د. عادل غنيمة - يعتبر منجز إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو عام 1990م اعظم الإنجازات السياسية التي تحققت للشعب اليمني وكانت احد اهداف ثورتي سبتمبر 1962م واكتوبر 1963م ,حيث تحققت الوحدة اليمنية بعد مخاض مفاوضات سياسية طويلة المدى شملت عدة لقاءت على مستوى القمة لقيادتي الشطرين الجنوبي والشمالي ,بل وبعد حروب عدة لقوات الشطرين تحت مبرر إعادة تحقيق الوحدة ولو بالقوة ,حيث عانت المناطق الحدودية الشطرية من المناوشات والصراعات والحروب النظامية التي قامت بين شطري الوطن من حرب 1972م الى حرب 1979م الى حروب المناطق الوسطى المدعومة من الشطر الجنوبي من اليمن ,وكل هذه الحروب كانت أسبابها ومبرراتها التدخلات في الشئون الداخلية لكل شطر باسم الوحدة اليمنية , وعندما كانت هذه الحروب اليمنية تتوقف بين الشطرين ,كانت المفاوضات على مستوى القمة تسعى الى احياء مشروع دستور دولة الوحدة وتوحيد النظام السياسي والاقتصادي والإداري للدولة الموحدة , وكان العائق الرئيس اختلاف طبيعة الأنظمة السياسية الايدلوجية وموالاة المعسكرين الغربي والشرقي , فالشطر الشمالي من الوطن ممثل بالجمهورية العربية اليمنية كان نظاماً سياسياً يميل الى موالاة الغرب الرأسمالي وتحت الوصاية السعودية الى ما قبل عام 1990م بينما النظام السياسي في الشطر الجنوبي من الوطن ممثلاً باليمن الديمقراطية الشعبية كان موالياً للمعسكر الشرقي وتحت الوصاية للنظام الشيوعي الاشتراكي في الاتحاد السوفييتي , وكان تنظيم المؤتمر الشعبي العام المشكل من مختلف التيارات السياسية القومية والدينية والمستقلة هو المسيطر على النظام السياسي كتنظيم حاكم, بينما كانت المؤسسة العسكرية هي المسيطرة فعلياً على القرار السياسي والأمني , بينما الحزب الاشتراكي اليمني الذي وحد القوى السياسية القومية في الجنوب , بقيادة الجبهة الوطنية كان هو المسيطر على القرار السياسي والعسكري والأمني في الجنوب, ومع اعلان البروسترويكا وسياسة العلانية في الحزب الشيوعي السوفييتي للمكاشفة والإصلاحات السياسية التي قادها الرئيس غورباتشوف أدت هذه السياسة الى انهيار المعسكر الشرقي وقيام الثورات في العديد من دول أوروبا الشرقية دون تقديم أي دعم سياسي او عسكري من الاتحاد السوفييتي وكانت اليمن الديمقراطية الشعبية ضمن هذا المعسكر الموالي للاتحاد السوفييتي ومع احداث الجنوب الدامية في عام 1986م التي انقسمت فيها النخب السياسية في الحزب الاشتراكي اليمني الى فصيلين الفصيل الأول بقيادة علي ناصر محمد الذي انهزم في احداث 86م وفر هارباً مع أنصاره وقواته وقياداته العسكرية والنخبة السياسية الموالية له الى الشطر الشمالي من اليمن وكانت معظمهما تنتمي لمحافظتي ابين وشبوة، بينما كان الفصيل الثاني بقيادة علي سالم البيض والعطاس والذي سيطر على المحافظات الجنوبية وكان معظم أنصاره من الضالع ولحج وحضرموت , حيث مثل قوة عسكرية ونخبة سياسية وقيادات عسكرية الى الشمال عامل مهم لاستمرار تسريع مفاوضات إعادة تحقيق الوحدة اليمنية لحل هذه المعضلة السياسية , حيث اسفرت اللقاء المتوالية بين علي صالح وعلي سالم البيض الى الوصول لاتفاق مبدئي في 30 نوفمبر عام 1989م بالتوقيع على دستور دولة الوحدة اليمنية وتحديد مدة عام لإعلان دولة الوحدة اليمنية ,ومع استمرار مؤمرات النظام السعودي وبعض الأنظمة الخليجية لعرقلة إقامة دولة الوحدة الموقع على دستورها اضطرت قيادة الشطرين الشمالي والجنوبي الى تسريع اعلان دولة الوحدة اليمنية في 22 مايو 19990م بعد زيارة لوزير الخارجية السعودي لجنوب الوطن طلب فيها تأجيل اعلان دولة الوحدة مقابل تقديم الدعم المالي لاقتصاد الجنوب , مثل ما حدث في عملية اغتيال الحمدي وتصفية سالمين عندما عقدا العزم على التسريع في عقد اتفاقية الوحدة اليمنية ,وقد كان بالفعل تحقيق حلم الشعب اليمني بإقامة دولة يمنية موحدة على ان تستكمل اللقاءات لتوحيد العملتين والجيش والمؤسسات الرسمية والقوانين ..
