|
|
|
د/ علي محمد المنعي ❊ - من المعلوم أن الاتفاق قد جاء بناء على مبادرة صينية كنتائج لمخرجات القمة العربية الصينية والقمة السعودية الصينية المنعقدة خلال الفترة الماضية ولا شك أن أطراف الاتفاق وأهمها الصين تسعى لتحقيق أهداف جيواستراتيجية وجيو بوليتيك (جغرافية سياسية) في المنطقة بعيدا عن الهيمنة والتبعية الأمريكية السائدة على دول الخليج العربي.
وأهم ما قضى به ذلك الاتفاق كخطوط رئيسية تتمثل في الآتي:
1- عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول.
2- إعادة التبادل والتمثيل الدبلوماسي بين السعودية وإيران وبالتالي فتح سفارتي الدولتين والسماح بالسفر بينهما وذلك فترة مزمنة لا تتعدى شهرين من تاريخ توقيع الاتفاق في بكين الصين.
3- إحياء وتفعيل اتفاقية التبادل والتعاون الأمني الموقع بين السعودية وإيران عام 2021م.
وبالتالي تكليف وزيري خارجية الطرفين بالعمل على تمهيد وتحقيق تلكم البنود وبرعاية وضمانة صينية منفردة.
ولا شك أن الصين تمثل ضماناً دولياً مهماً لما لها من ثقل سياسي دولي وثقل اقتصادي بل والأهم كونها الصين من الدول العظمى ولديها قوة نووية ضارية.
هذه المعطيات هيأت لعقد الاتفاق السعودي الإيراني وتتمتع الصين بعلاقات اقتصادية جيدة مع السعودية وإيران.
ولا شك أن هذا الاتفاق قد تم توثيقه لدى الأمم المتحدة وبالتالي تم إضفاء الرسمية والشرعية الدولية على ذلك الاتفاق مما يجعله شبه ملزماً للطرفين بل ويعد جزءاً من القانون الدولي.
حيث إن القانون الدولي يتكون من مجموعة من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية والدساتير الدولية والبروتوكولات الدولية والأعراف الدولية السائدة ... إلخ.
وتعد هذه الاتفاقية جزءاً لا يتجزأ من القانون الدولي.
لذا فإن عنصر الإلزام قد نشأ وبالتالي فإن تخلف أي طرف من الطرفين قد يعرض الدولة المتخلفة عن تنفيذه لعقوبات دولية خاصة إذا ما طرأ صراع عسكري مباشر أو غير مباشر بين الطرفين.
وكتحليل سياسي لو تأملنا لمواقف وأهداف كل من طرفي الاتفاق على حدة فإننا نجد الموقف السعودي يهدف من تحقيق ذلك الاتفاق على سبيل المثال وليس الحصر إلى الآتي:
أولاً: الخروج بماء الوجه من مستنقع الحرب في اليمن خاصة وأن السعودية هي المتضررة من ذلك الصراع واستقطبت أكثر من ثمان عشرة دولة منذ بدء العدوان على اليمن في 26 مارس 2015م وتتكبد السعودية تريليونات الدولارات طيلة ثمان سنوات مضت ما بين النفقات العسكرية وشراء المواقف الدولية في أروقة الأمم المتحدة ودفع تكاليف الدعم الأمريكي والبريطاني اللوجيستي بل وشراء الأسلحة من معظم الدول المصنعة إن لم تكن كلها، ومازالت السعودية تتكبد وتدفع نفقات تلك الحرب والحصار على اليمن وبالتالي تدفع تكاليف الحماية الأمريكية لها براً وبحراً وجواً، خاصة مع اختلاف أمريكا لبعبع وفزاعة إيران وتصوير إيران بالعدو المتربص لغزو السعودية والاستيلاء على المقدسات والثروة السعودية بل والخليجية برمتها، وبعيدا عن الإحصاءات الرقمية للمبالغ التي تتكبدها السعودية في سبيل حماية أمريكا لها إلا أن ذلك الحال ملزم للسعودية وبقوة القانون الدولي الذي يقسم الدول ما بين تابعة ومتبوعة ودول حامية ودول محمية.. إلخ.
وأمام ذلك الوضع وتورط السعودية في حرب اليمن وتزعمها في العدوان عليه وتكبدها خسائر فادحة سواء على مستوى الصراع المسلح والمواجهات العسكرية المباشرة نجد السعودية قد تورطت مباشرة في الصراع العسكري وانهزمت في اليمن عسكرياً.
بينما كان دعمها للمعارضة السورية والعراقية لوجيستياً فقط عن طريق دفع مبالغ مالية لقادة المعارضة هناك أو تصدير العناصر والتنظيمات الإرهابية لإسقاط الأنظمة في سوريا والعراق والسودان ومصر وليبيا، وبالتالي فالاتفاق السعودي الإيراني جاء كطوق نجاة للجانب السعودي للخروج من الصراع اليمني بماء الوجه وهي مدركة أنها في اليمن لم يعد لها ماء ولا وجه.
