حسن نافعة - تعكس الوثائق الثلاث التي صدرت بعد زيارة بايدن للشرق الأوس، مستوى الأهمية التي توليها الولايات المتحدة لعلاقتها بالأطراف الثلاثة الذين شملتهم الجولة، وهم: الطرف الإسرائيلي، والطرف الفلسطيني، والطرف العربي.
3 وثائق صدرت عقب زيارة بايدن للمنطقة مرتبطة بكل من "إسرائيل" والفلسطينيين والعرب
أسفرت الجولة التي أجراها جو بايدن، رئيس الولايات المتحدة الأميركية، في منطقة الشرق الأوسط، ما بين 13 و16 يوليو الحالى، وشملت "إسرائيل" والضفة الغربية والسعودية، عن ثلاث وثائق رسمية:
الأولى حملت عنوان "الإعلان المشترك بشأن الشراكة الإستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل"، وصدرت في أعقاب لقاء جرى في مدينة القدس في 14 يوليو بين الرئيس الأميركي ورئيس الحكومة الإسرائيلية يائير لابيد.
وحملت الوثيقة الثانية عنوان "بيان أميركي حول العلاقة الأميركية الفلسطينية"، وصدرت عقب لقاء الرئيس الأميركي الرئيس الفلسطيني محمود عباس في بيت لحم في 15 يوليو.
أما الوثيقة الثالثة فحملت عنوان "البيان الختامي"، وصدرت في أعقاب "القمة العربية الأميركية" التي عقدت في مدينة جدة في 16 يوليو وحضرها، إلى جانب الرئيس الأميركي، قادة دول مجلس التعاون الخليجي، والأردن، ومصر، والعراق.
وتعكس هذه الوثائق الثلاث بدقة، سواء من حيث الشكل أو المضمون، مستوى الأهمية التي توليها الولايات المتحدة لعلاقتها بالأطراف الثلاثة الذين شملتهم الجولة، وهم: الطرف الإسرائيلي، والطرف الفلسطيني، والطرف العربي.
فمن حيث الشكل، حملت هذه الوثائق الثلاث عناوين يعكس تباينها في حد ذاته مستوى الأهمية التي توليها الولايات المتحدة لكل من هذه الأطراف الثلاثة.
فعنوان الوثيقة الأولى يؤكد أن العلاقة بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" تستند إلى "شراكة إستراتجية" عميقة بين طرفين متكافئين، تستحق أن يصدر بشأنها "إعلان مشترك" وموقّع رسمياً من جانب رئيسيّ السلطة التنفيذية في كلا البلدين، ما يكاد يرقى بالإعلان نفسه إلى مستوى الاتفاقيات القانونية الملزمة.
أما عنوان الوثيقة الثانية فيشير إلى أن العلاقة بين الولايات المتحدة وفلسطين لا ترقى إلى مستوى الندية بين طرفين متكافئين، ولا تستحق تالياً أن يصدر بشأنها إعلان أو بيان مشترك، وإنما يكفي أن تتولى الولايات المتحدة إصدار بيان من طرف واحد تحدّد فيه رؤيتها للمستوى الذي يجب أن تكون عليه هذه العلاقة.
ويوحي عنوان الوثيقة الثالثة بأن علاقة الولايات المتحدة بالدول العربية تجري بين طرف يعرف ما يريد من الآخرين وأطراف شتى يصعب أن يتفقوا على شيء، ومن ثم فليس المطلوب أكثر من بيان ختامي يحدّد القضايا التي جرت مناقشتها في القمة، من دون أن يترتب على هذا التحديد أي التزامات متبادلة بالضرورة.
أما من حيث المضمون، فيلاحظ أن الوثائق الثلاث صيغت بطريقة تعكس حجم التباين في الالتزامات الواقعة على عاتق طرفي العلاقة في كل حالة. فقد كتب "الإعلان المشترك بشأن الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل"، بعبارات تعكس الحرص على الدقة المتناهية في تحديد حجم الالتزامات الواقعة على عاتق الولايات المتحدة تجاه "إسرائيل" بموجب عقد الشراكة المبرم بينهما، وينص صراحة أن عليها "التزاماً راسخاً بأمن إسرائيل من خلال المحافظة على تفوقها العسكري النوعي وضمان قدرتها على ردع أعدائها والدفاع عن نفسها من أي تهديد أو مجموعة من التهديدات".
