استطلاع / جمال الورد: - تفتقر وتعاني المؤسسات التعليمية في اليمن من عوز في معاملها التطبيقية ومقاعدها الدراسية وكوادرها المؤهلة والمتخصصة، وتفاقم الأمور بصورة أكبر جراء الحرب والعدوان الخارجي، وانهيار الإقتصاد الوطني الأمر الذي زاد من معاناة كافة اوجه العمل المؤسسي في اليمن، وخصوصاً المؤسسات الخدمية التعليمية والصحية وغيرها.
ورغم الكم الهائل من الجامعات والكليات الخاصة التي هدف القانون اليمني من الترخيص لها الى رفع العبء عن كاهل الجامعة الحكومية، واتاحة القطاع الخاص للإستثمار المسؤول في القطاع التعليمي ، إلا أن طلاب الجامعات ما زالوا يعانون من الرسوم المبالغ فيها في الجامعات الخاصة، إضافة الى تدني مستويات التعليم الجامعي بشكل عام في ظل غياب الرقابة الفعلية على جودة التعليم والمخرجات، بالإضافة الى معاناة الطالب بعد إنتهاء دراسته الجامعية في متابعة اوراق تخرجه واعتماد شهادته التي سعى إليها وثابر للوصول اليها، ليتفاجئ بإهمال جامعي او عدم ترخيص وزاري لبعض من التخصصات التي فتحت الجامعات ابواب القبول فيها بصورة مخالفة ويتجرع الطالب العقوبات بتوقيف اعتماد شهادته من قبل الوزارة التي لم تقم بواجبها أصلا في متابعة وتقييم الجامعات الأهلية والنشر للجمهور بالأقسام والجامعات والكليات المعتمدة، وبين معاناة التعليم الجامعي الحكومي، فالتعليم أصبح حبر على ورق، ومصدر إستثمار أكثر منه خدمة وطنية مقدسة من اجل تأهيل كوادر تخدم الوطن، وبهذا الصدد ناقشت صحيفة "الميثاق" هذه القضية مع عدد من الطلاب والمختصين، وتحدث الطالب شرف عبدالكريم - طالب كلية الهندسة في احدى الجامعات الخاصة بالعاصمة صنعاء- قائلاً: التعليم في اليمن متدن للغاية وبالأخص في اغلب الجامعات الخاصة التي لا هم لها سوى جني المال، وتفتقر للكوادر التعليمية المؤهلة علمياً وللجوانب العملية التطبيقية، وعن سبب نشوء الجامعات الخاصة أكد أن هناك أسباباً رئيسة وتتفرع منها أسباب فرعية، ولعلّ من أهمها: تدني مستوى التعليم الثانوي في المدارس، وتفشي ظاهرة الغش، صعوبة انتقاء الطالب للتخصص المناسب لقدراته، بالإضافة إلى عدم توفر كليات حكومية وتخصصات قادرة على استيعاب خريجي الثانوية العامة، وضعف طاقتها الاستيعابية للكم الهائل من المتقدمين، والأهم من كل هذا هو تفشي ظاهرة الوساطة؛ مما يضطر الطالب للجوء إلى التعليم الخاص (مسيراً.. لا مخيراً)، بخلاف النظر إلى المعدل الثانوي، أو المستوى التعليمي، فنحن في الجامعات اليمنية معاناتنا متجددة مع بداية كل فصل دراسي جديد، حيث لا يوجد رقابة أو متابعة؛ لعقد ورشات لتحديث المناهج الجامعية وفق موجة التطور السائدة، ومع كل ذلك "نأمل بأن الحبر على أوراق الدراسات النظرية يتحول إلى تطبيقات فكرية، عملية لا لأجلنا بل لأجل الأجيال القادمة".
مهزلة تخفيض المعدلات
خلال الفترة الحالية -فترة القبول والتسجيل الجامعي- وفي ظل معدلات ثانوية مرتفعة خلال السنوات الماضية، رغم أنها معدلات لا تشير الى قدرات الحاصلين عليها الفعلية والتي تنكشف لمجرد رؤية الأخطاء الإملائية القاتلة التي يرتكبها أغلب الحاصلين على معدلات تفوق 85٪ فضلاً عن ضحالة التحصيل العلمي للبعض، الا ان وزارة التعليم العالي قامت بتخفيض نسب القبول خصوصا في الكليات الطبية والهندسية في خطوة مستغربة لدى الأغلبية كون هذه الأقسام يفترض أن يدخلها ذوي التحصيل العلمي الحقيقي والمرتفع ويخضعون لامتحانات حقيقية في مختلف المواد العلمية واللغة الانجليزية، وفي هذا الجانب علق بشير قايد - طالب كلية طب الاسنان في جامعة ذمار - كان من المفروض ان يتم تخفيض الرسوم الدراسية في الجامعات الخاصة لا نسبه القبول . لأن تخفيض نسب القبول يعد دمار لتعليم ولمهنه الطب بشكل خاص، وتساءل: سننتظر كيف تكون المخرجات، مضيفاً إن ما يجري هو اهتمام بالكم وليس بالكيف.
من جانبها علقت الصحفية امل وحيش في حائطها على موقع "فيسبوك" على قرار تخفيض معدلات القبول، وقالت بصورة ساخرة :"مستقبل مشرق.. نصيحة للطلاب لاعاد تكونوا تذاكروا وتحرقوا أعصابكم وينزل نص وزنكم من الهم..التعليم كل سنة يصبح متاح أكثر للجميع وحسب معدل ماتملك من مال.".
