الميثاق نت - قسم التحقيقات: - ينجز علماء الاجتماع السياسى الكثير من الأطروحات حول العديد من القضايا، وتأخذ دراساتهم تلك بعين الاعتبار كل الجوانب المتعلقة بأي ظاهرة سواء أكانت اجتماعية أو سياسية، والتنقيب عنها وسبر اغوارها، لتعطي إجابات مقنعة ومنها الثورات والتجارب التاريخية الأخرى وارهاصاتها، ويتفق الكثيرون خصوصاً المشتغلين في الحقل السياسي والاجتماعي، أن لكل فعل ثوري أو ثورة شعبية تقوم بها قوى اجتماعية وطنية تواقة للتغيير الجذري الشامل هو بالتالي وبالضرورة يطال كافة جوانب الحياة والمجتمع كردة فعل طبيعية حاملة في طياتها مبادىء الديمقراطية والعدالة والكرامة والتنمية الشاملة المستدامة..
لذلك كانت الأحداث الكبرى غالباً ما تحتل حيزاً من التناول في حياة الشعوب وتشكل دفعة قوية نحو المستقبل، وحين نتحدث هنا عن مرحلة تأسيس المؤتمر في أواخر أغسطس من العام 1982 لابد أن نتوقف على أعتاب هذه المرحلة الحساسة والهامة فهي مثلت نقطة تاريخية ووطنية ملهمة، في التاريخ السياسي اليمني، لأن هذا التاريخ لا يمكن أن يمر دون الوقوف على تداعياته الحاسمة والمؤثرة في المشهد السياسي اليمني، حيث تداعى في هذا العام رجالات اليمن يمثلون مختلف المناطق اليمنية والأطياف السياسية والاجتماعية والثقافية، والذين ادركوا منذ الوهلة الأولى لنجاح إطلاق ثورة 26 سبتمبر، استحالة المضي نحو أهداف الثورة في مجالاتها التنموية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية دون توفير أرضية من الاستقرار السياسي، فولدت سريعاً فكرة إنشاء إطار سياسي موحد يحمل على عاتقه تحقيق أهداف 26 سبتمبر؛ وظلت الفكرة تلك لسنوات حبيسة الأدراج ومفتقرة إلى تصور وبرنامج واضح المعالم يخرجها إلى واقع التنفيذ لكن الأمر لم يدم طويلاً وبقيت الحاجة ملحة حتى تحققت أخيراً..
بوصلة التغيير
في العام 1982م كان المشهد مختلفاً والظروف مهيأة لوضع أولى مداميك العمل الوطني لتخرج الفكرة إلى النور، ولتتغير البوصلة من الاتجاه المظلم نحو النور وتُرمى اثقال ورواسب الماضي وتبعاته للوراء، بإعلان إطار سياسي ذي طابع يمني 100 ٪ تحت مسمى "المؤتمر الشعبي العام"، ليشكّل منعطفاً حاسماً في مسيرة الثورة اليمنية 26 سبتمبر 1962م، التي هيأت الأجواء السياسية لانطلاقة جادة وواسعة باتجاه تحقيق أهداف الثورة في كافة مناحي الحياة، وجعل أهداف الثورة اليمنية الخالدة محددات رئيسية لتحقيقها لنبل أهدافها، التي صنعها الثوار الذين أشعلوا فتيل ثورة شعبية عارمة امتدت لتشمل كل مناحي الحياة وأوقدت فيهم أمل طالما انتظروه، لتغيير المسار وتصحيح الكثير من المفاهيم..
ميراث ثقيل
وبالرغم من طرح الباحثين بأن ثورة سبتمبر لم تكن كافية وأن الثورة على الإمامة بحاجة إلى أكثر من ثورة لأن البنية السياسية الذاتية كانت بسيطة علاوة على التحديات الداخلية والخارجية( الإقليمية والدولية ) بحسب تعبير الباحث السياسى قادرى أحمد حيدر وكذلك بسبب أن الثورة ورثت ميراث وتاريخ مثقل بأكثر من عشرة قرون من التخلف السياسي والاقتصادى والاجتماعي حيث أن الدوله كانت مختزلة في شخص الإمام إلا أن الثورة استمرت وظل وهجها لم ينطفئ يوماً بالرغم من الجروح الغائرة التى عمد المناوئون لها في تعميقها والتآمر عليها..
الأستاذ سيف الهياشي رئيس دائرة المنظمات الجماهيرية بالمؤتمر الشعبي العام يقول : برغم التحليلات والدراسات التي تتمحور حول الثورة اليمنية فإنها لم تعطِ كل الاجابات لأن البعض يفكر بعقل يتكئ لايديولوجيته ويستخلص ويبرهن لإثبات ما يذهب إليه بما يتناسب مع توجهه بل ويسرد وقائع بعيدة عن الحقيقة، خصوصاً من عاصروا الثورة حينها وكتبوا عنها كشهود على وقائعها..
غمار التحدي
ويضيف الهياشي قائلاً: أنا هنا لا أشير لأحد بعينه كما أننا لا يجب ان نغمط حقوق الآخرين وهم يقدمون صورة - إلى حد ما - معقولة في دراساتهم لتاريخ الثورة اليمنية، وكما قلت فإن ثورة 26 سبتمبر تظل حدثاً مهيباً لا يمكن اختزاله في بعض تفسيرات خاصة ليبقى الأثر واضحاً في حياة اليمنيين، حيث أن التغيير الذي احدثته الثورة اليمنية كان كبيراً..
