أ.د. أحمد مطهر عقبات - يحتفل الشعب اليمني بذكرى وحدته الثانية والثلاثين في ظروف ومتغيرات استثنائية وتحديات جمة أفرزتها مجمل العواصف التي أثرت على مسارها وعرقلت أهدافها الوطنية والإنسانية التي ظلت لفترات طويلة تمثل أهم تطلعات كل اليمنيين في لم شمل الأسرة اليمنية التي تحققت على أرض الواقع بحالتها الاندماجية في الثاني والعشرين من مايو عام 1990م بجهود مهمة من المؤتمر الشعبي العام وبقية الشرفاء من أبناء الوطن.
ولا شك أن الإنجاز التاريخي الوحدوي الذي عمم خير الوحدة خلال الفترة الماضية من خلال ربط المدن اليمنية وقراها بسياج من الإنجازات التنموية والخدمية التي تغطي كثيراً من الاحتياجات اليومية للأفراد في فترات الاستقرار السياسي، قد لفت انتباه العالم إلى أهمية الوحدة اليمنية في لم شمل الأخوة وتحقيق المنجزات وتثبيت الأمن والاستقرار في ربوعه والمنطقة بشكل عام، إلى جانب الشروع في خوض تجربة ديمقراطية فريدة في المنطقة شهدت تحولات متميزة في تركيبة النظام السياسي - التعددي حزبياً وإنشاء منظمات مجتمع مدني متعدد الأهداف والرؤى والاتجاهات والتخصصات باستقلالية تامة في النشاط المفتوح على كافة شرائح المجتمع وممارسة فعلية لحرية التعبير الممنوحة أمام الأحزاب السياسية والصحف والمجلات الحزبية والأهلية والمستقلة التي جسدتها آراء ومواقف متباينة في تناول القضايا المحلية والخارجية من خلال صحف الأحزاب المعارضة والمستقلة والرسمية وفي مقدمتها إعلام المؤتمر الشعبي العام ، الأمر الذي وضع اليمن أمام مرآة الشكل الديمقراطي الجديد في التعامل مع كافة المستجدات التي ينبغي أن تخضع لجملة من القوانين المنظمة في إطار مؤسسي يكفل سير هذه العملية بمسؤولية تامة وبتقييم موضوعي ودوري يعزز من قيمة هذه التجربة الوليدة ، وهذا ما سعت إليه الجهات الإعلامية المختصة ونقابة الصحفيين والمهتمين حينها في مناقشة وإقرار جملة من الضوابط الصحفية لتنظيم إيقاع الأداء للإعلام اليمني التعددي المسئول انطلاقاً من إفرازات التجارب السابقة.
إن الوحدة اليمنية هي قدر ومصير الشعب اليمني وليست ملكاً لفئة أو جماعة ، لأنها جوهر الوجود الوطني المنبعث من وجدان الإنسان وحماية الأرض وبوابة المستقبل في البناء بتكتل جغرافي وبشري قادر على مواجهة تحديات عصر العولمة بتكاتف الجهود في البناء والتحديث المستمر وتحقيق الغايات النبيلة بدفع عجلة التنمية الشاملة إلى الأمام، من أجل تعزيز القدرة الاقتصادية الوطنية بما يلبي طموح التنافس من أجل البقاء في وضع معيشي مقبول للمواطن وسمعة طيبة لليمن تدعم مكانته بين الأمم.
وقد شهد الإعلام اليمني نقلة نوعية خلال العقود الماضية كمجسد حقيقي لطبيعة النظام السياسي التعددي الذي فتح الباب على مصراعيه أمام حرية الرأي ، حيث شكل واجهة ديمقراطية غير مسبوقة في المنطقة بتسخير الوسائل الإعلامية لوضع السياسات الحزبية أمام الرأي العام الجماهيري والتعليق على الأحداث والمتغيرات اليومية بطرق شتى تحتاج إلى وقفة ومراجعة لتحليل القيمة الفعلية من المخرجات القيمية في تكوين الرأي العام الوطني، وفي مقدمتها ترسيخ الوحدة اليمنية والولاء الوطني، انطلاقاً من الدور الإعلامي المفترض في تعميق البنيان الاجتماعي وتثبيت المعاني النبيلة للوحدة اليمنية الخالدة ،وإيجاد توازن فعال بين واقع النظام السياسي التعددي الديمقراطي وبين ضرورة استغلال هذا الوضع بتسخير الإعلام في الاتجاه الذي يخدم مصالح اليمن العليا وبساعد على تلاحم الشعب وولائم لوحدتهم ونشر ثقافة التسامح ومشاركة الجميع في تطوير البلاد .. وفي هذا السياق كان يفترض أن يتوازن أداء الإعلام الرسمي والحزبي بتنافس جدي ينفذ أهم وظائفه في معالجة قضايا المجتمع ويساعد في لفت الانتباه إلى الظواهر السلبية والعوائق التي تقف عقبة أمام تقدمه وتطلعات أبنائه لحيازة رضا الجمهور المتابع وبما يخدم القيمة الفعلية من التعددية الحزبية والإعلامية برمتها.