ويوضح الإعلان أن هذه الالتزامات "ليست مجرد التزامات أخلاقية، بل التزامات استراتيجية ذات أهمية حيوية للأمن القومي للولايات المتحدة نفسها"، تفرض عليها، أي على الولايات المتحدة، "عدم السماح لإيران مطلقاً بامتلاك سلاح نووي" وأن تكون مستعدة دائماً "لاستخدام جميع عناصر قوتها الوطنية لضمان التوصل إلى هذه النتيجة"، وأن تعمل مع الشركاء الآخرين ليس "لمواجهة العدوان الإيراني وحسب، وإنما لمواجهة النشاطات المزعزعة للاستقرار، سواء أكانت مدفوعة مباشرة أو من خلال وكلاء ومنظمات إرهابية مثل حزب الله اللبناني وحركتي المقاومة الإسلامية (حماس) والجهاد الإسلامي في فلسطين".
ولا تكتفي هذه الوثيقة بكلام فضفاض عن حجم المعونات المادية التي يجب أن تقدّمها الولايات المتحدة إلى "إسرائيل"، وإنما تشير إلى التزامات بالأرقام، كتلك الواردة في "مذكرة التفاهم التي وقّعت عام 2016" والتي تتضمّن التزاماً بتقديم معونة إجمالية قدرها 38 مليار دولار، والتزاماً آخر بتمكين "إسرائيل" من الحصول على "مساعدة دفاعية صاروخية إضافية، تتجاوز مستويات مذكرة التفاهم في الظروف الاستثنائية"، وعلى "مليار دولار إضافي لتمويل الدفاع الصاروخي التكميلي في أعقاب صراع عام 2021".
وتشير الوثيقة إلى الدور الذي أدته الولايات المتحدة في التوصل إلى "اتفاقيات السلام والتطبيع التي أبرمتها (إسرائيل) مع الإمارات والبحرين والمغرب" وإلى عقد "(قمة النقب) التاريخية التي شكلت حدثاً بارزاً في الجهود الأميركية الإسرائيلية المشتركة لبناء إطار إقليمي جديد يغيّر وجه الشرق الأوسط"، وشدّدت على "التزام الولايات المتحدة مواصلة أداء دورٍ نشط لبناء هيكل إقليمي قوي لتعميق العلاقات بين (إسرائيل) وجميع شركائها الإقليميين، ودفع التكامل الإقليمي الذي يستهدف دمج (إسرائيل) في المنطقة بمرور الوقت، وتوسيع دائرة السلام لتشمل مزيداً من الدول العربية والإسلامية"، ومواصلة العمل معاً "لمحاربة الجهود الرامية إلى مقاطعة (إسرائيل) أو نزع الشرعية عنها، أو إنكار حقّها في الدفاع عن النفس، أو استبعادها على نحو غير عادل في أي منتدى، بما في ذلك الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية".
في المقابل، جاء "البيان الأميركي حول العلاقة بالفلسطينيين" فضفاضاً إلى درجة لافتة، وخالياً من أي التزام قانوني محدّد. فقد ورد فيه أن الرئيس بايدن أكد في لقائه الرئيس محمود عباس "العلاقات الدائمة بين الشعبين الفلسطيني والأميركي"، وشدّد على "التزامه حل الدولتين على خطوط 1967م، مع تبادل متفق عليه للأراضي بين الإسرائيليين والفلسطينيين، إلى آخر هذا الكلام الإنشائي المعاد. وبعد تأكيد أن إدارته قدّمت إلى الشعب الفلسطيني منذ توليها السلطة ما يزيد على نصف مليار دولار، وعدت بتقديم مساهمات أخرى.. وإن دل هذا البيان على شيء فعلى أن إدارة بايدن لا تستطيع، أو لا ترغب في أن تقدّم إلى الشعب الفلسطيني في المرحلة الراهنة سوى بعض الفتات، على شكل دعم إنساني واقتصادي، أما في السياسة فليس ما تستطيع أو ما ترغب في تقديمه.