بل أصبحت وبقوة القانون الدولي ملزمة بإعادة إعمار اليمن وبنيتها التحتية وتعويض الشعب اليمني عن العدوان الغاشم طيلة ثمان سنوات. وتتبقى الدماء قائمة فالحق في التصرف بدماء الشهداء اليمنيين هم أولياء دماء الشهداء دون غيرهم.
ثانياً: جاء الاتفاق السعودي الإيراني منقذاً للسعودية أتاح لها التمرد عن الهيمنة الأمريكية خاصة والوضع الاقتصادي الأمريكي موشك على الانهيار لعدة عوامل ليست موضوعنا هنا إلا أن أهمها الحرب الروسية الأكرانية وإخفاقات أمريكا في توحيد الموقف الدولي ضد روسيا.
وتفوق الصين وروسيا وأطراف من الاتحاد الأوروبي في تشكيل تحالف ضمني ألحق بأمريكا أضرارا سياسية واقتصادية بالغة واتجاه معظم دول العالم نحو روسيا والصين لإقامة نظام دولي جديد بعيداً عن الهيمنة الأمريكية.
ولا يخفى أن الأزمة المالية العالمية الطاحنة التي سادت العالم عام 2008م وأفلست الخزائن النقدية الأمريكية وعلى إثرها تم افتعال تفجيرات منهاتن بنيويورك أمريكا وإلصاق تلكم التفجيرات لبرجي التجارة الدولي 11 سبتمبر 2009م بتنظيم القاعدة، بل واعتبار العناصر معظمها سعودية وتحميل السعودية تبعات ذلك بإصدار قوانين ضد السعودية.
تلكم التفجيرات المفتعلة قد أتاحت لأمريكا غزو أفغانستان والعراق واستحلبت أمريكا أموالاً طائلة بل وقوات عسكرية من عدد هائل من الدول الشرقية والغربية وشكل ذلك الوضع انفراد أمريكا بسيادة العالم بل أصبحت شطري العالم بلا منازع ودخلت السعودية تحت المظلة الأمريكية كدولة محمية من دولة أمريكا الحامية مقابل أموالاً طائلة تدفعها السعودية لأمريكا من عوائد البترودولار وحتى الآن.
فضلاً عن صدور قوانين أمريكية ضد السعودية بشأن أحداث 11 سبتمبر 2009م وبالتالي فإن وشوك وقوع أمريكا في أزمة مالية قريبة بدأت مؤشراتها تلوح في أفق اقتصاد العالم، ولتتخلص السعودية من ذلك الوضع هرولت للموافقة على الاتفاق وذهبت إلى بكين لتوقيعة مخيرة وليست مسيرة.
ثالثا: تهدف السعودية من توقيع الاتفاق لخلق بيئة اقتصادية آمنة تكرس الرؤية الاقتصادية لمحمد بن سلمان المسماة (2030) واستقطاب الشركات العالمية متعددة الجنسية لفتح مكاتبها في الرياض ومدينة (نيوم) وسحب البساط عن دولة الإمارات وتحديداً (دبي) وإحلال السعودية محل الإمارات في الاستثمار وتصدر المشهد الاقتصادي في المنطقة. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى يعد النظام السياسي في السعودية مهلهلاً وعلى وشك الانهيار وذلك لانقلاب عائلة سلمان على العائلة السعودية المالكة، واختزال العرش في أسرة سلمان وأولاده فقط بعيدا عن وصايا المؤسس عبدالعزيز آل سعود بتوارث الحكم بين الأخوة الخلف قبل السلف.
وأمام هذا الوضع أصبحت الأسرة السعودية المالكة ناقمة على سلمان وأولاده ومستعدة للانقلاب على الوضع واسقاط سلمان وأولاده.
فضلاً عن الشغف السعودي (شعب نجد والحجاز) الناقم على النظام السعودي من تردي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع الأسعار وعدم زيادة الأجور ناهيكم عن الطبقة الدينية وهيئة الأمر بالمعروف وعلماء الدين في السعودية الناقمين على سياسة سلمان المنفتحة التي حرمت الحلال وحللت الحرام في نظرهم.
كل تلك العوامل جعلت الاتفاق السعودي الإيراني مفيداً للسعودية ومكسباً أكثر من المكاسب الإيرانية.
فالمعطيات السياسية والاقتصادية والهيمنة الأمريكية جميعها قد جعلت من الاتفاق طوق نجاة للنظام السعودي.
* ما أهداف إيران من توقيع الاتفاق؟
أولاً: للتخلص من الضغط الدولي بشأن ملف إيران النووي.
ثانياً: لإخماد الأزمة السياسة الداخلية والمظاهرات الشعبية.
ثالثاً: لتجنب الضربة العسكرية الإسرائيلية المحتملة التي توشك إسرائيل على شنها من القواعد في أذربيجان.
رابعاً: لتحجيم الدور الأمريكي في المنطقة وخلق تحالف روسي صيني كوري إيراني هندي يوازن حلف الناتو.
خامساً: لإنعاش الاقتصاد الإيراني وتصدير النفط والتخلص من الحظر الأمريكي وتجنب أي عقوبات مستقبلية بضمانة صينية.
