عبدالجليل أحمد ناجي - تعصَّب وعاده أعمى، ليت وهو مستظي.. ما أحوج المتعصب للفكرة أو المذهب أن ينظر إلى سعة هذا الكون وما يحويه من تنوع في كل شيء، وإلى هذا العالم الفسيح الذي يتسع لكل الناس ، تنوع الأفكار هو عبارة عن انعكاس لتنوع الأشياء وتنوع حاجات الناس ..
ماذا جنينا من التعصبات عبر التأريخ ؟
لا شىء غير أننا استغرقنا كل طاقاتنا وإمكاناتنا المادية والبشرية في الصراعات ، وفي الأخير نظهر أمام أعين العالم بأننا أمة ضعيفة ممزقة متخلفة لم نستطع تحقيق أي تقدم مثل بقية الشعوب ولا حتى اكتفاء جزئي في قوت يومنا من الخبز ..
ولم نستطع أن نرسي مداميك استقرار لا في مجال الحكم والإدارة ولا في السياسة، ولم نوجد النسيج الاجتماعي المتماسك المتعايش .
ولم نعتبر أن :
الذين تعصبوا للمذاهب ذهبوا.
والذين تعصبوا لأيديولوجيات بعينها ذهبوا.. والذين تعصبوا لأشخاص بعينهم ومجدوهم وقدسوهم وطبلوا لهم ذهب الأشخاص وذهبوا معهم .
والذين تعصبوا للقبيلة ذهبوا وذهبت القبيلة.
والذين تعصبوا للدكتاتوريات اندثرت دكتاتورياتهم القوية وتهدمت قصورهم وسجونهم وذهبت سياط جلاديهم إلى الجحيم ولم يتبق سوى تأريخهم السيئ.
والذين تعصبوا للمنطقة أو العرق دارت عليهم الدوائر ..ولا دائم إلا وجه الله وحده.
ولا يتبقى على الأرض إلا الإنجازات النافعة والأثر الطيب والقيم العظيمة والنبيلة ..
كم قد مرت أمامنا من عظات وعِبر عَبر التأريخ لكننا لم نعتبر، ودائما نكرر نفس الأخطاء، وإن من أسوأ الأخطاء ما يصبغها المنتفعون والمتزلفون بصبغة القداسة أو صبغة الفعل الصائب ويلبسونها رداء الحكمة وتتجاهل أخطاءها القاتلة..
ألم نفكر يوماً من أين يأتي إلينا كل هذا الشرور والمصائب التي نسبح داخلها وكأنها حمم براكين متدفقة ؟
كل هذه الفتن والصراعات والحروب ماهي إلا ثمرة من ثمار أفكارنا المغلوطة والعقيمة وتعصباتنا العمياء ضد بعضنا ...
نحن بحاجة إلى أن نرسخ في مجتمعنا ثقافة السلام وثقافة المحبة.. ثقافة العيش المشترك، وأن نستفيد من قيمنا الدينية والوطنية والإنسانية، ومن التنوع الفكري والثقافي والتجارب الإنسانية الناجحة ومنها قيم العدالة والحرية والحقوق والمواطنة المتساوية والتعايش والإخاء والتعاون والتكافل من أجل إرساء استقرار سياسي واجتماعي حقيقي ودائم يهيئ البيئة المناسبة للتطور والتقدم والوصول إلى تحقيق الرفاهية والعيش الكريم للمواطن، نريد أن يتعلم أبناؤنا هذه القيم في أجواء علمية محايدة يسودها التعاون والتسامح والحرية والوطنية بعيداً عن الصراعات والأحقاد والمناكفات ماضيها وحاضرها وبعيداً عن التحريض وتوريث ثقافة الكراهية إذا أردنا فعلاً بناء جيل نظيف ومتعايش وخالٍ من التشوهات الفكرية وقادر على تحمل مسئولية بناء المستقبل .
|