فإذا انتقلنا أخيراً إلى "البيان الختامي" الصادر عن القمة العربية الخليجية، وهو بيان مطوّل يحتوي على 21 فقرة، فسوف نجد أنه مملوء بكلام فضفاض عن "شراكة تاريخية وتعاون مشترك بين الولايات المتحدة والدول العربية"، و"التزام الولايات المتحدة تحقيق السلام الدائم والعادل في المنطقة".. وقد حرصت الدول العربية على أن يتضمن هذا البيان إشادة ببعض ما تقوم به من نشاطات، كمشروع "السعودية الخضراء" و"الشرق الأوسط الأخضر" و(مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي السابع والعشرين) الذي تستضيفه مصر، ومؤتمر (الأمم المتحدة للتغير المناخي الثامن والعشرين) الذي تستضيفه الإمارات، و(المعرض الدولي للبستنة 2023) الذي تستضيفه قطر.
وإضافة إلى ذلك أكدت القمة الخليجية "أهمية تحقيق أمن الطاقة، واستقرار أسواقها، وتعزيز الاستثمار في التقنيات والمشروعات التي تهدف إلى خفض الانبعاثات وإزالة الكربون، والتنويه بجهود (أوبك +) "الهادفة إلى استقرار أسواق النفط بما يخدم مصالح المستهلكين والمنتجين ويدعم النمو الاقتصادي"، وبقرار (أوبك +) "زيادة الإنتاج لشهري يوليو وأغسطس"، "والإشادة بدور المملكة العربية السعودية القيادي في تحقيق التوافق بين أعضاء (أوبك +)، وتجديد الدعم لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ولهدف منع انتشار الأسلحة النووية في المنطقة، ودعوة الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى التعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومع دول المنطقة، لإبقاء منطقة الخليج العربي خالية من أسلحة الدمار الشامل، وللحفاظ على الأمن والاستقرار إقليمياً ودولياً".
وتضمن البيان "إدانة للإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره"، و"دعماً كاملاً لسيادة العراق وأمنه واستقراره، وترحيباً بدوره الإيجابي في تسهيل التواصل وبناء الثقة بين دول المنطقة"، وبالهدنة في اليمن، وتأكيداً لـ"ضرورة تكثيف الجهود للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية، بما يحفظ وحدة سوريا وسيادتها، ويلبي تطلعات شعبها"، فضلاً عن تجديد الدعم "للجهود الساعية لحل الأزمة الليبية وفق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، والجهود الرامية إلى توحيد المؤسسات العسكرية بإشراف الأمم المتحدة". و"لجهود تحقيق الاستقرار في السودان، واستكمال وإنجاح المرحلة الانتقالية".
ولم ينسَ البيان التعبير عن دعم القادة للأمن المائي المصري، ولـ "حل دبلوماسي لأزمة سد النهضة يحقّق مصالح جميع الأطراف"، ومطالبتهم "بضرورة التوصل إلى اتفاق بشأن ملء وتشغيل السد في أجل زمني معقول".
وفيما يخص الحرب في أوكرانيا، جدد البيان "تأكيد القادة على ضرورة احترام مبادئ القانون الدولي، وحض المجتمع الدولي على مضاعفة الجهود الرامية للتوصل إلى حل سلمي، وإنهاء المعاناة الإنسانية، وتسهيل تصدير الحبوب والمواد الغذائية، ودعم الأمن الغذائي للدول المتضررة".
أما أفغانستان فأكد البيان "أهمية استمرار وتكثيف الجهود في سبيل دعم وصول المساعدات الإنسانية، والتعامل مع خطر الإرهابيين فيها"، كذلك أثنى القادة على استعدادات دولة قطر لاستضافة كأس العالم 2022، وجدّدوا دعمهم لكل ما من شأنه إنجاح هذا الحدث.
ويتضح من فحص الوثائق الثلاث أن جولة بايدن الأخيرة في المنطقة أكدت ثلاث حقائق أساسية:
1- أن "إسرائيل" هي الركيزة الأساسية للإستراتيجية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط.
2- أن القضية الفلسطينية هي قضية إنسانية يمكن حلها من خلال تقديم بعض المساعدات الاقتصادية، وليست قضية شعب اغتصب وطنه ويناضل للحصول على حقه في تقرير المصير.
3- أن الإدارة الأميركية الحالية باتت مستعدة، تحت ضغط التحولات الجارية حالياً في النظام الدولي، لمراجعة علاقتها ببعض الأنظمة العربية المتهمة بانتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان. وكل ما صدر في هذه الجولة عدا ذلك ليس سوى كلام للاستهلاك المحلي أو لرفع العتب.
|