البروفيسور/أيوب الحمادي - هذا الموضوع يختصر لك فهم الحياة في اوروبا فهي ليست كما يتصورها الكثير فأنت داخل حلبة صراع الكل فيها محترف ويجب ان تكون بمستوى محترف، فإن وددت أن تهاجر اليها حتى تكون غنياً بوظيفة وراتب محترم، فأنت فيها غلط كونها انظمة ضرائبية يقتضي ان تفهمها ويقتضي ان تعمل بشكل مستمر وتتعلم تدخر القليل لكي تجد أثراً.. وان وددت أن تهاجر اليها حتى تستثمر فيها فسوف تدخل سوقاً عنيفة تنهكك بالضرائب والقانون والمنافسة لاسيما اذا لم تكن خارق الامكانيات وتتأقلم وتفهم وتلم باللغة. واذا قلت إنك تريد الاستمتاع فيها فمع الوقت سوف تكتشف انها مكلفة بدون مصدر دخل ثابت ومملة وبلد عمل، اي ماحد فاضي لك، اي في النهاية سوف تشغل حالك بجمعية او بمشاكل بلدك والفيس بوك لتشعر انك مهم كون المجتمع يعطيك الانطباع انك تكميلة عدد فقط، وسوف تجد حالك مع الوقت منعزلاً وقد يصيبك الاكتئاب فلا أنت هنا بشكل فاعل ولا في بلدك.
وإن كنت تبحث في الغرب عن تحقيق ذاتك، فليس فيها طريق يخضع للصدفة كما تتصورها، ولا الفرص توزع كيانصيب، وانما عمل وتأهيل وتطوير مستمر ومنافسة لن يترك لك وقت للراحة والفسح وحفلات الجريل والسمر.. ومن يفكر ان يبحث فيها عن وطن لأطفاله، فهم لن يكونوا لك كما في مجتمعك في نهاية المطاف لاسيما وثقافة المدرسة طاغية على ثقافتك ومتفوقة على ما تطرح، اي بعد سن 18 لن تجدهم معك كما تتصور وتحلم، ومن سن 16 لن تحكمهم الا بتوافق كونهم سوف يعرفون القانون اكثر منك، اي لن تقدر ان تجبرهم على شيء.
ومن يظن ان الرعاية الاجتماعية سوف تكفي، فلن يكون ذلك وسوف تضطر ان تعمل بدون مقابل من اجلها، اي بيورو واحد فقط في الساعة، بجانب ذلك سوف تلاحقك النظرات اينما كنت، وسوف تحس انك تكملة عدد لا أكثر. ومن ادخر فيها مالاً فلن يحق له الرعاية الاجتماعية ان فقد العمل بعد 12 شهراً لاسيما وهو مازال معه مال.. واذا كان مرتبك هنا الصافي 2400 يورو فهذا لن يكفي إيجاراً وحياة وادخاراً واهتماماً بالأطفال الا بالحدود الدنيا بمعنى شقة لاتتجاوز 80 متراً مربعاً، ولذا هنا مايقارب من 14 مليون شخص يعيش في مستوى الفقراء بسبب الغلاء والتضخم.. ومن معه بيت ولم يصمد في العمل لـ20 سنة اقلها يخدم القروض، يصير البيت عبئاً عليه ومكلف الصيانة والتشغيل مع رحيل كل طفل خارج البيت.. ومن يظن سوف يكفيه مرتب التقاعد وهو على المعاش ومرتبه كان أقل من 2400 يورو صافي ولم يشتغل هنا منذ عمره 27 او حتى 30 سنة دون انقطاع فهو واهم كون التضخم يتوسع اكثر، وسوف تجده امامك اكبر كما ان مرتبك التقاعدي لن يكفي بشكل تام لاسيما اذا زوجتك لم تشتغل او انت مخطط ترتاح مثل الالمان برحلات وفسح بعد التقاعد.
ومن يبدأ يشتغل بها بعد عمر40 سنة فسوف لن يكفيه 27 سنة عمل حتى يستلم تقاعداً محترماً بمعنى سوف ينتهي به الحال الى الرعاية الاجتماعية تكمل له النقص من المعاش، ومن لم يتقن اللغة فالمشاكل سوف تزداد وتتمدد في مجتمع لا يوقف وصول الرسائل والاوراق فيه اليه حتى اطفاله سوف يخجلون به في المدرسة وامام اصحابهم من دون ان يشعر.
