أحمد غالب الرهوي * - إن أحداث 13 يناير 86م أضافت خصوماً جدداً (الذين خسروا المعركة وتجمعوا في صنعاء) صار واضحاً أن الوقت لا يعمل لصالح القيادة الجنوبية وأن الخيارات تضيق أمامها وأن عليها أن تجد مخرجاً لائقاً يجنبها انهيارا مفاجئاً للحكم ، ويساعدها على التخلص من حالة الحصار المضروبة حولها ، وهنا ارتسم خياران :
(1) الخيار الأول يقضي بالتخلي عن الإشتراكية ، والتحول إلى دولة مشابهة للدول المحيطة بها .
ولم تكن لهذا الخيار فرص نجاح مضمونة لأسباب عدة من بينها أن النظام الجنوبي كان مؤهلاً ومبنياً على العداء الثوري لدول الخليج وللرأس مالية ، ولا يمكن لكوادره وإطاراته التكيف مع علاقات السوق دون المغامرة بانهيار النظام نفسه واندلاع حرب داخلية جديدة .
ولعل تغيير طبيعة النظام يستدعي إعادة دمج أعدائه السابقين والذين حاربهم بوصفهم ليبراليين ورجعيين ، وحرموا من العودة إلى البلاد طيلة عشرين عاماً ، وهم يتمتعون بمراكز اجتماعية وعائلية متضررة من النظام وغير قابلة مبدئياً للتصالح معه وتنتظر لحظة الثأر منه ، ناهيك عن أن خياراً من هذا النوع كان سيرمي النظام الإشتراكي في أحضان دول الخليج ، وبالتالي المغامرة بفتح النار عليه من طرف أنصار الرئيس الأسبق علي ناصر محمد .
هذا إذا سلمنا بأن دول الخليج كانت مستعدة لإنقاذه بصيغته الاشتراكية ، وإذا سلَّمنا بأن القيادة الإشتراكية كانت قابلة للتماسك في ظل خيار من هذا النوع ، وإذا سلَّمنا أيضاً بأن دول الخليج مستعدة لاستقبال النظام بدون مطالبته بإعادة دمج أعدائه التاريخيين الذين كانوا يعيشون في أراضيها .
قصارى القول أن هذا الخيار كان ينطوي على مجازفة كبيرة ، وغير قابل للتطبيق فوراً ويحتاج تطبيقه إلى وقت يتكيف خلاله النظام مع المعطيات القاهرة .
وهذا الوقت لم يكن مناسباً بسبب ضغوط الداخل والخارج .
(2) الخيار الثاني يتصل بإعلان الوحدة الاندماجية مع شمال الوطن ، والراجح أن هذا الخيار كان الأكثر انسجاماً مع الوقائع القاهرة ، فصنعاء كانت المنفذ والدولة الوحيدة التي تتنفس عدن من خلالها، ولا تربطها بعدن سفارات وعلاقات دبلوماسية وتحتفظ بوزيرين للوحدة لكليهما ، وتربطها بقيادة شمال الوطن اتفاقات وحدوية ... باختصار كانت صنعاء ، والوحدة اليمنية خشبة الخلاص المشرّفة للنظام المهدد ، وبالتالي كان قرار الوحدة غالباً ولا تعترضه إلا صعوبتان ثانويتان ، الأولى تتصل بتمركز الرئيس علي ناصر محمد خصمهم في صنعاء ، وتتصل الثانية بعدم قبول التيار (الإسلاموي) في (شمال الوطن) الوحدة مع ماركسيي جنوب الوطن .
وقد تم تذليل الصعوبتين بسرعة كبيرة عبر إقناع الرئيس الأسبق علي ناصر محمد وبعض مساعديه بالخروج والعيش في سوريا ، وإقناع التيار الإسلاموي بسحب اعتراضه على الوحدة لقاء إفادته بالنظام الديمقراطي الذي ترافق معها .
وعلى الرغم من تجمع كل الظروف المشار إليها ، فإن اتخاذ قرار الوحدة كان ملحاً وإجبارياً ، ذلك أن القرار الوحدوي يتضمن إعادة رسم الخريطة السياسية اليمنية ، ومعها الخريطة السياسية في شبه الجزيرة العربية .
فالدولة الموحدة تستند إلى كتلة ديموغرافية (من 25 - 35 مليون نسمة) متجانسة هي الأهم في شبه الجزيرة العربية ، وتتمتع بموارد أولية ، على تواضعها ، كفيلة بتوفير كل مقومات الدولة القوية في منطقة استراتيجية من الدرجة الأولى ، وتمثل قطباً مهماً في المستقبل بخلق توازن الردع مع الجيران على الضفتين ، وتحتل موقعاً استراتيجياً على البحر الأحمر ، وتتحكم بالملاحة البحرية في باب المندب ، ومقابل القاعدة البحرية الفرنسية في جبوتي ، وتحتل موقعاً مهماً في بحر العرب والمحيط الهندي إضافة إلى عناصر ثانوية أخرى لاسيما منها بقوة مهاجرين إلى دول الخليج (ستة ملايين تقريباً)، وإمكانات زراعية كبيرة وفريدة مقارنة بمثيلاتها في شبه الجزيرة ، ونظام ديمقراطي يحمل العدوى إلى محيطه ... إلخ .
باختصار كانت الدولة اليمنية الناشئة مصدراً للقلق في محيطها ، ومصدراً لحذر قوى إقليمية ودولية تتركز مصالحها بكثافة في هذه المنطقة من العالم ، ومصدراً لإعادة النظر لمجمل الجغرافيا السياسية فيها ، وتجلى ذلك واضحاً في العدوان البربري الظالم الذي أعلن من واشنطن وشن في 26 مارس 2015م من قبل الأمريكي الصهيوني السعودي الإماراتي وحشد العالم دولاً ومنظمات إلا من رحم ربي من شرفاء العالم .
* عضو المجلس السياسي الأعلى - عضو اللجنة العامة للمؤتمر |