استطلاع/ عبدالرحمن الشيباني - حثت حكومة صنعاء مؤخراً مجلس النواب في رسالة للمجلس بالموافقة على مشروع قانون " منع المعاملات الربوية "، وشددت الرسالة على ضرورة إقرار القانون، الذي ينص على ما أسمته تحريم المعاملات الربوية بكافة أشكالها الظاهرة والخفية في المعاملات المدنية والتجارية..
هذا الأمر أثار جدلاً واسعاً لدى المودعين ورجال الأعمال وكذا الخبراء الماليين الذين قالوا إن هذا الأمر سيشكل ضربة قاضية لما تبقى من القطاع الاقتصادي بشكل عام والمصرفي على وجه الخصوص، إذا ما تم إقرار هذا القانون..
إذاً كيف ستتعامل البنوك مع هذا القرار وتداعياته؟ وما أثر ذلك على الدائنين والمدينين.. وكيف سيتم التعامل بعدها مع المؤسسات المالية الإقليمية والدولية؟ وهل ستفعل الجوانب القانونية والاقتصادية والشرعية التي يمكنها حفظ الحقوق والمصالح والمراكز القانونية وأموال المودعين والمستثمرين والبنوك؟..
كل ذلك بحاجة لإجابات واضحة من قبل الحكومة..
أحد أعضاء مجلس النواب بصنعاء قال إن ما سيترتب على سريان هذا القانون إن مر بصيغته الواردة سيكون كارثة لانه سيؤدي إلى اغلاق البنوك وانهيار النظام المصرفي كاملاً.. "هذا يعني ان هناك إمكانية لتعديله" .. مشيراً إلى أن من وضع هذا المشروع لا يفهم، وليس له علاقة بالاقتصاد والنظام المصرفي ، لان هذا الأمر سيؤدي إلى أن يفقد مليون ومائتا ألف مودع مصدر رزق بالنسبة لهم ويعتاشوا عليه من فتات عوائدهم.. هؤلاء سيكونون مهددين بالجوع والمجاعة..
والودائع نفسها لن يستطيع أصحابها استعادتها إلا في إطار ما تسمى استراتيجية وطنية طويلة المدى.. وأردف قائلاً: "يعني الواحد سينتظر سنوات طوال ليستعيد وديعته".. مشروع قانون منع المعاملات الربوية أُحيل إلى لجنة مشتركة مكونة من اللجنة المالية ولجنة العدل والأوقاف، ولجنة تقنين الشريعة ولجنة الصناعة والتجارة.. فيما تم استبعاد اللجنة الدستورية، وهي اللجنة الأكثر اختصاصا من غيرها.. لماذا؟
مقامرة اقتصادية
في هذا السياق قال النائب احمد سيف حاشد إن" المشروع الجديد يلغي العمل بكافة الأحكام والقواعد في القوانين والاتفاقات الدولية المصادق عليها والمتضمنة جواز العمل بالفائدة الربوية بأي مسمى وردت" .. وحذر مما قد يترتب على هذه "المقامرات الاقتصادية" من آثار كارثية، قائلاً بانه "ربما تنهال الدعاوى على صنعاء في المحاكم الدولية، إذا مر مشروع القانون على النحو الذي ورد به"..
خبراء ماليون قالوا "انه في حال تمرير القانون الجديد الذي ينتظر موافقة البرلمان في صنعاء ، لن يكون بإمكان المصارف توليد الفوائد الا من خلال الاستثمارات، وقالوا إن المناخ الحالي في البلاد لا يكاد يتيح أي فرصة للاعمال والاستثمارات الجديدة وبالتالي لن تتمكن المصارف من تقديم أي تسهيلات ائتمانية للانشطة التجارية وان الملايين من الناس، لا سيما اصحاب المعاشات التقاعدية، يعيشون على الفائدة الشهرية المكتسبة من ودائعهم المصرفية.. هذه خطوة تتخذها السلطات في صنعاء على عجل لإلغاء الفائدة ستؤدي الى تقويض الثقة بالنظام المصرفي وستدفع العملاء الى سحب ودائعهم خشية ان يزداد تآكل قيمتها، الامر الذي سيثير الذعر والطلبات المفاجئة على المصارف التي لن تتمكن من تلبيتها بسبب نقص السيولة، ما سيجعلها تواجه خطر الافلاس والاغلاق.
