استطلاع/ عبدالرحمن الشيباني -
فى كل سنة دراسية جديدة يتكرر غياب الكتاب المدرسي عن الطلاب، وتبقى هذه القضية دون حلول من قبل وزارة التربية والتعليم ومكتب التربية بالأمانة والمناطق التعليمية الأخرى في المديريات، ولا يبدو أن هذه الجهات في وارد وضع حلول تمكن الطالب من الحصول على الكتاب بيسر وسهولة ، مما يدفع الكثير من الاُسر اليمنية للذهاب إلى "السوق السوداء" والأرصفة للحصول عليه بعد تيقنهم
أن لا جدوى من الانتظار..
يتخوف أولياء الأمور من تدني مستويات التحصيل العلمي لأولادهم إذا لم يحصلوا على الكتب المدرسية، وهو تخوف له ما يبرره وهي حقيقة لا يمكن إنكارها واضحت شاخصة للعيان، وهي لعمرى احدى الإشكاليات التي يعاني منها التلاميذ سواء في المدارس الحكومية أو حتى الاهلية ، لعدة أسباب منها عزوف المعلمين عن الالتحاق بالمدارس الحكومية والتدريس فيها والذهاب إلى المدارس الخاصة لتحسين مداخيلهم نظرا لانقطاع الرواتب وهذا الأمر الذي لم يحدث في أي بلد في العالم إلا في اليمن أن يبقى المعلم بدون مرتب طوال ثمان سنوات تقريبا ، ليبقى السؤال : لماذا الكتاب المدرسي يختفي في مخازن المدارس الحكومية ويظهر في المدارس الأهلية وبطباعة فاخرة ويوزع تقريبا في نفس اليوم الذي يبدأ فيها الدراسة؟ بينما يُضل طريقه للطالب ويجبر بأن يدفع 500 - 1000 ريال للحصول عليه وبطبعة غير جيدة (مصورة ) فأين مجانية التعليم؟!..
طبعاً هذا يحدث في أمانة العاصمة فما بالك في بقية المحافظات الأخرى وهي بالطبع نتيجة طبيعية لتداعيات الحرب والحصار والعدوان على بلادنا ، لكن هذا لا يعفي الجهات المعنية من أن تتحمل مسؤولياتها تجاه الأجيال، ويحب أن تضع حلولا ناجعة ،خصوصا ان هناك دعم يأتي من منظمة اليونيسيف وغيرها من المنظمات في دعم طباعة الكتاب المدرسي، والمفترض أن يعود هذا الدعم ايجابا على عملية طباعة الكتاب وتوفره لا العكس، وهذا يشير إلى خلل ما وانعدام الشفافية في تحصيل هذه الأموال والكيفية التى يتم صرفها..
أرقام تتكلم
المدير التنفيذي لصندوق دعم المعلم والمؤسسة العامة لمطابع الكتاب المدرسي حسين عامر جبل أكد مطلع الأسبوع الماضي أنهم بدأوا في برنامج ترحيل الكتاب المدرسي لمكاتب التربية بالمحافظات ضمن خطة طباعة "17 مليون و 282 الفاً و 417 كتاباً"، سيتم توزيعها على عموم المدارس. وأكد المدير التنفيذي للصندوق حسين عامر جبل، أن مطابع الكتاب بدأت بترحيل أربعة ملايين و 77 ألفاً و 109 كتب مدرسية،وأوضح جبل أن "عملية الترحيل تتم وفقاً للكشوفات التي تم رفعها من مكاتب التربية بإجمالي عدد الطلاب بمدارس المحافظة"، لافتا إلى أن مساعيهم الحد من بيع الكتاب المدرسي في السوق السوداء.
السؤال هل ستختفي السوق السوداء جراء هذه الخطة والمساعي التى يقول أنها ستحد من بيع الكتب المدرسية في السوق السوداء ؟ وهل يكفي هذا العدد من الكتب لتغطية العجز؟!..
كتب ناقصة
يجيب الاستاذ محمد الاسود فيقول طالما سمعنا مثل هذا الكلام لكن في كل سنة تبقى السوق السوداء كما هي.. ويضيف الأسود "تربوى "فيقول "أحد المسؤولين طلع علينا يقول أن 50٪ من الكتب المطلوبة يتم طباعتها وهذا يعني أن الناقص منها ستكون على المواطن الذي عليه ان يشتريها من السوق السوداء فكيف يمكن ان نقضي على السوق السوداء اذاً، إضافة إلى أن الكتب التي توزع ليست كاملة فهناك من يستلم 5 كتب والبعض الآخر 3 أو 4 لا حل سوى توفير كل الكتب وتوزيعها على كل الطلاب..
ويستطرد الأسود قائلاً "هذا الأمر ،يصعب على المعلم أداء واجبه لانه يُجبر على كتابة الدرس كله في السبورة لان بعض التلاميذ لا يحصلون على الكتاب المدرسي كله اسوة ببعص زملائهم ،وهذا يُحدث ارتباك ويأخذ وقت، ناهيك عن أن الاختبارات مركزية وعلى المعلم إكمال المنهج المقرر الذي عليه كيفما كان، وحتى الكتب القديمة لا يتم الاستفادة منها ،كما أن هناك تعديلات تتم وهذا ما يحدث كل سنة تقريباً..