ومنذ إعادة تحقيق الوحدة اليمنية 1990م وحتى التاريخ مازالت المؤامرات والدسائس لدول الجوار مستمرة.. فما هو مستقبل بقاء واستمرار دولة الوحدة في ظل الحرب العدوانية ومؤامرات دول تحالف العدوان والقوى الدولية ؟
وما السيناريوهات المحتملة لبقاء دولة الوحدة اليمنية بعد وقف الحرب العدوانية على اليمن من دول التحالف ؟
للإجابة عن تسؤلنا الأول فمما لاشك فيه ان الدولة اليمنية الموحدة من عام 1990م وحتى التاريخ محفوفة بمخاطر التقسيم كنتيجة لآثار تداعيات الحرب , وللعلم ان القضية الجنوبية التي انطلقت بمظاهرات مطلبية عام 2007م من القيادات العسكرية المتقاعدة احتجاجاً على عدم تسوية أوضاعهم المالية في استراتيجية الأجور حيث وصلت الفوارق لنفس الرتبة العسكرية ما بين التسوية للعاملين في السلك العسكري والمتقاعدين الى اكثر من 100٪ ونتيجة لعدم تجاوب النظام السياسي آنذاك لحل مطالب أول تنظيم للحراك الجنوبي التقطت دول الجوار الإقليمي تظاهرات واحتجاجات أبناء الجنوب وبالذات دعم فصائل عدة للحراك الجنوبي وتقديم الدعم المالي والسياسي والمعنوي والإعلامي بحيث تطورت القضية من مطلبية الى سياسية ولم تستطع قوى الحراك الجنوبي توحيد فصائل الحراك الجنوبي حتى قيام دول تحالف العدوان بشن الحرب العدوانية وتجميع معظم هذه الفصائل تحت مسمى المجلس الانتقالي الجنوبي ككيان سياسي جامع لمطلب انفصال الجنوب وبدعم اماراتي مع تشكيل قوة عسكرية تتمثل في ألوية عدة تابعة للمجلس الانتقالي والسلفيين في الجنوب ,وذلك بعد قيام السعودية والامارات وامريكا وبريطانيا بهيكلة الجيش اليمني وتدمير أسلحة اليمن الدفاعية جواً وبراً وبحراً تحت مسمى هيكلة الجيش وفقاً للمبادرة الخليجية .
وللإجابة عن سيناريوهات مستقبل بقاء دولة الوحدة اليمنية نعرضها كما يلي :
السيناريو الأول :
لاشك ان بقاء دولة الوحدة اليمنية كدولة اتحادية فيدرالية مكونة من عدة أقاليم كتطبيق لمخرجات الحوار الوطني بدأ يضمحل في ظل التطورات السياسية الأخيرة بتفويض هادي للمجلس القيادي الرئاسي برئاسة العليمي ,وفي ظل الرفض المستمر من قيادات انصار الله وقيادة المؤتمر الشعبي العام في الداخل لدولة اتحادية من 6 أقاليم كما أرادت السعودية تمريرها من خلال الدنبوع وعصابته .
السيناريو الثاني :
إقامة دولة يمنية اتحادية فيدرالية من اقليمين بحدود شطرية ماقبل عام 1990م وتستمر الدولة الاتحادية لمدة خمس سنوات، يتبعها منح أبناء الجنوب حق تقرير المصير للجنوب من خيارين لاثالث لهما :
1- استمرار بقاء الدولة اليمنية الاتحادية من اقليمين
2- انفصال إقليم الجنوب عن الدولة الاتحادية
والذي يحصل على نسبة أعلى يكون الراجح وعلى ضمانة القوى الدولية والأمم المتحدة والاشكالية لتنفيذ هذا السيناريو هو تحديد آلية التصويت ومن يحق لهم الاستفتاء وماهي المرجعية لمن يحق لهم التصويت في عملية الاستفتاء .