حلول وبدائل
وكان مشاركون أوصوا - في حلقة نقاشية ، نظمتها وزارة العدل والغرفة التجارية الصناعية في أمانة العاصمة تم فيه مناقشة مشروع قانون منع المعاملات الربوية - بضرورة إحالة المشروع إلى لجنة قانونية واقتصادية وشرعية لدراسته على ضوء التجارب العربية والدولية وكذا إجراء دراسة بحثية متعمقة تطرح الآثار الحقيقية والعمل على تقديم المقترحات والحلول، وطرح البدائل القوية بما فيه تحقيق كافة المصالح للقطاعات المختلفة، سواء القطاع المصرفي او القطاع التجاري وبما يحقق توجه البلاد نحو تحقيق الاستقرار والاقتصاد الحقيقي.. وأشاروا إلى "ضرورة الأخذ في الاعتبار ملاحظات البنك المركزي اليمني قبل اتخاذ أي إجراء تجاه النظام البنكي والمصرفي، كونه المختص الأول وفقاً للقانون برسم وتبنّي وتنفيذ السياسة النقدية والإشراف والرقابة على البنوك والمؤسسات المالية والعمل وفقاً لمخرجات الورشة، التي نظمها البنك المركزي اليمني خلال شهر رمضان الماضي فيما يتعلق بهذا الموضوع.
تقييم واعٍ
"الميثاق "كانت قد طلبت من جمعية البنوك اليمنية التعليق على ما ورد في حيثيات هذا القانون إلا انها تحفظت على ذلك واحالتنا إلى نتائج اللقاء الموسع الذي تم عقده مع الاتحاد العام للغرف التجارية والصناعية بأمانة العاصمة ونشرت تفاصيله في الموقع الرسمي للجمعية قالت فيه "إن الوضع الراهن وما تواجهه البلاد من مشاكل ناتجة عن ظروف الحرب والحصار يتطلب التقييم الواعي والمسئول للمستجدات والخروج برؤية واضحة حول ما يتوجب عمله لمواجهة مثل هذه التحديات وبما يساعد على تحقيق استقرار القطاع المصرفي للنهوض بدوره الكامل في دعم الاقتصاد الوطني في إطار من الالتزام بالقوانين والثوابت الوطنية وبما يحقق المصالح العليا للبلاد.. وطالب المشاركون فى اللقاء " بضرورة التواصل مع الجهات العليا لشرح وجهة نظر القطاع المصرفي والتجاري من الآثار المترتبة في حال اعتماد واقرار هذا المشروع بحسب الخبر المنشور فى الموقع ،مشددة "على ضرورة العمل في اطار موحد لتقديم رؤية واضحة ومتكاملة للجنة المالية في مجلس النواب حتى تكون في الصورة ويكون لديها تصور كامل من جميع الجوانب.. وطالبت الجمعية والاتحاد العام للغرف التجارية بتنفيذ التوصيات التى خرجت بها حلقة النقاش التى نظمتها وزارة العدل بالتعاون مع الغرفة التجارية الصناعية بالأمانة والتي شملت الكثير من الايضاحات حول المشروع..
مصدر خاص قال لـ" الميثاق": هناك ترتيبات تجرى لعقد لقاء مع رئيس المجلس السياسى بهذا الخصوص لم يحدد بعد موعده..
مضاعفة القيود
المحلل الاقتصادي/ رشيد الحداد يرى أن مشروع قانون منع التعاملات الربوية المزمع مناقشته جاء في وقت غير مناسب خاصة مع استمرار الانقسام النقدي والمالي ومحاولات الحكومة التابعة لدول التحالف في عدن سحب المركز المالي من صنعاء من خلال الضغوط على البنوك لنقل مقراتها الرئيسة إلى مناطق سيطرتها ، مؤكدا "أن إقراره في الوقت الحالي سيضاعف القيود المالية على بنوك صنعاء وسيدفع البنوك للمغادرة إلى عدن .