مستوى متدنٍ
بدورها ام سلوى تقول لـ "الميثاق" أنها دفعت لبناتها الثلاث ما يقارب 36 الف ريال قيمة كتب فى إحدى المدارس الخاصة بمعدل 12 الف ريال للواحدة وهذا غير التسجيل واللوازم المدرسية الأخرى بالطبع..
وتضيف : " لقد تحول التعليم إلى تجارة رابحة لاصحاب المدارس الخاصة التي لا تراعي ظروف الناس وليت الأمر يصب في مصلحة الطالب بتحسن مستواه العلمي، لذلك نقوم نحن بمتابعته عبر دفتر المتابعة الذي يصرف لهم من قبل المدرسة..
قيمة فكرية
بدوره يعود الأستاذ علي عبده سالم للوراء ويشير إلى أن الكتاب مثل قيمة فكرية ووطنية قبل أن يكون تعليمية.. ويضيف"كان الطالب اليمني في السابق حريص على الكتاب الذي كان يعتبره جزءاً من حياته حيث كان يقوم بتغليفه أول ما يحصل عليه واتذكر كنا في الثمانينات نقوم بتغليفها بأوراق المجلات المصورة التي تصلنا من دول الخليج خصوصا الكويت حتى لا تتعرض للتلف، وكذلك الكراسات وتظل هكذا طوال السنة جديدة يستفيد منها الآخرون بالرغم أن الكتب كانت حينها متوافرة وتوزع مباشرة .. كانت هناك حميمية خاصة للكتاب خلال سنوات الدراسة نفتقدها اليوم..
غضب واحتجاج
ليست المناطق التي تقع ضمن تحالف العدوان أحسن حالا فهي تكاد تكون الأسوأ مقارنة بما يحدث في صنعاء لدرجة أن الحكومة الموالية للعدوان تريد طباعة الكتاب المدرسي في الخارج وكان الأحرى بها أن يتم إعادة العمل بمؤسسات طباعة الكتاب المدرسي في عدن وحضرموت وهما قادرتان على طباعة الكتب ، إلا أن ذلك لا يتم نتيجة الفساد المكشوف، الأمر الذي أثار سخطاً واسعاً من قبل العاملين في المؤسستين كونه يعد انتهاكاً لقرار إنشاء المؤسسة رقم (232) الصادر لعام 1992م ومخالفاً لحقوقها الملكية لطباعة الكتاب المدرسي في إطار المؤسسة العامة لمطابع الكتاب المدرسي التى من المفترض أن تقوم بالطبع..
الهروب للخارج
عدن كانت قد شهدت وقفة احتجاجية لعمال مؤسسة مطابع الكتاب المدرسي احتجاجاً على تردي أوضاعهم المعيشية وعدم تسلم رواتبهم .. وأشار بيان صادر عن وقفة للعمال إلى أن الحكومة (الموالية للتحالف) مولت طباعة الكتاب المدرسي للعام الدراسي هذا العام بمليار ريال يمني فقط، صرف منه 75٪ لشراء مدخلات الإنتاج استعداداً لخطة العام الجديد والباقي التزامات متنوعة، بينما العقد ينص على تمويل طباعة الكتاب المدرسي بأربعة أقساط متساوية، وأكد البيان أن حكومة ما تسمى بالشرعية ملزمة في النصف الأول من العام بتمويل طباعة الكتاب المدرسي بنحو 4 مليار ونصف المليار من إجمالي (المعتمد 9 مليار ريال في الموازنة)، مع العلم أن كلفة طباعة 28 مليون كتاب هو (الاحتياج السنوي)، تبلغ 25 مليار ريال يمني - وفقًا للبيان الذي قال إن - الحكومة مولت فقط بـ3 مليار ونصف فقط في العام المنصرم وتوقفت المؤسسة عن العمل..
حقوق مشروعة
وعلى ضوء ما سبق يجب على الدولة أن تتحمل تكاليف التعليم الرسمي وتتولى إدارته بالشكل الصحيح وللأسف نحن ما زلنا نتحدث عن بديهيات وليس على اساسيات فيما يخص التعليم ، ويجب أن يدرك الجميع ان التعليم هو الركيزة الأساسية لتحقيق نهضة اجتماعية واقتصادية شاملة وخلق جيل واعٍ وقادرٍ على النهوض بمستقبل الوطن، والدول الطموحة هي تلك التي تضع قضية النهوض بالتعليم على أولويات برامجها وسياساتها ولا يجب أن تتهرب من مسؤولياتها ، يعنينا كثيراً طلابنا وفلذات أكبادنا في ان ينعموا بجو تعليمي دون منغصات في كل جزء من وطننا اليمني الواحد والكبير وان يحصل المعلمين والمعلمات على حقوقهم وهذه إحدى الخطوات الأولى لانتشال التعليم من وضعه الذي أصبح لا يُحسد عليه.
| 
الكتاب المدرسي في الأرضفة والسوق السوداء.. من المسئول؟
