حاوره/ يحيى علي نوري - حرصنا في هذا الحوار مع الكاتب والمحلل السياسي العربي فيصل جلول الاطلالة قدرالإمكان على مختلف ابعاد المشهد اليمني خاصة مع دخول عام جديد ينظر له العديد من المحللين الاستراتيجيين بنظرة تشاؤمية من حيث ماستتركة هذه الازمة في حال استمرارها من تداعيات خطيره ليس على اليمن فحسب وانما على المنطقة والامن القومي العربي عموماً..
ضيفنا ومن خلال تجربتة واسهاماته العديدة في التحليل لقضايا الأمة قدم رؤيتة بدرجة عالية من الشفافية واكد غير مرة ان المصلحة العربية تتطلب الاسراع في الحل اللازمة اليمنية باعتبارها أولوية عربية لاينغي تركها.. كما أكد ان التفاوض مع صنعاء هو الطريق الامثل مندللا على ذلك ان 90٪من القضايا التي تدخلت فيها الامم المتحدة ظلت دون حلول مبيناً ان أمن البحر الاحمر وخطوط الملاحة الدولية بات مرهون بالحل.. علاوة على ان الازمة اليمنية لم يعد حلها عسكريا وفق المعطيبات الراهنة..
وتطرق حوارنا مع المحلل الاستراتيجي جلول للعديد من القضايا.. وإلى الحصيلة..
* عام جديد يطل على العرب ويحمل في طياته مخلفات عام ولَّى مليئ بالمنغصات والتحديات الكبري .. والسؤال كيف تنظرون لإرهاصات العام الجديد على ضوء ذلك وما الذي يتطلبه الواقع العربي على وجه السرعة ؟
- يكاد الزمن لا يفصل بين أزمات ومشاكل وصراعات العالم العربي.. ما عاد الزمن محطة يمكن الوصول بالقضايا اليها وبالتالي انتظار ما سيلي والرهان على تطورات تحمل آمالا لقد صار الزمن يوحي بيأس ممقي، لذا من الصعب الوقوف نهاية العام على مرتفع عربي والقول من هذا المرتفع نرى ما هو القادم ومنه نرى ما مضى ان كان سيمضي فعلاً، لكن تبقى بعض النقاط المضيئة ومنها كأس العالم في قطر الذي جعل العالم بأسره يتجه نحو العالم العربي ويبحث عن الفرح والمتعة في الملاعب القطرية، أما التحديات فهي عابرة للأعوام: خروج العرب من التبعية، عودة الحق الفلسطيني الى أصحابه، تعميم السلام في الفضاء العربي، حل مشاكل الحدود، القضاء على الأمية، امتلاك كل مفاتيح المعرفة العصري، تحقيق التنمية االمستقل، تعريب العلوم والمعارف.. الخ، حتى نجد حلولاً سريعة لأزمات العرب يجب ان يدرك العرب حجم المخاطر التي تحيق بهم ويجب ان يتمتعوا بالقدرة على التعاطي مع قضاياهم بوصفها قضايا خاصة وليست قضايا غيرهم.. لن تنجو دولة عربية على حِد ولو بدا لها ان ما يدور حولها لا يعنيها لان الحريق عندما يشتعل قي منزل جارك فهو سيمتد الى منزلك والمسألة مسألة وقت.
* الأزمة اليمنية تمثل أحد أبرز التحديات الراهنة .. محاولة ابقائها دون معالجات ينذر بكوارث على المنطقة والعرب عموماً.. هل ترون ان الاسراع في معالجتها هو ضمانة حقيقية لحاضر ومستقبل العرب؟
- من دون شك معالجة المسألة اليمنية يجب ان تكون في سُلَّم أولويات العرب ، الحرب تقع على مقربة من اهم احتياط للنفط في العالم وعلى خطوط إمداد الطاقة بين قناة السويس وباب المندب وعلى طريق الحرير المقبل.. لا مصلحة للعرب في إبقاء هذه الحرب مشتعلة وفي المقام الأول الشعب اليمني الذي دفع ويدفع أغلى الأثمان..
نعم حاضر ومستقبل العرب يستدعي وقف الحرب اليمنية في أقصر الآجال.
