصورة التي قدم بها نفسه عام 2011م من خلال ما تُسمى بـ(المبادرة الخليجية) محاولة بائسة من نظام وجد نفسه في مأزق حقيقي بعد كل سنوات عدوانه وحصاره وبعد كل هذا الخراب والدمار والنزوح والتشرد الذي تعرضت له اليمن وشعبها طيلة سنوات العدوان، فالنظام السعودي وجد نفسه على الصعيد اليمني مهزوماً امام ارادة شعب صمد وقاوم وانزل الهزائم المتتالية بقوات آل سعود ومرتزقته وبالجيوش التي استأجرها ورغم كل معاناة الشعب وحصاره وتجويعه واغلاق مطاراته وتدميرها واغلاق موانئه ومعابره وحرمانه من ابسط الحقوق الإنسانية وفي ظل تواطؤ المجتمع الدولي ومنظماته وكل هيئاته الحقوقية والإنسانية وصمت الانظمة الإقليمية والدولية واجهزتها الإعلامية، وهو الصمت المدفوع الثمن، وبعد كل هذا وبعد ان ادرك النظام السعودي استحالة تحقيق اهدافه لجأ إلى التنصل عن جرائمه بعد سلسلة الهزائم العسكرية والامنية والسياسية والاخلاقية والحضارية والإنسانية التي تجرعها هذا النظام المتغطرس على يد ابطال الجيش واللجان من ابناء اليمن، فحاول ومن خلال دعوته المشبوهة إعادة تقديم نفسه بالصورة التي جاءت بها الدعوة للحوار ليكرس حقيقة وساطته ورعايته لليمن وليبرئ نفسه من الجرائم التي ارتكبها بحق اليمن الارض والإنسان والقدرات طيلة سنوات العدوان التي تجاوز عددها عدد كل سنوات الحروب التي شهدها التاريخ..
الدعوة تعبر في جانبها عن انتصار الشعب اليمني وعن انتصار جيشنا ولجاننا وابطالنا في جبهات العز والشرف والكرامة والسيادة وعن هزيمة العدوان وادواته، لكن في أبعادها تعكس رغبة النظام السعودي في الهروب إلى الامام من تحمل تبعات عدوانه حين يصر على التمسك بدوره كراعٍ او وسيط بين اليمنيين في محاولته الدائمة التأكيد على أن الحرب هي بين الاطراف اليمنية وليس بينه وحلفائه من الدول المشاركة في العدوان..؟!
اليوم وبعد تأكد النظام السعودي من هزائمه وفشله في تحقيق اهدافه واستغلالاً لتداعيات إقليمية ودولية برزت امامه منها وأهمها الصمود الداخلي اليمني وتلاحم الجيش واللجان والقيادة والشعب رغم كل المعاناة التي انتجها العدوان فالتماسك الداخلي لعب دوراً محورياً في الصمود والانتصار وافشال مخططات العدو، الامر الآخر نجاح المحادثات النووية الإيرانية مع دول الغرب وامريكا، والامر الثالث هو الازمة الاوكرانية وفتور العلاقات بين الرياض وواشنطن في ظل إدارة الرئيس (بايدن) كل هذه العوامل وضعت النظام السعودي امام مأزق حقيقي غير قادر على تجاوزه إلا في إعادة تسويق نفسه من بوابة اليمن بعد ان اغلقت امامه كل الابواب وإدراكه ان اليمن هي الورقة الرابحة التي بها يعيد تسويق نفسه شرقاً نحو علاقة مع جمهورية الصين الشعبية ولكن من خلال اعتماد نفسه ودوره كوسيط وليس كطرف اساسي في العدوان وقيادته والتخطيط له وإدارته وفي الحصار وجرائمه، وهي اي الرياض وجدت نفسها مجبرة على إطلاق دعوتها هذه ويمكن استنتاج هذا من خلال تعبيرها بان الحوار (سيتم بمن حضر) وكأنها دعوة لـ(صلاة جنازة) وليس دعوة لحوار..؟!
لكنها تحاول إيجاد نافذة امان لها وصفة (شرعية) لدورها، وإنْ على طريقة (زواج المسيار) أي ان عبارة (بمن حضر) بقدر ما تعكس غطرسة هذا النظام تعبر ايضاً عن حاجته لاكتساب براءته وإنْ عبر مجموعة من مرتزقته ليجعل من حضورهم حجة امام الرأي العام لتأكيد دورها كوسيط وراعية للازمة وليس كعدو باعتبار الحرب هي بين اليمنيين فقط..!!
وهذا المنطق سيجد من يعتمده داخل المحافل الدولية والإقليمية التي تغاضت عن دمار اليمن وقتل وحصار وتجويع وتشريد الشعب اليمني طيلة سنوات العدوان..!
هذا النظام الذي اجرم واعدم في يوم واحدة 81 مواطناً برئياً بينهم اسرى حرب من ابناء اليمن في لحظة زمنية فارقة استغلتها لارتكاب الجريمة المجزرة، لحظة اتجهت فيها انظار العالم نحوه بحثاً عن نفطه وزيادة انتاجه اليومي لتغطية العجز بالاسواق الدولية بعد مقاطعة الغرب للنفط الروسي، حتى ان احداً لم يذكر هذه الجريمة البشعة لا في وسائل الاعلام ولا في في تصريحات الساسة، بل لم يشر أيٌّ من قادة اوروبا وامريكا لهذه الجريمة ولا منظماتهم الحقوقية التي تتباكى على حقوق الإنسان في اوكرانيا ولأجلهم قامت قيامة الغرب وامريكا وحتى العالمين العربي والإسلامي، فيما حقوق الإنسان اليمني أهدرت وتجاهل العالم معاناة الشعب اليمني جراء العدوان والحصار، وعليه وفي هذا التوقيت وتزامناً مع كل هذه المتغيرات جاءت الدعوة للحوار في محاولة سعودية لاقتناص اللحظة الدولية لتمرير مخططها وتحقيق براءتها وإن بصورة احادية وبـ(بمن حضر) الذين بهم وبحضورهم ستعمل على تضليل الرأي العام عبر تفعيل بروبجندة اعلامية تعمل على تحريف الحقائق وتكريس الاكاذيب، وعليه فإن صنعاء مطالبة بالتمسك بثوابتها وهي أنها مع الحوار ونرحب بالحوار ولكن هناك شروطاً ذاتية وموضوعية لا بد من توافرها لنجاح هذا الحوار، الذي يريده النظام السعودي يتماهى من ناحية مع الحوار الروسي الاوكراني، ومن الاخرى يتماهى مع الحوار اللبناني _ اللبناني فيما يسمى بحوار الطائف الذي انتهى بإبرام (اتفاقية الطائف) وفي كلتا الحالتين لا ينطبق الوضع اليمني مع اي ٍّمن المشهدين، لذا يفترض ان يكون الحوار برعاية دولة عضو في مجلس الامن الدولي مثل (روسيا او الصين) وبحضور أممي ومراقبين إقليميين لأن الرياض ليست مؤهلة بعد كل هذا العدوان والحصار والدمار والقتل ان تكون مكاناً مناسباً للحوار او راعية له، ثم ان للحوار شروطاً يجب ان تتوافر مثل وقف اطلاق النار وفتح المطارات والمؤانى ورفع الحصار والبدء في التعامل مع الملفات الإنسانية مثل الإغاثة وتمكين حركة الانسياب التجاري من العودة لطبيعتها ومعالجة ملفات الاسرى من الجانبين، وهذه اهم مقومات نجاح الحوار ان كانت هناك نوايا صادقة لإنهاء الوضع الراهن في اليمن.
|