د. طه حسين الروحاني - لن أتحدث عن مزايا الوحدة النسبية، سوف أعرج على مساوئ الانفصال المطلقة، مع التأكيد على ان النزاعات والحروب بين الدول المنفصلة لن يكون بدعة يمنية إنْ تم الانفصال، والمتابع لأحداث الانفصال في بلدان كثيرة سيجدها تاريخاً يمتد لعقود من الصراعات التي خلفت الخراب والدمار والضحايا في تلك الدول المنفصلة، وبعضها مازال واقعها يشهد عليها الى اليوم،
حال ألمانيا الشرقية اثناء حقبة الحرب الباردة لو لم يتم تداركه بالوحدة، والكوريتان المنقسمتان والاجتياحات المتكررة لبعضهما البعض منتصف القرن الماضي وحالة الاحتقان الممتدة الى اليوم، وباكستان المنفصلة عن الهند والتهديدات النووية المتبادلة بين الحين والآخر، وجنوب السودان الذي لم يهدأ ولم يستقر بعد عقد من الانفصال، وأوكرانيا المنفصلة عن وريث الاتحاد السوفييتي والحرب المندلعة بينهما بعد اكثر من ثلاثة عقود، وحتى الخروج الناعم لبريطانيا من الاتحاد الاوروبي مازالت معركة الضمانات والامان لم تنته ولن تنتهي وستتحول الى معضلة اوروبية مستديمة، ارتيريا ايضاً لم يحقق لها الانفصال عن اثيوبيا اي قيمة مضافة ونزاعات البلدين قادمة اليوم او غداً رغم الحماية الدولية لأرتيريا المستقلة، واقليم تيمور الشرقية المنفصل او المستقل هو الاكثر ضرراً على مستوى العالم اقتصادياً من عملية حق تقرير المصير السلمي الذي اشرفت عليه الامم المتحدة اذا ما تمت مقارنته بالاقتصاد الاندونيسي وتيمور الغربية غير المنفصلة،
في الصين الانفصال ليس قرار تايوان وحدها ولن يكون بعيداً عن قرار الصينيين والتايوانيين معاً، كما ان اعمال الجيش الايرلندي لم يمنح ايرلندا الشمالية حق الانفصال عن المملكة المتحدة، ومحاولة قبرص التركية الانفصال من طرف واحد لم يورث الا عشرات الآلاف من الضحايا، كما ان حق تقرير المصير للاكراد في تركيا وشمال العراق تمت مواجهته ومجابهته لدرء ما هو أسوأ، وكذلك الامر فيما يتعلق بجبهة البوليساريو المفاوضة لأربعة عقود..
رفض الانفصال ليس حباً في الوحدة انما كراهية في الانفصال بحد ذاته، والخوف من العودة الاكيدة الى صراعات الجبهتين الجنوبيتين عام 70م، والحرب الحدودية بين الشمال والجنوب عام 72م وما تلاها من مناوشات حدودية متفرقة، وحرب المناطق الوسطى او ما يعرف بحرب الجبهة بين الشطرين خلال الاعوام 79م و 80م و 81م، وحتى احداث 86م الجنوبية الجنوبية المؤلمة.. كذلك فان هروب الجنوبيين الى الشمال ولجوء الشماليين الى الجنوب ستكون أولى نتائج الانفصال، ومنها تكوين جبهات معارضة لكل شطر في الشطر الآخر تتلقفها الحاضنات الداخلية والخارجية، بالاضافة الى الاستنزاف الحدودي ونشوء جيوب مناوئة وجبهات ممانعة، وجميعها مخاوف واردة وحقيقية واكثر من ذلك لا نستطيع حصره او توقعه، وثمن قاسٍ للانفصال لن ينتهي دفعة واحدة، وسوف يستمر لعقود واجيال ان تم الانفصال.
|