عبدالكريم عامر - من داخل منزلها، وعلى مدى ثماني سنوات، تمتهن السيدة "تهاني"، صناعة أحزمة الجنابي "العسيب" التي تحاك بطريقة يدوية بالغة الإتقان.. تعد هذه المهنة مصدر دخلها الوحيد؛ تعيل منها طفلين لها من زواج سابق، ومجالاً وجدت نفسها فيه حين قررت الاعتماد على ذاتها.
تقول تهاني إنها تعلمت هذه المهنة غداة التحاقها بأحد مراكز تعليم النساء غير الحاصلات على مؤهلات علمية في فنون الخياطة والتطريز بصنعاء، كما هو حالها، "من أول ما بدأت أتدرب على الخياطة والتطريز، استهوتني صناعة أحزمة الجنابي، فأبدعت في تطريزها وحياكتها، بفضل الله ثم جهودي حققت التميز"، تردف: فإن الأحزمة التي تقوم بحياكتها تلقى استحسانًا لدى الزبائن الذين يُقبلون على شرائها بكثرة في مواسم الأعياد.
"الاعتماد على النفس فضيلة"
تذكر تهاني أنها بدأت مشروعها الصغير، بهدف توفير لقمة العيش لها وللطفليها من زواجها السابق (أمجد 9 سنوات، لؤي 7 سنوات)، في ظل غياب العائل ووفاة والدها منذ 10 سنوات، إلى جانب خروجها المبكر من التعليم؛ نظرًا للعادات والتقاليد السائدة في بعض المناطق، الأمر الذي دفعها إلى التماس سبيلٍ للرزق من خلال حياكة الأحزمة، "مضطرة أن أعمل وأوفر مصاريف الأسرة، كوني يتيمة الأب ومطلقة، وليس لدينا من ينفق علينا"، تقول تهاني.
تبقى مسألة الاعتماد على الذات شيئًا من الفضيلة، خصوصًا بالنسبة لامرأة تعمل في مجتمع تقليدي، وتكسب عيشها من مهنة يُنظرُ إليها على أنها حكرٌ على الرجال، رغم ذلك تحقق دخلاً لا بأس به، وصنعت لها اسمًا مميزًا في عالم صناعة أحزمة الجنابي، التي أتقنت صناعتها وتطريزها.
تُبدي تهاني قناعة كاملة إزاء العائد المادي الذي تحققه من عملها، بينما أولويتها تتمثل في رعاية طفليها وأسرتها، "راضية بالفلوس التي أحصل عليها من عملي، وأهم حاجة عندي أني استطعت توفير احتياجات أبنائي وأسرتي. الحمد لله تجاوزت كل الظروف الصعبة".
رغم ما حازته أحزمتها من شهرةٍ بجودتها، وتضاعف عدد الزبائن الذين يفِدون لشرائها، ما تزال تهاني تعمل من داخل منزلها، تفاديًا للرسوم والجبايات والإتاوات التي تُفرضُ من قبل السلطات حتى على صغار الباعة تحت مسمياتٍ عدة، "لو افتتحت معملاً لصناعة الأحزمة وتطريزها، سوف يبدأ موظفو الضرائب والزكاة والبلدية يضايقونني، جميعهم يريد مالاً؛ ينهبونني وأنا أبحث أن أعيش"، تعلل.
فرصة سنوية
عادةً تعمل تهاني بمفردها، باستثناء الأيام التي تسبق مواسم الأعياد، حيث تقول إنها تواجه ضغطًا كبيرًا في العمل، لذا تستعين بعدد من العاملات في مشغلها المنزلي، بغرض تلبية الطلبات المتزايدة خلال الموسم.
نحو خمس عاملات ماهرات في الخياطة والتطريز، يقمن بتجهيز كافة الطلبات، لقاء أجور يومية؛ "إيمان" إحدى هؤلاء العاملات، وهي سيدة أربعينية تجيد فن التشكيل والتطريز على الأحزمة، تقول "نعمل مع تهاني بأجور يومية في أيام المواسم، لأن طلبات الأحزمة تكون كثيرة، يتزايد الإقبال على شرائها".
السعر ونوع الخامة
تعد "الجنبية" موروثًا شعبيًّا ذا رمزية خاصة عند معظم اليمنيين، وتحظى باهتمامٍ بالغ، بما في ذلك حزامها الذي يطلق عليه في بعض المناطق اليمنية "العسيب"، الذي يحاك في الغالب يدويًّا بخيوط ذهبية وبمهارة عالية لا تخلو من لمسة جمالية، لكنها تتفاوت من حيث خامة ونوع الخيط المعروف بـ"السِّيم" التي تتحدد بمقتضاها قيمة الحزام.
عن ذلك، توضح الحائكة تهاني لـ"خيوط"، أنّ هناك أحزمة ذات جودة فاخرة، لأنّ الخيط المستخدم في تطريزها هو "السيم الفرنسي"، وأحزمة ذات جودة أقل يستخدم فيها السيم الهندي وهو أقل سعرًا، حيث تبلغ قيمة الحزام المصنوع من السيم الفرنسي نحو 300 ألف ريال (500 دولار)، بينما تتراوح أسعار الأحزمة المصنوعة من السيم الهندي بين 30 إلى 60 ألف ريال (50 - 100 دولار) للحزام الواحد، وهي الأحزمة الأكثر استخدامًا مقارنةً بالنوع الأول (ذات السيم الفرنسي) التي يقتصرُ اقتناؤها على "الأثرياء والوجاهات الكبيرة"، حد تعبيرها.
كثيرٌ من النساء اليمنيات مثل تهاني، أجبرتهن الظروف المعيشية الصعبة ومخرجات الحرب إلى جانب التفكك الأسري أحيانًا على البحث عن مصادر دخل يؤمّن لهن احتياجاتهن الأساسية.
|