د.علـي عبدالله أبـو حـليقة ❊ - ونحن نعيش الذكرى السنوية الأربعين لتأسيس المؤتمر الشعبي العام والذي اسس في ظل معطيات ومتغيرات وطنية واقليمية ودولية وفي ضوء الحراك السياسي الذي مرت به الثورة اليمنية »سبتمبر وأكتوبر« في مختلف مراحلها لم يصل بالثورة الى اسلوب أفضل تتوافر فيه الظروف الموضوعية للعملية الديمقراطية والسياسية كترجمة عملية موضوعية للهدف الرابع من أهداف الثورة الذي نص على (انشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل مستمداً نظمه من روح الاسلام الحنيف)، ومع ذلك فإن الطموح الديمقراطي المشروع الذي كان في مخيلة طلائع الشعب ومثقفيه ومناضليه ، ظل يراود احلام مختلف فئات الشعب التواقة إلى نهج ديمقراطي ونظام شوروي يحقق الهوية التاريخية المتأصلة في نفوس اليمنيين كل اليمنيين، فظهرت البعض من المحاولات الوطنية، تمثلت بالعديد من المؤتمرات الوطنية النوعية ، التي كانت تنبع من طبيعة المرحلة وتتماشى مع واقع الاحداث، والتي كانت تهدف في الأساس الى تأكيد فا علية العمل الثوري وتأصيل العمل الوحدوي للانطلاق من مواقف موحدة تتجاوز الصراعات والتناقضات ، وفي ذلك السياق جائت العديد من المؤتمرات ،بل والتكوينات السياسية كمؤتمر خمر مايو 1965م، وما سُمي بمؤتمر الاتحاد الشعبي الثوري 1967م ومؤتمر سبأ في ذات العام ، فانعقاد مؤتمر العلماء 1968م ، وثم مؤتمر المقاومة الشعبية 1968م ، فمؤتمر القوات المسلحة والأمن في 1969م ،ثم ماسمي با المؤتمر الشعبي المنعقد في صنعاء 1969م ، وغيرها من المحاولات ، والتي كلها ربما فشلت أو على الاقل لم تحقق أي وفاق وطني يُذكر، وربما يرجع ذلك لعدم وجود أي ايديولوجية سياسية أو اهداف نظرية يلتقي الجميع حولها بالاضافة الى عامل او عوامل اخرى كعدم تماسك الجبهة الداخلية وتعدد مراكز القوى في الداخل والتأمرات الخارجية، التي مابرحت تعمل بكل ماتملك من امكانات وأساليب ووسائل لتشتيت اليمنيين وتدمير توجهاتهم السياسية ضد اليمن بل والمشروع الوطني برمته الجامع لكل اليمنيين للاسف وحتى اليوم لكن بانتصار الثورة وتماسك القوى الوطنية الشريفة في الداخل ، مضت الثورة اليمنية في مسيرة البناء وتأسيس قواعد الدولة المركزية الحديثة ،ونجحت في إنجاز عدد من الخطوات الديمقراطية كان أبرزها أيجاد دستور دائم للبلاد الذي مثل نواة لممارسة الديمقراطية فولد المؤتمر الشعبي العام ليسد الفجوة العميقة التي تمثلت في غياب العمل الجماهيري المنظم لصياغة القرار الوطني وما يترتب عليه من مواجهة جر العمل الوطني الى مزالق الارتجال والعشوائية ، خصوصاً وأن معظم القيادات والكوادر المثقفة كانت تعمل في السرية وبعيداً عن الشفافية والوضوح ، حيث كانت الحزبية محرمة في أوساط الجماهير ، مدركاً بذات الوقت أن غياب الدور الشعبي ووضع المعالجات الوطنية لا يمكن أن يأتي بدون الوضوح المنهجي ، الذي يجنب العمل الوطني مغبة الوقوع في منزلقات فكرية ، مما قد يؤثر على العمل الوطني بشكل عام ، وبتلك الرؤية الثاقبة، عمل المؤتمر على ايجاد وثيقة وطنية يتوفر لها الاجماع الشعبي تترجم فيها اهداف الحركة الوطنية ، وتتأصل فيها مبادئ الثورة اليمنية ، وتمتثَّل كل ذلك في الميثاق الوطني نظرية المؤتمرالشعبي العام وايديولوجيته ، ثم استكشاف اسلوب امثل للممارسة الديمقراطية بتأطير الجماهير بوعاء سياسي يتحمل مسؤولية العمل السياسي تمثل في المؤتمر الشعبي العام.. وهو الميثاق الوطني الذي صاغته الجماهير اليمنية ضمن استفتاء شعبي عام .
