د. طارق أحمد المنصوب -
اعتنت البشرية منذ الأزل عناية شديدة بالأمن بمختلف مستوياته؛ ابتداءً بأمن النفس أو الذات، ثم أمن المجتمع، وانتهاءً بأمن الدولة، وطورت كثير من الأساليب في سبيل تحقيقه. ونظراً لاتساع مفاهيم الأمن وتشعب مجالاته وآفاقه وتراكم مشكلاته المعقدة، في ضوء حاجات الإنسان التنموية المتزايدة، إضافة إلى تطور أساليب الجريمة، تخطيطاً وتنفيذاً فقد أضحى موضوع الأمن يحظى بالاهتمام الكبير، لاسيما وأنه يمثل كيان أي أمة ومرتكزاً أساسياً من مرتكزات وجودها، والحفاظ عليه يعني الحفاظ على الهوية والاستقلال والسيادة وتحقيق التنمية والأهداف المنشودة. والتحديات التي تواجه الأمن في أي بلد كثيرة ومتنوعة منها الداخلية ومنها الخارجية، ومنها المشترك بين العوامل الداخلية والخارجية، ويدخل فيها العوامل البشرية التي للإنسان يد فيها مثل: الحروب، وارتكاب جرائم العنف، والتفجير أو التخريب، والإفساد .. وغيرها.
و«الأمن» هو الهدف الأسمى الذي تسعى كافة السلطات في جميع المجتمعات الإنسانية إلى تحقيقه منذ أن خلق الله الأرض، واستخلفها عبيده من ذرية آدم وحواء. وللأمن جانبان يتداخلان تداخلاً واضحاً مع التنمية، ويترابطان أو يتلازمان معها تلازماً عضوياً؛ إذ يعني وجود أحدهما وجود الآخر والعكس صحيح، مما يضيق لتفسيره مساحة هذه التناولة، وهما: الجانب المادي، والجانب المعنوي؛ المادي، وتطلق عليه تسمية «حقوق الإنسان والمواطن»، وهي الحقوق التي يتمتع بها كل من يقطن إقليم دولة معينة وينتمي لها، وتتمثل في قيام الحكومة بعدد من المهام والوظائف لتحسين حياة مواطنيها، ومنها: توفير الحماية؛ أي القيام بنشاطات تضمن بقاء الدولة ووجودها واستمرارها ووحدة أراضيها والحفاظ على قيمها ومبادئها ومثلها ومعتقداتها ومصالحها. ويندرج في إطارها صد العدوان الخارجي الذي قد تتعرض له الدولة من جهة، ثم حفظ الأمن والسلم الداخليين من جهة أخرى، وتحقيق الرفاهية: التي تعني أن المواطن يصبو إلى ما هو أكثر من مجرد توفير الحماية؛ إذ يتطلع إلى تهيئة المناخات الضرورية لتحقيق ذاته وتقدمه وازدهاره، وهذا الأمر لا يتحقق إلا بتوفير ثلاثة أمور يمثل كلاً منها ضلعاً من مثلث الرفاهية، وهي حفظ النظام، وتحقيق العدالة، وتوفير الخدمات العامة. وأخيراً، الوظيفة الاقتصادية، والمقصود بها قيام الدولة بوظائفها التقليدية المتمثلة في تحسين الأوضاع الاقتصادية للمواطنين عن طريق برامج التنمية الشاملة، ومن بين أهم مظاهر نشاط الدولة في هذا الإطار: وضع برامج التنمية الاقتصادية والعمل على تنفيذها، ورفع مستوى معيشة المواطن، وتوفير فرص العمل، ووضع الأسس التي تنظم علاقات العمل بين العمال وأرباب العمل، وتنظيم التجارة، وفرض الرسوم الجمركية لحماية الصناعات الوطنية من خطر المنافسة الأجنبية. وهذه الوظيفة عرفت بعض التغيير خلال العقود الثلاثة الماضية باتجاه كثير من الدول إلى التخلي عن تقديم الخدمات للمواطنين عن طريق القطاع العام وتفويت العديد من المؤسسات للقطاع الخاص.
والجانب المعنوي يطلق عليها عادة تسمية «حقوق المواطنة»، وهي الحقوق التي لا يتمتع بها إلا مواطنو الدولة، وهذا الجانب يتحقق عبر إقرار النظام السياسي بحق المواطن في العيش الكريم في مجتمعه موفور الكرامة ومتمتعاً بكافة حقوقه الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية، وفي مقدمة تلك الحقوق الحق في الحياة الآمنة، وحرمة الجسد وحرية المعتقد، وحرية الاستقرار واختيار مقر الإقامة، والحق في الراحة وأوقات الفراغ، والحق في التملك، وكذا الحق في الانتخاب والترشح في إطار المشاركة السياسية في إدارة شئون البلاد، وتقلد الوظائف العامة، وهي الحقوق التي لا يمكن للإنسان التمتع بها بكيفية حقيقية في وجود تهديد مباشر أو غير مباشر لأمن الفرد والمواطن والمجتمع.
قد لا يكون بين حادثي التفجير العدواني الجبان اللذين تعرض لهما مدرسة السابع من يوليو للبنات في أمانة العاصمة، وإحدى المباني الحكومية في محافظة أبين، أي رابط أو صلة مباشرة، وقد تتباين الأسباب والدوافع التي حركت منفذي الحادثتين، على الأقل إلى حين صدور بلاغ رسمي من جهات الاختصاص يؤكد أو ينفي ما ذهبنا إليه. وإذا كانت العلامة الفاصلة بينهما تكمن في أنها المرة الأولى التي يتم فيها استهداف مدرسة للبنات لتبقى دوافع منفذ هذا العمل الإجرامي عصية على الفهم أياً كانت، فهناك أكثر من رابط نفسي ومعنوي بينهما لا تخفى على رجل الشارع العادي؛ فهما معاً وقعا في توقيت زمني متقارب، وكلاهما استهدفا الآمنين المسالمين، واستهدفا المس بأمن المواطن والوطن وإقلاق السكينة العامة، وإعاقة التنمية الوطنية، نظراً للترابط الوثيق بين الأمن والتنمية كما مر معنا، يهدف إلى خلق شعور عام يشعر بضيق متنام نتيجة عجز الحكومة عن توفير الأمن والتنمية معاً، ولعل هذا هو الهدف النهائي والبعيد لكل من ينفذ عمداً عملاً إرهابياً في مجتمعنا اليمني. وهو الأمر الذي يدفعنا إلى تجديد الدعوة إلى ضرورة الضرب على أيدي كل من يرتكب عملاً من هذا النوع، وتسول له نفسه الاعتداء على المواطنين الآمنين وترويعهم، وضرورة توافق الجميع في مجتمعنا اليمني على بعض القواسم المشتركة حفاظاً على الوطن وحقناً لدماء المواطنين اليمنيين الأبرياء.
جامعة إب