راسل القرشي - منذ مئات السنين والأمة العربية والإسلامية تعيش حروباً طائفية ومذهبية لا ترحم ، قادت لتشويه الإسلام والإساءة للمسلمين في المجتمعات الغربية التي تناصب الإسلام والمسلمين العداء؛ ووصل الأمر بعدد من المغالين في الدين من دعاة المذاهب المختلفة إلى تكفير الفلاسفة والعلماء الأفذاذ أمثال ابن رشد والفارابي وابن سينا والرازي؛ واتهموهم بالزندقة وكفروهم وأخرجوهم من الدين.!
هل تابعتم وقرأتم عن إمام المفسرين "محمد الطبري" صاحب أكبر تفسير للقرآن الكريم "جامع البيان في تأويل القرآن" وصاحب أكبر كتاب في التاريخ الإسلامي.. كيف مات؟!
مات قهراً بعد أن رجمه الحنابلة واتهموه بالكفر والإلحاد بسبب اختلافه مع مذهبهم فرجموا داره، إلى درجة أن باب داره لم يعد يفتح بسبب أكوام الحجارة المتراكمة عليه!!.
وغير الطبري هناك الكثير ممن اختلفوا مع المتشددين والمتطرفين من أتباع المذاهب .. الكثير من مؤلفات "ابن رشد" أحرقت بفتاوى رجال الدين في عصره ؛ و"ابن سينا" اطلقوا عليه لقب شيخ الملحدين، و"أبو حيان التوحيدي" أحرق كتبه بنفسه بسبب القهر واليأس من شيوخ عصره، كما أن الشاعر "أبا العلاء المعري" فرض السجن على نفسه لنفس الأسباب، و"ابن المقفع" مات مقتولاً في الثلاثينيات من عمره.. وأعلن "الرازي" كفره بكل مذاهب وشيوخ عصره؟!
قائمة طويلة من علماء وفلاسفة المسلمين ماتوا أو قتلوا بسبب التطرف والغلو والتشدد والعصبية للأسف الشديد كان أبطالها الغلاة المتعصبين لمذاهبهم ؛ المختلفين مع غيرهم.
هذا هو تاريخنا المضرج بالدم بسبب الاختلاف في المذاهب التي أنتجت وما زالت تنتج كل هذا السلوك العدواني ضد الآخر وثقافته المختلفة!!
قال سبحانه وتعالى في محكم آياته "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا"، هذه الآية القرآنية هي ملخص ديننا الإسلامي الذي نؤمن به.. لا غلو ولا تطرف ولا عصبية في الدين، ولكن ما عسانا أن نقول لدعاة الطوائف والمذهبية، الذين غيروا مفاهيم الدين بتفسيراتهم التي تخدم توجهاتهم ومصالحهم وحولوه إلى سلعة للمتاجرة، وفرضوا أنفسهم أوصياء على الدين وعلى الناس!!
والمشكلة أن هؤلاء المغالين الناضحة قلوبهم بالتطرف والغلو مازالوا يعيشون بيننا مع تغير أشكالهم وألوانهم، ونقرأ لهم ونسمع بعضهم ما يتقولون به عن الآخرين المختلفين معهم.
هؤلاء هم سبب مآسينا ونكباتنا وحياتنا المأساوية التي عاشها السابقون، ونعيشها نحن اليوم..؛ هم سبب الإساءة للإسلام والمسلمين وتشويهه في المجتمعات الغربية، الذين ذهبوا يلصقون تهمة الإرهاب بنا وبديننا، ليس هذا فحسب بل هم سبب هجرة وهروب الكثير من أخواننا في بلادنا والدول العربية والإسلامية إلى دول أخرى لا تتخذ من الإسلام ديناً ، تؤمن بالمواطنة وحق الاختلاف وحقوق الإنسان وحرياتهم ويعيشون فيها بسلام بعيداً عن غلاة الدين وتُجَارهِ.
وبالمختصر أقول : اقرأوا القرآن ففيه حلول لكل مشاكلنا، اقرأوه بعيونكم وعقولكم وقلوبكم أنتم وليس بعيون وقلوب وعقول المغالين لمذاهبهم ، المسيئين لمذاهب غيرهم، وارموا بغير نهجه وتوجهاته بعيداً غير مأسوف عليه.
خذوا من علماء ومشائخ الدين القرآنيين الوسطيين المعتدلين الذين لا يكفرون هذا ولا يسبون ذاك، ويؤمنون بأن الاختلاف سنة إلهية وهو ما يقوم عليه هذا العالم برمته.
ويقيناً..إن لم نستفد من دروس التاريخ ونترك التعصب والتطرف والغلو والتشدد كما فعل غيرنا من شعوب أوروبا في العصور الوسطى فإن مسلسل الصراع المذهبي والطائفي سيتواصل ويستمر ويُخلف ملايين القتلى.
ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يعطينا من الخير واللطف فوق ما نرجو .. ويصرف عنا السوء فوق ما نحذر.
|