السيناريو الأخير والمحتمل :
كما أشرنا تسعى دول الجوار الإقليمي وبالخصوص دول تحالف العدوان السعودية والامارات الى تقسيم اليمن الى عدة أقاليم من خلال فرض استراتيجية استمرار الحرب العدوانية لعدة عقود من الزمن ,بحيث لا تستطيع أي قوة عسكرية او سياسية في اليمن السيطرة على الأرض اليمنية شمالاً وجنوباً، وما يؤكد إمكانية تحقق هذا السيناريو قيام دول تحالف العدوان لاسيما الامارات بتشكيل قوى عسكرية للجماعات السياسية الموالية للعدوان مثل ما يُسمى قوات (الانتقالي) الأمنية وقوات الجيش الوطن (الإصلاح) وقوات العمالقة (السلفيين) وقوات داعمة لهادي (أبين) كما دعمت قوات متطرفة مثل القاعدة وداعش ,هذا بالإضافة الى القوة الرئيسية على الأرض اليمنية في المحافظات الشمالية (انصار الله) ,وفي اعتقاد كاتب هذه السطور ان المخطط السعودي الاماراتي في ملف اليمن هو إبقاء الحرب واستمرار الوضع كما هو عليه من اجل إضعاف كل القوى اليمنية العسكرية وزيادة حدة الصراعات السياسية ,من اجل تحقيق اهداف التحالف غير المعلنة من العدوان في السيطرة على سواحل اليمن وموانئه وجزره في البحر العربي والبحر الأحمر وإقامة قواعد عسكرية في مختلف جزره ومناطقه الساحلية ,ويسعى المخطط الى تجزئة المجز بحيث يتم تقسيم الجنوب سياسياً وادارياً الى اقليمين الإقليم الأول ويضم عدن ولحج وابين والضالع والاقليم الثاني يضم كلاً من حضرموت والمهرة وشبوة بينما يتم تقسيم الشمال مناطقياً ومذهبياً الى مناطق زيدية ومناطق شافعية وعلى ان تتولى القوى العسكرية المدعومة من الامارات استمرار الحرب مع انصار الله تحت مبرر القضاء على انقلاب انصار الله على ما تُسمى الشرعية , من اجل استمرار بقاء قواعد القوات الأجنبية في اليمن باتفاقيات أمنية ومعاهدات عسكرية مع النظام السياسي الذي سيتم تشكيله في أقاليم المحافظات الجنوبية مع احتمال فصل إقليم حضرموت وشبوة والمهرة كدولة مستقلة يتم ضمها الى مملكة الرمال (السعودية) بعد فترة من الزمن .
أخيراً نؤكد على ان بقاء اليمن كدولة موحدة كما كانت قبل الحرب العدوانية اصبح من أحلام اليقظة واحتمالاً غير وارد باعتبار ان دول تحالف العدوان لن تقبل بمثل هذا الحل عند مفاوضات انتهاء الحرب العدوانية بالرغم من هشاشة دول تحالف العدوان التي تعاني من انقسام مذهبي وطائفي ومناطقي وقبلي والخوف ان ما تسعى اليه الامارات والسعودية لتقسيم اليمن ان يصل الى دولهم في مرحلة لاحقة من مخطط خارطة الشرق الأوسط الجديدة الذي تسعى أمريكا لتحقيقه في المنطقة العربية برمتها, ولذلك ننصح اليمنيين ونخبه السياسية والعسكرية التنبه لما يحاك لليمن من مؤامرات إقليمية ودولية لتحقيق مصالحهم في المنطقة ,والاتفاق مسبقاً على تحديد الأقاليم للدولة الاتحادية المتفق عليها بين جميع القوى السياسية في مؤتمر الحوار الوطني دون تدخل خارجي لفرض عدد الأقاليم.. وفي اعتقاد كاتب المقال ان العدد ينبغي ان لا يتجاوز ثلاثة أقاليم لدولة اتحادية كحل للقضية الجنوبية واستمرار بقاء دولة الوحدة اليمنية..
|