إن أهم الواجبات المسئولة في ترسيخ الوحدة اليمنية والولاء الوطني تقع على عاتق وسائل الإعلام الجماهيرية التي استفادت كثيرا من الوضع السياسي التعددي بعد الوحدة في أداء مهامها على كافة الأصعدة ،بممارسة حرة أثرت وتأثرت بمستجدات متباينة الانطباع العام في الموضوع والهدف والأسلوب في الطرح والتعبير وبراءة المقاصد، الأمر الذي كان يستوجب إجراء تقييم شامل للمضامين المطروحة خلال الفترة الماضية من منظور الولاء الوطني وتعزيز التجربة الديمقراطية في اليمن، والذي يخشى في أن تستخلص النتائج بأن وسائل الإعلام المفتوحة ساعدت إلى حد كبير وبأسلوب ديمقراطي حر غير مسبوق على تجاوز واضح لأخلاقيات العمل الصحفي أحياناً ببث الفرقة والاستعداء للآخر واستغلال الأحداث والأزمات والاختلالات الأمنية والمتغيرات السياسية لتحقيق مصالح مراكز قوى مصلحية على حساب استقرار أمن المجتمع وعرقلة التنمية وضعف الاقتصاد الوطني، وهذا ما كان ينبغي تجنبه خوفاً من السقوط في مستنقع الفوضى وإحداث فجوة في سفينة الوطن التي تحملنا جميعاً ،ويتحدد مصير الجميع في صيانتها وسلامتها، ولذلك فإن التجربة الديمقراطية جديرة بالعناية والاهتمام للاحتفاظ بحق الكلمة والتعبير عن الرأي الاجتماعي السائد إزاء تحسين المعيشة والإصلاح الإداري وإحداث نهضة تنموية شاملة التي يجب أن تقف دوماً على رأس أولويات الإعلامي اليمني الغيور على أمته وبلده.
وبعد مرور أكثر من ثلاثة عقود وتجربة الاستهداف المبرمج على الوطن اليمني شماله وجنوبه والتهديد المباشر للمصلحة العليا ، يكون خيار التمسك بالوحدة ومقاومة نشاز الفرقة- التي لاشك لعبت الأزمات المتتالية ومواجهات الفرقاء دورا سلبيا في تمزيق النسيج الاجتماعي- هو السبيل الوحيد للرد على الأطروحات المناهضة لوحدة البلاد أرضاً وإنساناً .
إن تحديات هذه المرحلة الحساسة تستوجب رص الصفوف وتعميق الولاء للوطن اليمني الموحد الكبير الذي يحتاج إلى جهود كل أبنائه للتفرغ للتطوير والتحديث وبناء الدولة المؤسسية وتفعيل تطبيق النظام والقانون والمواطنة المتساوية ،وتجاوز كافة السلبيات والتحديات لنثبت للعالم أجمع أن وحدة اليمنيين في قوتهم وأن أرض السعيدة تزخر بثروات إنسانية وطبيعية وكوادر مؤهلة ما يجعلها قادرة على تحمل واجباتها في النهوض بالوطن نحو الرقي والتقدم ودفع عجلة التنمية بوتيرة عالية إلى الأمام وتشجع بقية الأقطار العربية للمضي قُدماً في اتجاه إنجاز الاتحاد العربي المنشود.
بقي القول إن الوحدة اليمنية برغم تشقق النسيج الاجتماعي والسياسي الذي أحدثته الأزمات المتلاحقة ستظل خالدة في وجدان الإنسان اليمني لأن مصيره قد تحدد بوجودها ولم تعد أية ظروف أو محاولات يائسة متفرقة لتجزئتها ولسبب بسيط وهو أن الأسرة قد اجتمعت وتداخلت فيما بينها والمصالح قد تلاحمت والمصير قد ربط كل المواطنين في اتجاه واحد يستحيل تغييره.. ولهذا فليس أمامنا سوى تحمل مسئولية العمل الصادق والدوؤب تجاه استحقاقات إنهاء الحرب وتثبيت الأمن والاستقرار لمواصلة مسيرة التطور والتحديث والتنمية.. ومن حق الوسائل الإعلامية التعبير عن ذاتها بالطريقة التي تراها مناسبة وتستغل المساحة الديمقراطية (المفترضة) لها في تحليل الأحداث والنقد البناء إزاء كافة الظواهر كيفما تشاء ولكن دون تجاوز للخطوط الحمراء المتمثلة في وحدة الأرض اليمنية وولاء المواطن والتفريط بأمنه واستقراره .
وعموماً.. لابد من الإقرار بأن التحديات الراهنة التي تواجه مسار الوحدة اليمنية ينبغي أن تؤخذ في الاعتبار من منطلق أن الأمن والاستقرار ولملمة شتات الأسرة والمضي قدماً في بناء الوطن والاستفادة من خيراته في ظروف آمنة للرقي بالسعيدة الى استحقاقات الرقي والمجد مرهون بتثبيت الوحدة والإيمان بوحدة المصير المشترك في ربوع البلاد.
|