* جميع القنوات السياسية والتحليلية تجمع على ان الحل السلمي باليمن هو الحل الوحيد وأنه لايمكن ان يكون عسكرياً، وبالرغم من هذا الإجماع لانجد خطوات سياسية جادة تبلورت الى الواقع على شكل مقاربات للحلول الناجعة.. ما اسباب ذلك من وجهة نظركم؟
- نعم لا حل عسكرياً للازمة اليمنية.. من المعروف ان الحروب تنتهي بالهزيمة والنصر كما هو الحال في الحروب العالمية المعروفة او تنتهي بتسوية جراء ضغوط دولية كما هو الحال في حروب البلقان، او تتوقف جراء اقتناع الطرفين بأن النصر السريع او القريب غير ممكن وهذا التوقف يخلق حالة تسمى "ستاتيكو" أي بقاء خطوط القتال على حالها..
هذا الوصف هو الأقرب الى ما نشهده في اليمن هذه الأيام.
* الرياض أبدت خلال الفترة القليلة الماضية الانفتاح مع صنعاء وخاضت معها غمار مشاورات حول قضايا منها ملف الأسرى .. كيف تنظرون لهذا الانفتاح.. ولماذا لانجده يتعزز كتعبير عن إرادة حقيقية للتشاور مع صنعاء حول مجمل القضايا؟
- جرى تبادل الأسرى اكثر من مرة خلال الحرب وكان يتم لأسباب تكتيكية.. في الحروب الكلاسيكية يتم تبادل الأسرى ضمن صفقة شاملة لوقف الحرب ..في اليمن يتم كوسيلة من وسائل الحرب ولتحقيق أغراض جزئية، كالاستجابة لرحلة طيران من اجل معالجة الجرحى او الحصول على امدادات او لتحقيق مطلب لدولة صديقة او جراء ضغوط من اسر السجناء من الطرفين .. لذا لم تكن عملية اطلاق السجناء في أي مرة مقدمة للبحث في حلول سياسية للخروج من الحرب .. أما الانفتاح من الرياض على صنعاء فقد تم بعد توقف التقدم في مارب وما جرى في شبوة وذلك لجس نبض أنصار الله وما اذا كانوا راغبين في اعتماد استراتيجية أخرى لحل الازمة غير الحرب.. هذا ما أقدره وليس لديَّ معلومات موثوقة في هذا الشأن .
* هناك من يرى التفاوض مع صنعاء أجدى من تعقيدات دور الأمم المتحدة وأن إمكانية نجاحه باتت ممكنة على ضوء التطورات التي شهدتها الساحة اليمنية ؟
- أنا أعرف ان الأمم المتحدة لم تجد حلولا للحروب والأزمات التي اندلعت في العالم وحتى لا أبالغ أقول ان اكثر من 90٪ من الازمات التي تدخلت فيها الأمم المتحدة لم تجد حلاً لها، القضية الفلسطينية تولتها الأمم المتحدة منذ مطلعها وحتى اليوم لم تجد حلاً لها، وكذا الامر في الجولان ومزارع شبعا في جنوب لبنان ولو كنت مسؤولا ابحث عن حل لقضيتي فإنني لا أراهن على الأمم المتحدة.. نعم انا اعتقد ان التفاوض المباشر هو افضل الطرق لإيجاد حل للحرب في اليمن شرط ان تتوفر النية والظروف والمفاوضين المخلصين والخبراء في الازمة اليمنية ،لكن المشكلة التي تعيق التفاوض تكمن في الهوة السحيقة التي تفصل بين نظرة الطرفين للحل في اليمن ، وفي عدم قدرة أي منهما على الانتصار في الحرب .
عندما يقتنع عدوك بأنك غير قادر على قهره في الحرب فلماذا يتنازل لك ؟ بل سيطالبك بالتنازل وسيحاول ان يكسب بواسطة التفاوض ما لم يتمكن من تحقيقه بواسطة الحرب.
