د. عبدالوهاب الروحاني - درجنا في ثقافتنا العربية الاسلامية على القول بأن "الاختلاف رحمة"، وأنه "سنة من سنن الكون"، وهو بالتأكيد كذلك، لان الاختلاف أحد أوجه قيم ومبادئ الاخلاق، التي تنمو في الانسان وفقاً لميوله وحاجاته وطموحه هو، وليس وفقا لحاجة وطموحات غيره..
ذلك لان الانسان مخلوق حر بفطرته وطبيعته، وهو يتوافق ويختلف مع الاخر وفقاً لقناعته وارادته، فهو صاحب سلطان على نفسه وأعماله، وخضوعه لإرادة خارج ارادته سيكون بالتأكيد طارئاً.. أي غير قابل للاستمرار والبقاء تبعاً لفلسفة الاخلاق.
والاخلاق، هي فلسفة تمثل شكلاً من أشكال الوعي الإنساني.. تتجلى في قيم العدالة، والحرية، والمساواة، الكامنة في ذات الانسان، تؤثر في سلوكه، وتوجهه لمعرفة الصحيح من الخطأ، والتفريق بين الحق والباطل.
من هنا جاءت فكرة التباين والاختلاف كسمة بشرية خُلقت مع الانسان لتلازمه حتى الموت .. وارادة الاختلاف.. والقبول والرفض، هي سمات متفق عليها في كل الاديان والشرائع السماوية والوضعية أيضاً..
دعونا نختلف:
أما الإسلام فهو من السماحة والقبول بالآخر المخالف ما لم يرق إليه دين آخر .. فلماذا لا تدعونا نختلف في إطار احترامنا لقدرة خلق الله فينا، واحترامنا لبعضنا في إطار الحفاظ على قيم الحرية والعدالة والمساوة، التي تتخلق في الانسان وتكبر معه.
الإسلام يقول بالاختلاف، والقرآن المرجع الاساس في اختلاف آراء المذاهب يؤكد هذه الحقيقة، ويقول بنص صريح وواضح في سورة (البقرة - 256 )" لا إكراه في الدين"، فضلاً عن الاختلاف في الرأي والمسلك.
يؤكد القرآن الكريم أيضاً على الاختلاف في المناهج والشرائع فيقول: "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة" (سورة المائدة، الآية 48) ، ويقول أيضاً »وقُل الحق من دبكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر« (الكهف- 29).
ذلك برأيي هو أقصى درجات الاختلاف عند ذوي العقائد.. والناس لا يمكن ان يكونوا متساوين في الفهم والتفكير والمعتقد، ولا يمكن أن تجبر الناس على سلوكك ومنهجك، فالناس احرار فيما يرون ويعتقدون.. وتلك سنة الله ولا تبديل لسنن الخالق.
في البدء كان الحكم مدنياً:
تحت هذا العنوان صدر مؤخراً كتاب الشاعر والمثقف الكبير الاستاذ زيد بن علي الوزير، الذي أهداني مشكوراً نسخة الكترونية منه..
الكتاب يحتوي على آراء وافكار متقدمة ومستنيرة جداً في فهم الدولة الاسلامية، ويقدم صورة حقيقية لمدنية "الخلافة" التي تمثلت عنده في ثلاث:
* استقلالية مال الدولة عن الحاكم
* استقلالية القضاء
* وجوب طاعةالخليفة(الحاكم) لعدل الله
يستعرض الكاتب "مدنية الخلافة" بطريقة سلسة ومشوقة.. محتوى الكتاب وهو من الحجم المتوسط، يكشف عن إلمام المؤلف بعلوم العصر، والدين، واجتهادات المذاهب وخلافاتها..
"في البدء كان الحكم مدنياً" .. كتاب قد نختلف في بعض تفاصيله لكنه قيّم وجدير بالقراءة..
|