ومن عنده اطفال سوف يستفيد من الدعم في البداية لكنه سوف يدفع الكثير فيما بعد.. ومن يظن العناية الصحية سوف تستمر بنفس الجودة للجميع لن يكون ذلك دون تأمين صحي اضافي وتحمل جزء من النفقات.. ومن يظن ان يعمل هو بينما زوجته في البيت لن يكون بمقدوره ان يدخر لاسيما والزوجة في البيت وان خرجت فسوف تخرج على محلات التخفيض، اي جلستها مشكلة وخرجتها مشكلة من حيث الانفاق لشخص بسيط ينتظر الراتب، ومن تشتغل زوجته لن يكون بمقدوره ان يعيش جو الاسرة العربية وسوف يظل يتذمر ومتضايق ومنهك كما ان الضرائب سوف ترتفع، اي سوف يموت مثل الفقير اليهودي.. ومن يظن ان يجد وظيفة طويلة ومريحة بوجود اسرة واطفال معه لن يجد بسهولة دون حرق افضل سنوات العمر للوصول لها، ومن يضع رِجلاً هنا ورِجلاً في بلده يخسر الرهان ويفتلخ كما نقول، لذلك حدد هدفك مع الواقع، واعرف ماذا يمكن ان تأخذه منها.
ونصيحتي لمن يدخل أوروبا بعد فهم كلامي -وليس تفسيره انه محبط- اولا تعلم اللغة واتقنها وافهم اين انت؟ وماذا تريد؟ وماهي قواعد اللعب هنا وكيف تتكيف معها؟ اي افهم انك انت هنا لحالك لن تجد احداً بجانبك غير زوجتك.. أعرف اشخاصاً لهم 6 سنوات لن تجدوا لديهم حتى 2000 يورو وهم بصحتهم الآن فكيف مع تقدم السن.. لذا علَّم زوجتك اللغة واعطها الفرصة تتأهل حتى تساعدك اقلها مع مشاكل الاطفال والمدرسة، واستغل وقتك فيما يفيد ويحسن حياتك، وابتعد عن الجاليات العربية والاسلامية والجمعيات مسافة محدودة، فهي تضيع وقتك وترهقك كلما قربت اكثر فأكثر، ولا توسع الافق، وتسمم العلاقات كلما ارتبطت بمن فيها اكثر ودون مسافات كون الفراغ عند بعض الناس منا يجعلهم يخضون في خصوصياتك مما يشغلك عن التركيز في الأهم والمهم، وفي الأخير يظل العربي والأجنبي مرهقاً هنا ومحصوراً فكره واحلامه بما يدور في وطنه، فعليه ان يوازن بين المهم والاهم ان اراد الاستمرار في سوق صراع الوظائف والانتاج في الغرب، غير ذلك مشاكلك لن تنتهي وسوف تنهزم في تحقيق ماتريد كمحصلة، وتخرج من الدنيا مثل الفقير اليهودي كما نقول في اليمن.
وفي الاخير الحياة ميزان تأخذ من طرف وتدفع من طرف آخر، فحاول توازن حياتك بحيث تعيش كما تريد سعيداً اينما كنت وتنجح. فقبل كم اسبوع كنت اتحدث مع صديق هو هنا ايضاً في الصفحة، فقال يعرف شخصين هنا أحرقوا شبابهم واعمارهم، وكانوا ناجحين وجمعوا ثروة هنا، لكن كان ينهدم جزء اخر في مكان آخر في حياتهم، وفي النهاية يعيشون الآن الجزء الأخير من حياتهم في ملل وعزلة، وهذه ضريبة الحياة اذا لم تجد لها ميزاناً وتحدد ماذا تريد وماهو الثمن .
تذكرت في اهم وانجح فيلم صنع في هوليود "اند جيم" ان الحصول على حجر كريم عند "تانوس" كان لابد ان يضحي بأغلى شيء عنده، وهذا الامر كان طفلته، هو وصل لما يريد واستنفر كل حياته من اجله لكن خسر اعز شيء معه لايمكن استرجاعه، وانت يمكنك أن تصل لما تريد.. لكن ماهو المقابل؟
لذا كلامي دائماً أصلحوا بلدكم تعيشون بها حياتكم بسعادة ولن تخسروا شيئاً ذا اهمية لكم ويمكن ان تفتحوا ابواباً لابنائكم وبناتكم وانتم أسياد على ماتملكون، او اذا كنتم تريدون ان ترحلوا لاتنظروا للخلف وتعلموا لغة البلد بشكل مكثف حتى لاتزيد العوائق والمعاناة اكثر فتهزم وتنكسر وانت لوحدك.
وأخيراً لا اريد أن يقول أحد انني لا انصحه ان يسافر لان هذا قرار لك ولم أقُلْه في منشوري اصلاً، لكن اقول يجب ان تجهز نفسك انك داخل معترك الكل داخله بمستوى محترف، ولايجب ان تنهزم به او تتبهذل كونك لم تعرف قواعد اللعب وتركض دون فائدة فينتهي عمرك دون ان تصل لشيء، بمعنى اعتبر كلامي خريطة ترسم لك طريقاً.
|