* هذا يجرنا إلى سؤال عن التأثيرات الدولية ومنها الروسية الامريكية وغيرها؟
- هناك بالتأكيد تأثيرات خارجية دولية في هذه الحرب وهناك أيضاً صراعات إقليمية انا اعتقد اذا ما توفرت قاعدة مناسبة للتفاوض وفرصة للمساومة تحقق مصالح أنصار الله يمكن لهم ان يغامروا بالقبول بها.. العلاقة بين ايران وأنصار الله ليست مبنية على عقيدة دينية تلزمهم بطاعة الولي الفقيه، لديهم تحالف استراتيجي مع ايران وهذا صحيح لكنهم اذا ما اكتشفوا ان مصالحهم تقتضي الدخول في مساومة وبالتالي الخروج من الحرب فإنهم سيفعلون، واعتقد ان ايران تعرف ذلك..
* أوضاع البحر الأحمر.. ماذا عنها؟
- الموقع الاستراتيجي للبحر الأحمر مرتبط بقناة السويس وباب المندب .. قناة السويس تحت الإدارة المصرية وتعمل تحت سقف القانون الدولي وبالتالي لا خلاف على أدوارها، أما باب المندب فهو يطرح مشكلات صعبة، من جهة جيبوتي تحتفظ بتجمع قواعد عسكرية اجنبية وبينها اتفاق على إدارة الضفة الجيبوتية.. المشكلة تأتي من الضفة اليمنية حيث تسعى الامارات لتوفير الأمن في بعض الجزر اليمنية بالاتفاق مع حلفائها اليمنيين سعودية دور أساسي في هذه القضية، لكن أنصار الله المتمركزين في الحديدة ما زالوا قادرين على التأثير على الملاحة في البحر الأحمر وقد برهنوا على هذه القدرة في مناسبات مختلفة.. انا اعتقد ان أمن البحر الأحمر مرهون بوقف الحرب في اليمن وهذا يعيدنا الى نقطة البداية..
* تحرك عربي للتعاون مع كل القوى اليمنية بطريقة متوازنة ؟
- لا يمكن لاي طرف عربي ان يتدخل في الازمة اليمنية من دون موافقة السعودية، ناهيك عن ان الجامعة العربية تعمل في اليمن تحت السقف السعودي..
* قمة عربية متوازنة؟
- قلت في اجابتي السابقة ان الجامعة العربية تعمل في القضية اليمنية تحت السقف السعودي ولا يجرؤ أحد على اختراق هذا السقف..
* تحالف عربي في مواجهة أمريكا ؟
- يتم هذا الحديث في أوساط حزبية وحركات معارضة وقد صدرت خطابات في السابق في هذا الاتجاه لكنها لم تذهب بعيداً، أما دول الجامعة العربية فهي لا تبحث عن العداء مع واشنطن ويمكنني القول دون تردد انها تعمل تحت سقف لا يغضب واشنطن ولو توفرت لنا جامعة عربية متمردة على الإرادة الامريكية لاختلف الأمر رأساً على عقب..
* الاختناقات في العلاقات السعودية الامريكية ؟
- لا أجد اختناقات في العلاقات السعودية الأمريكية، هناك مشاكل سعودية أمريكية مستمدة من ولاية ترامب حيث كانت الرياض تميل له وهي راهنت على إعادة انتخابه، الأمر الذي لم يعجب الديمقراطيين الذين أرادوا وضع العصي في دواليب إدارة بن سلمان لكن مشكلة الديمقراطيين مع الرياض لها وجه آخر هو ان واشنطن قررت الخروج من الشرق الأوسط بعد فشلها في العراق وأفغانستان وهذا تترتب عليه نتائج استراتيجية في حسابات السعودية التي باشرت بتقوية علاقاتها مع قوى دولية منافسة لواشنطن ، العلاقات بين الطرفين ليست مختنقة بل متباينة ، لقد ردت السعودية على ابتعاد واشنطن قليلاً عن اتفاق روزفلت عبدالعزيز لكن ليس الى الحد الذي يوصف بالاختناق او بالخروج من التحالف الاستراتيجي..
* سؤال أخير حول الصين ..؟
- الصين لاعب عملاق على الصعيد الدولي لديه مصالح أساسية في العالم العربي ولا يهمه ان يكون الطرف العربي موحداً او منقسماً ما دامت مصالحه متوافرة..
الموقف العربي الموحد هو شأن عربي تحدثنا عنه في مطلع المقابلة ورأينا انه لا يعكس استراتيحية واضحة وجديرة بالاحترام .
|