سادساً: التقارب مع الصين لإعمال النهج السياسي القائل (عدو عدوي صديقي) وفتح آفاق سياسية واقتصادية وعسكرية مستقبلية مع الصين.
* ماذا تريد الصين من رعاية الاتفاق وضمانته؟!
أهم ما تهدف الصين إلى تحقيقه الآتي:
أولاً: تأمين الخط التجاري الدولي طريق الحرير وبالطبع تأمين مضيق باب المندب ومضيق هرمز وهذان المضيقان تطل عليهم اليمن وعمان وإيران وغيرها وهما شريان رئيسي لطريق الحرير التجاري.
ثانياً: انفراد الصين بتزعم التجارة الدولية وخلق أسواق جديدة في الخليج العربي والمنطقة برمتها.
ثالثاً: تكريس نتائج القمة الصينية العربية ولإبراز دور الصين في السياسة الدولية والعلاقات الدولية وخلق تحالف جديد روسي صيني كوري هندي وبالطبع استقطاب العرب المخزون الاقتصادي النفطي للعالم بأسره.
* الموقف الأمريكي من الاتفاق:
رحبت الإدارة الأمريكية بالاتفاق بصورة غير واضحة زاعمةً أنها على إطلاع وهذا التصريح ليس الآمن قبيل القول (نحن هنا) فقط.
وإلا لما وقع الاتفاق في بكين وبرعاية وضمانة صينية.. هذا وجدير بالإشارة إلى أن الإعلام الرسمي الأمريكي قد برر لجوء السعودية لتوقيع الاتفاق إلى محاولة خروج السعودية من مستنقع الحرب في اليمن بعد تورطها فيه طيلة ثمان سنوات، ومن ناحية أخرى وكتحليل سياسي نرى أن أمريكا ستقف موقف المتربص وقد تسعى إلى إفشال الاتفاق عن طريق اشعال المنطقة بالحروب وتوجيه ضربة عسكرية لإيران من القواعد العسكرية الأمريكية الصهيونية في أذربيجان لتجنب المضادات الروسية المتواجدة في روسيا والنزاعات أوعز إلى ذلك الكيان الصهيوني مؤخرا.
وبالتالي في حالة ضرب إيران فإن المنطقة ستشتعل والخليج وبالذات السعودية ستكون المتضرر الأكبر من هذا الصراع مما يشكل مصدراً مهماً للتكسب الأمريكي في المنطقة.
فهل تتخلص السعودية من مطرقة أمريكا وسندان إيران.. لا شك أن النظام الأمريكي لديه وسائل ضغط مازالت سارية المفعول لاستحلاب المال السعودي وآخرها تفعيل القوانين الأمريكية والأحكام القضائية الصادرة ضد السعودية بشأن تفجيرات 11 سبتمبر وتورط قيادات سياسية سعودية في ذلك الفعل الإرهابي (المفتعل).
وخلاصة القول أن أمريكا لن تدع السعودية وشأنها وتحاول تفعيل الاحتواء المزدوج الذي أثبت فشله في سياسة احتواء العراق وإيران في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي وأسفر الفشل عن احتلال أمريكا للعراق عسكرياً.
* الموقف اليمني:
لا شك رحبت صنعاء بالتقارب والاتفاق من منطلق »إنما المؤمنون إخوة« ولضمان عدم التدخل في الشؤون اليمنية الداخلية وعدم المساس بالسيادة اليمنية.
كما أن مزعوم حكومة الشرعية الإخوانية رحبت واعتبرت الاتفاق السعودي الإيراني يمثل دخولاً لإيران في الإسلام بعد أن كانت في نظرهم دولة مجوسية معادية للإسلام و(يا للنفاق)؟!!
وفي الختام
يجب الحذر وعدم الاتكال أو التعويل منا نحن في الجمهورية اليمنية فلا علاقة لنا بإيران ولا علاقة لنا بالسعودية سوى أن السعودية دولة معتدية على اليمن ولن تفلت من عقاب عدوانها طال الزمان أو قصر بالقانون أو بالقضاء أو بالقوة.. إلخ.
فما ضاع حق وراءه مطالب والأيام دول والحرب سجال، كر وفر.
ومن المعلوم للعالم أجمع أننا في اليمن في موقف دفاع وما زلنا في موقف دفاع عن أرضنا وسيادتنا اليمنية ضد عدوان غاشم قادته السعودية وأمريكا منذ ثمان سنوات وحصار مازال مستمراً لليوم بصورة مخالفة للشريعة السماوية والقوانين الدولية ولم نعلن حالة الحرب حتى يومنا هذا.
ولكننا في اليمن صامدون ومستعدون لأي وضع مستقبلي سلماً أو حرباً.
وإن غداً لناظره قريب
الرحمة والخلود لشهداء اليمن الأبرار
والشفاء للجرحى
والحرية للأسرى والصمود للشعب اليمني
»ولينصرن الله من ينصره«
تحيا الجمهورية اليمنية صامدة أبية عصية
❊ محام وناشط حقوقي |
|
|
|
|
|
|
|
|
تعليق |
إرسل الخبر |
إطبع الخبر |
معجب بهذا الخبر |
انشر في فيسبوك |
انشر في تويتر |
|
|
|
|