وتابع الهياشي قائلاً " لذلك لم يكن المؤتمر الشعبى العام سوى امتداداً لثورة سبتمبر الذي عمل منذ اليوم الأول لتأسيسه على السير نحو تحقيق الأهداف السبتمبرية الستة ومازال يخوض غمار هذا التحدي قيادة وقواعد ولعل تحقيق الوحدة اليمنية في الـ 22من مايو 1990م كان ضمن تحقيق أحد أهداف الثورة اليمنية الخالدة..
مكون أصيل
ويضيف الهياشي بالقول : إن بناء القاعدة الوطنية الشعبية يعتبر الركن الأساسي في بناء الدولة المرجوة وأن الشعب هو المسؤول عن التغيير عبر التحرك الشعبي لحكم نفسه بنفسه، لذلك كان المؤتمر يطبق هذا التحرك داخلياً قبل أن تتوسع المشاركة للجميع، ولعل إقامة مؤتمراته وانتخاب لجانه خير دليل على ما ذهبنا إليه، ولأن الشعب هو الوحيد القادر على تكريس وترسيخ الحكم الديمقراطي الحر وهو - أي الشعب - القادر على تحقيق الوحدة الوطنية فإن المؤتمريين كانوا ومازالوا جزءاً ومكوناً سياسياً اصيلاً فيه، وإزاء ذلك كان المؤتمر يرسخ هذا المبدأ في مؤتمراته المنعقدة حيث عقد المؤتمر 7 مؤتمرات اعتيادية وأربع دورات للجنة الدائمة وهذا دليل على ترسيخ مبدأ الديمقراطية والشفافية داخلياً، وفي أن يختار أعضاءه رؤسائهم في الدوائر التنظيمية سواء في اللجنة العامة أو الدائمة للمؤتمر، في تنافس ديمقراطي محموم، مجسداً بذلك مبادىء وأهداف ميثاقه الوطني قبل أن يكون المؤتمر قائداً وموجهاً للتغيير الأكبر من خلال التعددية السياسية في اليمن بعد تحقيق الوحدة اليمنية الذي كان تنظيمنا الرائد راعياً لهذا التعدد وضابطاً لايقاعه..
رصيد كبير
أما الباحث محمد المقبلي يقول إنه وبحسب ما جاء في الميثاق الوطني "إن المؤتمر وهو يتقدم إلى الأمام في ظل الثورة اليمنية (سبتمبر وأكتوبر)، يستند في ذلك إلى رصيد ضخم من حصانة العقيدة، وعراقة التاريخ"، وتأكيداته أن الثورة اليمنية لم تكن ثورة ضد نظام حكم مستبد فاسد، أو ضد مستعمر داخلي فحسب، بل كانت أيضاً ثورة إنسانية ضد ركود الحياة على الأرض اليمنية، ذلك الركود الذي أبقاها تعيش في عهد من العهود المظلمة، ولذلك فإن الثورة اليمنية عندما قضت على الحكم الفردي المستبد المتخلف الذي استغل اسم الدين لتضليل الشعب وإخضاعه وأعلنت قيام النظام الجمهوري بأهدافه الديمقراطية سياسياً واجتماعياً، وأنهت الاحتلال الأجنبي، جاءت لتعيد للدين جوهره ونقائه، وجاءت - في الوقت نفسه - لتحرك جهود الزمن، وتقفز بالحياة قفزة هائلة، تنقلها من العهود المظلمة إلى الحياة المتطورة في القرن العشرين.
مناهضة الاستبداد
ويتابع المقبلي حديثه بالقول : لقد شهدت أدبيات المؤتمر وخطابه وإعلامه حضوراً كبيراً لمفردات الحرية والديمقراطية، بل إن الميثاق الوطني ذاته افرد لها مساحة كبيرة في أدبياته وإثرائها بخلفية فكرية واسعة باعتبارها فطرة بشرية الاعتداء عليها أو الاحتكار لها يعتبر اعتداء على حق من حقوق الإنسان وتحدٍ لإرادة الله" واختتم المقبلي حديثه بالتأكيد على : "أن الميثاق الوطني أشار إلى أن الديمقراطية المتكاملة - فكراً وسلوكاً هي الضمانة الأساسية لحماية الحريات، ولقيام علاقات سوية متطورة بين مؤسسات الحكم، وبين الشعب والدولة، وبين الفئات الشعبية نفسها، وبين المواطن والوطن، ويؤكد أن الديمقراطية تعني أن الدولة بمختلف سلطاتها حق الشعب، ومن ثم فالشعب مصدر السلطة جميعاً..
زخم شعبي
لا شك أن المؤتمر الشعبي العام تعرض لصدمة كبيرة افقدته بعض توازنه وأثرت بشكل كبير على بنيته التنظيمية والسياسية وراهن الكثير من خلال اطروحاتهم على تلاشيه وهم يستدلون بما يسمى بـ" الانقسام" الذي يشهده الآن غير أن ما يجب أن يدركه هؤلاء أن المؤتمر تتباين الرؤى فيه وأن الجامع الوطني يظل حاضرا وهو "الميثاق الوطني" الذي يُجمع عليه الكل، كما أن سنوات الحرب العجاف أثبتت للداخل اليمني والخارج الإقليمي والدولي، أن المؤتمر ما زال محتفظاً بزخمه الشعبي، وأن رجاله أقدر على التعاطي مع الظروف السياسية الراهنة، وترسخت النظرة إليه كتنظيم رائد يستطيع - بوسطيته واعتداله وديمقراطيته - لملمة المشهد اليمني المتناثر والمتنافر، وإعادة ضبط المعادلة السياسية في المستقبل كما ضبطها في الماضي. |