المهندس/عبدالرحمن محمد العلفي ❊ - ثلاثة عقود وعامان من الزمان على إعلان إعادة تحقيق الوحدة اليمنية وقيام الجمهورية اليمنية في الـ22من مايو 1990م وبحسابات الزمن فإن ذلك يمثل نصف العمر الافتراضي للمواطن اليمني، أما بحسابات ظروف المنفعة والضرر فإنها كانت مريحة وسعيدة لان فيها من الأمن والأمان ما جعلها تحصد مكاسب ومنجزات شتى تتحدث عن نفسها وما كدنا نفكر في رسم خطوات المستقبل حتى بادرتنا غفلة من الزمن هبت فيها عواصف عاتية كادت تقتلعنا من جذورنا مخلفة عشرات الآلاف من الضحايا والانكسارات والهزائم المروعة النفسية والمعنوية إلى درجة أننا فقدنا القدرة على الفرح بمنجزاتنا الوطنية العملاقة التي كانت في حقيقتها أعظم ما صنعه الشعب المكافح المجاهد، لقد برزت أمامنا متغيرات كارثية في الصدارة منها:
* تفتت منظومة الدفاع والأمن , اختفاء مظاهر الأمن والسلام الاجتماعيين , تراجع مخيف في منظومة التعليم بمستوياته الثلاثة ندرة الخدمات الحياتية الضرورية كالصحة والماء النظيف والغذاء المناسب وأكثر من هذا وذاك أننا فقدنا الثقة في عظمة ما أنجزه الأوائل من رواد العمل الوطني الذين أسهموا في تحرير الإنسان من عبودية الطاغوت وجبروت المستعمر حتى أننا لم نعد نفرح ونمرح ونبتهج بأعظم إنجاز سجله التاريخ بأحرف من نور أعني بذلك ما تحقق في الـ22من مايو العظيم من تاريخ اليمن , كانت تلك ملامح النصف الأول من العمر الافتراضي لمن كتب لهم الله البقاء على قيد الحياة.. ليتنا ونحن نستحضر المشهد السياسي والوطني الراهن المكفهر والمظلم أن نستحضر بعضاً مما أنجزه الشعب والثورة والجمهورية والوحدة ليعيش النصف الآخر من عمره بعزم ونشاط وحيوية ليصنع ملحمة وطنية عظيمة على أساس أن النصف الأول من حياته كان مفرحاً ومصدر سعادة السواد الأعظم من الناس ومع ذلك فإن الحياة لا تخلو من المشقة والمعاناة لبعض الناس وبالذات أصحاب المشاريع السياسية المناوئين لمشروع الوطن اليمني الكبير.
* كيف لنا أن نتجاوز الشعور بأن وجودنا على أرض الواقع في هذه المرحلة محفوف بالمخاطر المهددة للوحدة الوطنية ولم تقف بآثارها عند ذلك التهديد بل لقد جلبت شظف العيش وغياب الإستقرار للسواد الأعظم من سكان اليمن في مختلف محافظات الجمهورية وللأسف الشديد فان رائحة البارو وضجيج أصوات آلات الحرب تطغى وتنتشر في أكثر المدن الاقتصادية والسياسية أكثر من شذى الياسمين وأريج المسك وعطر العود والبخور والزغاريد وبذلك نجد أنفسنا في مواجهة قاسية أمام عدد من الأسئلة المشروعة وقد تكون غير بريئة أحياناً ليس من باب الإمعان في جلد الذات وإنما من باب المحاولة لتبيان مظاهر الصورة المكفهرة المأساوية التي نعيشها ومن تلك الأسئلة مثلاً :
- لماذا نستقبل العيد الوطني بحسرة وخوف من إظهار فرحتنا على الرغم من مشروعية الفرح بل إنه واجب وطني ومنهج ديني أصيل؟ ومثله سؤال آخر :
- لماذا نتوارى خلف أسوار ظلام القائمين على إدارة الشأن العام وظلمهم ونخفي فرحتنا بتذكر العيد الوطني في الثاني والعشرين من مايو بوصفه أعظم منجز في تاريخنا السياسي والوطني العام؟
- ثم لماذا لا تنشرح صدورنا ونحن نعانق المنجزات التي صنعها رواد العمل الوطني والتنموي لعقود من الزمن تسابقوا بشرف وشجاعة وإقدام ورووها بفيض من دمائهم وعرقهم ومقدراتهم الذاتية والوطنية؟
- ثم لماذا توقفت حناجرنا عن التكبير والتهليل بالإنتصارات التي جعلت الشعب والوطن يفرحان بالقضاء على الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما وانطلاق عهد جديد من الحرية والديمقراطية والتنمية وكل المنجزات المادية مجسدة بالبنية التحتية لمشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية التي كانت جميعها منجزات حقيقية يتمتع بخيراتها الشعب والوطن؟
- ثم لماذا ننكفئ على البوح بما تجسد في المسيرة الديمقراطية حين أطلق العنان لتأسيس التنظيمات السياسية والمهنية والجماهيرية والأندية الرياضية وأضحت واقعاً معيشاً بعد أن كانت من الممنوعات لا، بل من المحرمات؟
- ثم لماذا تراجعت جهودنا في تحقيق التنمية الشاملة وصولاً إلى الاكتفاء الذاتي من الغذاء والكساء والدواء بعد أن كنا نسابق الزمن ونتقدم بخطوات ثابتة مستثمرين خيرات الوطن وموارده وطاقاته وكل ما سخره الله فيه من خيرات؟
لماذا ننكسر، ونتراجع، ونتشظى، وتتوسع فينا الأورام السرطانية، بصورها العفنة عنصرياً وجهوياً وطائفياً بعد أن كنا متعافين أصحاء ثابتي الخُطى؟
- تم لماذا تخلفنا عن مسيرة بناء مؤسسات للدولة المدنية الديمقراطية الحديثة بعد أن كنا قد شيدنا أركانها ومداميكها وأسسها الدستورية والقانونية؟ هذه الأسئلة وغيرها كثير تكشف لنا عن حقيقة خلاصتها أننا كنا في وضع أفضل وأجل وأعظم مما آلت اليه أوضاعنا وأحوالنا ومصائرنا ولا يزال الحبل على الجرار، فها نحن أولاء نهرول إلى الخلف ونتراجع ونتشظى ونفقد ألقنا ونضارتنا وقوة بأسنا..
