د. طه حسين الروحاني - لا الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون، هذه وغيرها هي النواميس والقوانين والسنن الإلهية في الكون يوم بدأ الله الخلق وخلق والسموات والارض وخلق كل شيء بقدر وبتقدير وحساب وعلم، وكل حديث حول تغير او تبديل سنن الله في الكون بحجة العذاب لعباده وسخطه كلام مردود على اصحابه ولا محل له الا عند دراويش الدين ومن يتبعهم، وهم من عجزوا عن تفسير هذه الظواهر الكونية والآيات الربانية علمياً وفشلوا في التفكر فيها فلجأوا الى موضوع العذاب والمعاصي والذنوب..
ان الله يحب ان تظهر آياته وقدرته في علمه وفي اتقان خلقه لا في عذابه لعباده فقط، وعلى الانسان الذي حمل الامانة والخلافة في الارض ان يصل اليها بالعلم والسير في الارض فينظر كيف بدأ الله الخلق لا بالهروب منها والعجز امامها وتحميلها صفة عذاب الله ونقمة الله وسخط الله، فالله عز وجل اكبر من ان نجعل كل آياته في الكون عذاباً لخلقه، الله الذي انزل القرآن الكريم وجعل ما يقارب من ربعه دعوة الى التفكير والعلم وإعمال العقل لا يمكن ان يفشل او يعيق هذه الدعوات بخرق العادة والقوانين وبحجة العذاب..
الله قادر على ان ينزل علينا مائدة من السماء يومياً، وقادر ان يرسل السماء علينا مدراراً كل يوم، وقادر على ان يجعل الارض كلها زلازل وبراكين على كل من عصاه واستقراراً لكل من اطاعه، وقادر على ان لا يسقي كافراً شربة ماء ولا يزيد ذلك او ينقص في ملكه وقدرته شيئاً، لكن سنن الله هي قوانين الطبيعة الفيزيائية والكيميائية والجيولوجية التي يكتشفها الانسان تباعاً، وآيات العذاب لم تكن الا بما قد انذر بها وتحدث عنها وارسل رسله محذراً منها لقوم بعينهم وزمان بذاته ومكان بحده وهي الاستثناء وليست القاعدة وترك فيها معجزة وآية وأثراً للذين يخافون العذاب الاليم في الآخرة..
قبل العلم والمعرفة والوصول الى الحقائق العلمية كان يتحدث اجدادنا عن خسوف القمر وكسوف الشمس انها غضب من الله على عباده ووصلت بعض روايات دراويش الدين الى ان الملائكة تحمل القمر اذا خسفت كي لا تقسط على الارض، والسؤال هنا لو كان كل من في الارض جميعاً مؤمنين هل سيتعامد ظل الارض على القمر ولا يحدث الخسوف وهل سيحجب جسم القمر ضوء الشمس عنا ولا يحدث الكسوف، هل قوة ايمان الانسان ستمنع هذا التعامد للشمس والقمر والارض الساعة العاشرة صباحاً من يوم التاسع من مارس عام 2070م مثلاً..
وفي موضوع الزلزال الاخير الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا، هل كان عذاب الله على نصف تركيا الجنوبي غير المؤمن وترك نصفها الشمالي المؤمن ولم يصبه عذاب الله، وشمال سوريا كذلك، وحتى رصابة ومعبر في الثمانينيات هل كانت وحدها المذنبة وبقية اليمن مؤمنة، ثم ماذا عن الزلازل والبراكين والاعاصير التي تضرب المناطق الخالية من السكان ولا تستهدف او تعذب انساناً هل كانت جزافاً دون تحقيق هدف العذاب..
وعلى سبيل المثال لا الحصر، تعد مناطق الولايات الجنوبية الغربية في امريكا منطقة عواصف ومدارات هوائية يذهب ضحيتها عدد من الامريكيين سنوياً، فهل لو سكن هذه الآلاف من الكيلومترات مؤمنين هل ستتوقف تلك العواصف، وهل لو سكن المناطق الزلزالية في شريط ايران وتركيا وجزر اليابان أناس مؤمنون هل ستتوقف الزلازل، طوكيو مدينة زلزالية وبكين مدينة غير زلزالية، تركيا دولة زلزالية والمانيا ربما دولة لا تعرف الزلازل، اندونيسيا والشريط الممتد الى ساحل عمان منطقة تسونامي وسواحل اوروبا ليست منطقة لتسونامي،
والحقيقة ان لا علاقة بين من يسكن هذه المدن وقوة ايمانهم والانسان بشكل عام وبين تعامد الاجرام السماوية وحركة النجوم وانزلاقات القشرة الارضية وتصادم الصفائح الارضية وحركة الرياح وتكوُّن المنخفضات والمرتفعات الجوية والعواصف والتسونامي وكل الظواهر الكونية، انما هي سنن وقوانين ونواميس كونية وضعها الله يوم بدأ الخلق وخلق السموات والارض وقبل ان يخلق الانسان، قابلة للحساب والتمييز والبحث فيها وتداركها وتجنبها..
أرجو ان اكون قد استطعت ايصال الفكرة، وان لا يأخذ الامر اكثر من حقه وأبعاده وان يُفهم ضمن سياقه وحدوده، وان لا يتحول الى موضوع جدلي، ولن ادخل في ذلك، فلن يزيد التأييد او المخالفة في ايمان احد ولن يقلل من ايمان احد، وللتذكير فقط ان الكنيسة في عصور اوروبا المظلمة اعدمت جالليلو بسبب الحديث عن دوران الارض حول الشمس، وبعد مائة قال العالم صدق جالليلو وكذبت الكنيسة..
|