فجاء أولاً ميلاد الميثاق الوطني النظرية والمنهج والفكر لتجاوز أو سد الفراغ الفكري والسياسي الذي سبق مرحلة الميثاق الوطني، وكان ذلك الفراغ يمثل عائقاً في توحيد الجبهة الداخلية وتعميق الوحدة الوطنية ، وذلك في ضل التجاذبات الحزبية السرية مثل عملاً خطيراً يهدد مسيرة الثورة واستقرار شعبنا ووحدته الوطنية المتأصلة في نفوس اليمنيين كل اليمنيين بدون استثناء ، بفعل التراكمات السلبية والأعباء الجسيمة التي تحملتها الثورة وغياب الرؤية الواضحة لمسيرة العمل الوطني الشامل ، ولذلك ظهرت المقولة التي تقول إن الحزبية تبدأ بالتأثر وتنتهي بالعمالة ، وهذه العبارة تنطلق من نفس المخاوف . وأذا ما عدنا إلى الحديث عن الميثاق الوطني ، فإن الميثاق لم يكن بأي حال ناقلاً من تجارب الآخرين وانما جاء مستجيباً لتطلعات الشعب وثقافته وعقيدته الاسلامية، ولذالك اعلن عن قيام المؤتمر الشعبي العام كآلية للعمل الوطني المتقدم والمنظم وذلك في 24 أغسطس 1982م.
والذي مثل بحق الاطار العام لرعاية العمل السياسي ، وكان اسلوباً ديمقراطياً نابعاً من ظروف الشعب وثقافته ، مؤكداً في مجريات ثابتة عمقاً واتساعاً بصيغته الديمقراطية التي ترفض التقليد والتبعية ، وتستلهم الواقع للتعبير عن ارادة الجماهير وترجمة تطلعاتها ، وتكريس الوحدة الوطنية ، وزوال أشكال الأمراض الاجتماعية، وهو ما أكد عليه الميثاق الوطني (في المناخ الديمقراطي تموت كل الولاءات والعصبيات الضيقة وتبقى الوحدة الوطنية قوة للشعب والدولة لحماية البلاد وسيادتها واستقلالها).
لذلك كله، فثقافتنا الوطنية راسخة بسلامة نهج واسلوب عملنا السياسي المتمثل ذلك في المؤتمر الشعبي العام ونظريته الفكرية والسياسية (الميثاق الوطني) الذي استمد مبادئه ونصوصه واحكامه من احكام الشريعة الاسلامية الغراء ، وسيظل نجاح المؤتمر بنهجة الميثاقي ،في واقع التطبيق والممارسة مرتكزاً شامخاً يؤكد على عمق الالتحام بكل جماهير الشعب .
ولا يغيب عن البال انه بعد ان تحققت الوحدة اليمنية المباركة تم تأصيلها في النفوس كجانب وطني على توسيع نطاق المشاركة الشعبية واصطفاف مختلف الكوادر الوطنية من مختلف المحافظات لتشمل مختلف الفعاليات والمراكز والتجمعات الجماهيرية واستيعاب اكبر عدد من العناصر الفاعلة الكفؤة من مختلف المناطق اليمنية ،مما ادى الى تنوع الفكر السياسي الوطني في ظل المؤتمر الشعبي العام ، واسهمت تلك الفعاليات اسهاماً متميزاً في العمل السياسي والحزبي ، وقد أدى انضمام المنظمات الشعبية والنقابية والمهنية ومنظمات المجتمع المدني بمختلف انشطتها الى المؤتمر الى تنوع العمل الوطني والسياسي - فانطلق المؤتمر بمفهوم إسلامي وديمقراطي ووطني بشفافية كاملة فقاد البلاد بكل نجاح واقتدار .
وللحقيقة التي لايجوز تجاهلها لقد كان تجديد قيادة المؤتمر الشعبي العام بانتخاب الشيخ صادق بن امين ابوراس- عضو المجلس السياسي الأعلى- رئيساً للمؤتمر بمثابة خطوة متقدمة لتفعيل نشاط المؤتمر وتعزيز بنائه التنظيمي كشخصية وطنية وهو أحد كبار مؤسسي هذا الحزب الرائد في العام 1982م، يتمتع بحس وطني وبعقل منفتح ورؤية حكيمة في القيادة بحنكة واقتدار..
ولقد اثبت خلال تولّيه مسئولية قيادة المؤتمر حسن إدارته ، وتجنيبه العديد من المزالق التي كانت حتماً ستؤثر سلباً على اهداف وتوجهات هذا التنظيم الوطني الرائد .
❊ عضو اللجنة العامة للمؤتمر
|