الجامعات الخاصة معاناة مستمرة
جلال هزاع طالب في إحدى الجامعات الخاصة ، قسم هندسة الحاسوب تحدث عن التعليم قائلاً: من وجهة نظري ليس هناك فوارق بين التعليم الجامعي الأهلي والحكومي، فكلاهما مزخرفان بالقصور سواء من ناحية الدكاترة وحضورهم، وغيابهم أو من ناحية الجوانب العملية والنظرية، وإن لم يكن هناك قصور في الجامعات الحكومية في كم المطلوب في الكليات والتخصصات، لما تواجدت الجامعات الخاصة، وكذلك كثرة خريجي المعاهد والدبلومات مما يضطر هؤلاء الطلاب للتعليم الخاص، وأيضاً الحالات المادية التي تسمح لبعض الطلاب بدخول الجامعات الخاصة، ولعل من أبرز المعاناة التي نعاني منها في الجامعات الخاصة التي لا تختلف كثيراً عن الجامعات الحكومية، ومعاناة طلابها وهي المعاملات الإدارية السيئة، وأظن بأن الفارق الوحيد بين الخاص والحكومي الرسوم الدراسية فقط.
وتابع : يمتد السوء ليلاحق الطالب حتى بعد تخرجه، وهنا تبدأ رحلة متابعة وملاحقة الجامعة من أجل استلام وثائق التخرج، والتي تاخذ وقت طويل ومتابعة حثيثة خصوصا لو ان الجامعة عليها مشاكل مع الوزارة، فيكون الضحية هو الطالب.
صعوبة الاستمرار
تقف الظروف الاقتصادية والمعيشية على رأس العوامل التي عملت على تراجع العملية التعليمية في اليمن، واضطرت الألاف من الطلاب على عدم المواصلة، وهذه واحدة من المشاكل التي رصدناها في هذه الجولة.
يقول أحد طلاب كلية الصيدلة بجامعة صنعاء، إنه عندما بدأ دراسة الصيدلة في العاصمة قبل ثلاث سنوات، كان يخطط لنيل درجة البكالوريوس بسرعة ومواصلة دراسته ليصبح أستاذاً جامعيا، أو يصبح مندوبا صيدلانيا لدى إحدى الشركات الدوائية لكن، بدلاً من ذلك، كانت دراسته بطيئة وسببت له الكثير من الحرج، حيث اضطرت والدته لبيع أساورها الذهبية لدفع رسوم جامعته".
يقول بنبرة ألم وحسرة "الظروف المعيشية قاسية جداً في ظل الحرب واستمرار العدوان والتدهور الاقتصادي ومأساوية الوضع المعيشي، فقد تسببت الحرب الدائرة في اليمن بتدهور شبه تام لمنظومة التعليم العالي بالبلاد؛ حيث تضررت المنشآت التعليمية والمرافق الخدمية، بالإضافة إلى الأضرار التي تعرضت لها بعض مساكن أعضاء هيئة التدريس في الحرم الجامعي، والمساكن الطلابية.
وفي لقاء سابق تحدث الدكتور أحمد العرامي - رئيس جامعة البيضاء، لصحيفة الميثاق، حول المشاكل التي يعاني منها التعليم العالي والجامعات، وقال انها مشاكل عديدة ومتداخلة لكن العدوان والحصار وانقطاع المرتبات وإيقاف الموازنة ضاعف من هذه المشاكل وجعلها مركبة، بحيث أصبح الهدف الحفاظ على استمرار العملية التعليمية لأن العدوان راهن على إيقاف كل مظاهر الحياة في اليمن وخاصة العملية التعليمية في التعليم العالي أوالفني أو التعليم العام .
واضاف: مشكلة الجامعات منذ نشأتها وحتى اليوم أولاً الاستنساخ ما بين الجامعات، ثانياً إنشاء الجامعات لم يكن وفق دراسات وبالمقابل تداخل فيها عامل الضغط والحاجة، وتداخل العامل الديمغرافي مع العامل الجهوي مع العامل السياسي.
واشار الى ان حل هذه المشاكل التي تواجه الجامعات تحتاج بعضها معالجات شاملة وبعضها مرتبط بحسب ظروف كل جامعة، ولابد من ردم الهوة بين صانع القرار والجامعات وإيقاف إنشاء الجامعات بالاستنساخ، ويجب التحول نحو الجامعات المنتجة.. حيث ان مشكلة الجامعات اليمنية تكمن في قلة الموارد وشحتها أما الآن فأصبحت معدومة بعد الحصار الاقتصادي والعدوان وعدم وجود رؤية واضحة للبحث العلمي تنبثق من توجهات الدولة بحيث ترتبط سياسات التنمية مع سياسات البحث العلمي، ولذا أستطيع القول بأن البحث العلمي مجرد رغبات شخصية للباحثين أنفسهم دون وجود توجه عام للدولة .
كما أن من المشاكل عدم تطوير المناهج والبرامج الدراسية وهذه مشكلة كنت أسمعها منذ كنت طالباً في سنة أولى بجامعة صنعاء للعام الدراسي 1991-1992، وما زلنا نعاني من هذا الأمر، بل إن ما يبذل من جهود وورشات عمل في سبيل تطبيق البرامج لا يؤدي الغرض المطلوب ونحتاج إلى برنامج تنفيذي عملي يراعي وضعنا ولا داعي للإسراف في صياغة القوالب النظرية . |