وقال الحداد لـ " الميثاق: "كان هناك طلب من رئاسة الوزراء بسحب القانون من المجلس، وأعتقد أن القانون سيبقى في مجلس النواب حتى يتم إنهاء الانقسام..
واعتبر "ان أي إقرار له في الوقت الحالي سيكون له تداعيات سلبية متعددة على قطاع البنوك في صنعاء..
وأردف قائلاً: "الأفضل أن تتم إعادة النقاش حول التعاملات الربوية بعد الحرب مع إيجاد البدائل كالصكوك الإسلامية ، أو استخدام اذون الخزانة لتمويل الجانب الاستثماري في الموازنة حتى تتم إزالة شبهة الربا ، لأن هذه الآلية استخدمت لتمويل العجز في الموازنة خلال السنوات الماضية لتمويل النفقات وهو ما تسبب بتعطيل التنمية وتراكم الدين العام الداخلي إلى نحو 9 تريليونات ريال ، وتسبب بتقييد حركة البنوك التي تستثمر نحو 1.7 تريليون ريال في أذون الخزانة ، التأجيل هو الصائب ، خاصة وأن بنك صنعاء توقف عن صرف أي فوائد للبنوك منذ منتصف العام 2019م كما أن هذا القانون قد يعقّد ويضاعف الوضع الذي تعيشه البنوك منذ منتصف العام 2016م..
اختلالات وتجاوزات
المحلل الاقتصادي والمالي/ أحمد حجر أشار في حديثه لـ" الميثاق" إلى ان الدين الداخلي للجهاز المصرفي يعاني العديد من الاختلالات .. مضيفاً: ان هذا "زاد من الاشكاليات المترتبة عن عملية التحول من النظام القائم على اسعار الفائدة إلى النظام المتفق مع احكام الشريعة الاسلامية حيث يمثل الدين الحكومي ما نسبته (86٪) من اجمالي الدين المحلي ..
وأردف بالقول: "هذا يصعب من قدرة الدولة على سداد ديونها في حال مطالبة الدائنين سداد الحكومة لديونها وهذا عامل رئيسي في زعزعة الثقة في الجهاز المصرفي ما قد يدفع المودعين إلى التهافت على البنوك لسحب ودائعهم في ظل عدم قدرة البنوك على توفير الحد الادني من السيولة لدفعها ما قد يتسبب في فوضى مجتمعية كما في لبنان وتهافت لشراء العملة الاجنبية بل وتهريبها للخارج ما يزيد من ارتفاع اسعارها وبالتالي ارتفاع معدلات التضخم، هذا إلى جانب فشل العديد من البنوك بسبب ارتفاع نسبة عائداتها من قروضها للحكومة والتي تصل الى نحو(76٪)، إلى جانب قيام حكومة العملاء باستغلال الوضع وتقديم حوافز للبنوك وكبار شركات الصرافة لنقل مراكزها الرئيسية إلى المناطق المحتلة..
خطة علمية
ويضيف حجر قائلاً: "إن هذا الأمر قد ينزع الثقة بالوضع الاقتصادي الموجود ما يجعله يعزف عن الاستثمار"..
ودعا إلى "ضرورة وجود خطة علمية ومدروسة بعيدة المدى لعملية الانتقال التدريجي بالتزامن مع تهيئة كافة عوامل البيئة الاستثمارية الحافزة والجاذبة للاستثمار وخالية من الفساد إلى جانب توفر اكبر عدد ممكن من الدراسات الجادة والعلمية للجدوى الاقتصادية المتاح الاستثمار فيها وسياسات اقتصادية للحكومة مدروسة وعملية لإدارة الشأن الاقتصادي..
ونادى حجر فى ختام حديثه إلى "شراكة حقيقية بين الحكومة والقطاع الخاص في رسم وتنفيذ ومتابعة وتقييم السياسة الاقتصادية عامة وخطة التحول خاصة، تجنباً لأي نتائج سلبية خطيرة لذلك الأمر..
|