- إن من الظواهر الرائدة التي كانت أن منظومة الإعلام والصحافة في بلادنا كانت واحة للإبداع والتألق الفكري والثقافي وحرية الرأي ومما يؤسف له أن الغالب الأعم تحولوا إلى سم زعاف ومصدر للتوتر والقلق والإحباط بانحرافهم عن جادة الصواب فبدلاً من أن يعززوا الوحدة الوطنية ويعلوا من شأن القيم السياسية الداعمة والمساندة للحق والعدل والإنصاف وبدلاً من ذلك كله كثر المداحون المهرجون نافخو الكير وبذلك أصبح الأعلام أحد مصادر التشظي وتمزيق النسيج الوطني إلا من رحم ربي..
- كيف كنا قد شيدنا قلاع مؤسستي الدفاع والأمن وحصونهما وأصبحت القوات المسلحة عبارة عن سلسلة الجبال الشاهقة، وبين ليلة وضحاها وتحت إيقاع ضربات الهيكلة تداعت تلك الجبال وتم تحويلها إلى كم هائل من الأفراد المشتتين المتشظيين من المغلوب على أمرهم وظهرت أصوات المليشيات والمجاميع العسكرية وصيادها خارج منظومة الأمن والدفاع.
للإجابة عن تلك الأسئلة رغم أننا في هذه البلدة الطيبة ممن وصفهم خاتم الأنبياء والمرسلين (الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية والفقه يمان ) هذه التساؤلات وغيرها تكشف لنا حقيقة لا مراء في صحتها وهي أننا جانبنا الصواب في أمور كثيرة في الصدارة منها أننا لم نعطى القوس باريها وبذلك تجرعنا سموم الفساد المالي والإداري والسياسي حتى طغى في البلاد فأكثر فيها الفساد , كيف لنا أن نكبح جماح سرعة عجلات الهرولة نحو الهاوية ونشير صوب الثبات على الحق في القول والعمل ونضع اليد الضاغطة بقوةعلى الانحرافات والمنحرفين بدون أي خوف أو وجل من المرجفين في الأرض ممن افسدوا مؤسسات الدولة ونهبوا مواردها وبددوا ثرواتها وحرموا الخزينة العامة من استحقاقات الموظفين والمتقاعدين وأفرغوا البنوك والصناديق من أموال الشعب التي ترتب عليها تراجع كبير في مسيرة التنمية وخسر عشرات الآلاف وظائفهم وأعمالهم ومصادر معاشاتهم ليس ذلك حسب بل فقدوا حرياتهم , كل هذه المواجع والآلام مصدرها تغييب النظام والقانون وتوقف من بيدهم الحفاظ على الحق العام والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
بهذه الانعكاسات المؤلمة والصور الأكثر قتامة نستقبلك أيها الثاني والعشرون من مايو المجيد وليس من حيلة نعتذر بها إليك حتى نبرّئ أنفسنا مما لا خلاق لنا فيه.
هل أدركت أيها الصديق العزيز أنك بت ضيفاً سنوياً لا نجد ما نقدمه لك، وحتى خيل حاتم الطائي قد عقرها تجار الحروب برغم أنها كانت ستشكل ملاذاً شبه أخير تقدمه على مائدة الاحتفاء بك , إنها خواطر سكبت على جروحنا دماءً فازدحمت الدماء وتفجرت أنهارها لدرجة أننا بتنا نخشى على فراقك دون أن نجد لدرء تلك الخشية سبيلاً صادقاً أين كان..
صديقنا العزيز إن حسابنا معك صعب وإن حسابك معنا أصعب فهل من مغفرة يجود بها الله على قوم ضعفوا وكانوا أقوياء وسكتوا وكانوا فصحاً وهُزموا وهم عشاق المواجهة وأغلقوا الأبواب التي كانت مفتحةً لكل فكر جميل وثقافة سيادية ترفض الضيم وتدوسه بسنابك خيل شجاعتها كل يوم , أهلاً بك يا يوم إعادة الالتحام ونأمل أن نستقبلك في العام القادم وقد طوينا الصفحات التي أزعجتك واستبدلنا بها صفحات وردية تبتسم لكل خير في اليمن السعيد.
❊ المدير التنفيذي لمركز »منارات«
|