علي أحمد مثنى - * ثورة الـ26 من سبتمبر1962م المجيدة بنظامها الجمهوري واهدافها الستة العادلة والمشروعة ، ثورة إنسانية وطنية يمنية تحررية من الاستعباد والاستبداد ، والاستعمار ، وإلغاء نظام الرق والعبودية والرهائن والتمايز الطبقي ، والتطلع لتأمين الحريات والأمن وتكافؤ الفرص بالعدل والمساواة للجميع .
* سبتمبر الجمهوري ثورة حتمية لفك قيود انعزال اليمن عن العالم وصحوة ضرورية استجابت لدعوة مقتضيات إنقاذ اليمن والشعب من التعثر والانقراض ليتواصل مع ماضيه الحضاري التاريخي العريق ، ومشروعية حق تأمين حاضر ومستقبل اجيال متعاقبة لا تعرف الشيء الكثير عن مظلمة الأجيال السابقة ، وكم كانت المحاولات والوسائل والتضحيات الكبيرة من مختلف شرائح المجتمع اليمني وطلائع علمائه ومثقفيه وضباط وصف وجنود الجيش والأمن ..وقوى تطوعية وطنية تحررية.. الخ ، وحتى تعرض النظام الملكي الإمامي للتذمر من عقلاء اسرته وعشيرته وانسابه ولم ينجوا الجميع من مظالمه بكل صنوفها ووسائلها..
* ثورة سبتمبر الخالدة جاءت للتغيير بوسيلة *النظام الجمهوري الذي كان ومازال السبيل الوحيد لينهى الانعزال والركود وبؤس الحياة، بتسلط نظام إمامي خالف وتمرد على شروط من يتولى الحكم بمعياره المذهبي ، وهو الأمر الذي جعل اليمن معزولاً متخلفاً عقوداً عدة عما انجزته الإنسانية من تطور ورفاهية خلال القرن العشرين بالثورة العلمية ، الصناعية ، التكنولوجية، الزراعية ، السياسية ومختلف الخدمات والرعاية الاجتماعية والصحية.. الخ ، وكما هو معلوم هذه الثورات اختصرت الزمن قروناً للأمام ونوعت البدائل لتحسين حياة الناس وحرياتهم واختياراتهم ، وأنهت كافة المحبطات والقيود الصعبة الطبيعية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية بالعلم والمعرفة والبحث العلمي التطبيقي ، والتفكر العقلاني المنطقي الذي يعتبر في ديننا الحنيف فريضة إسلامية ، للتخلص من كل أغلال الموروثات السياسية والتعصب الديني والمذهبي والعرقي بنجاعة التداول السلمي للسلطة يُنتخب الحكام بالإرادة الشعبية ويخضعون للمساءلة إن اخطأوا وفقاً للقانون ونزاهة واستقلال القضاء، فتحقق الاستقرار وتسارعت خطى الازدهار في كثير من بلدان العالم تجاوزت به كل العثرات السلبية المعيقة.
*عزلة داخلية وخارجية عن العصر
- عاشت اليمن وشعبها واغلب حكامها خلال فترات حكم الإئمة بكل المسميات والألقاب والمناطق الجغرافية والتسلط بالغلبة غالباً في تنافس وصراعات بينية لتولي الحكم وكلاً يدعي أحقيته ، الأمر الذي كلف وأنهك الوطن والشعب الكثير من الخسائر البشرية والمادية ، وقتامة الحياة اضافة الى صعوبة التضاريس ، ووعورة الطرق والنقل ، كانت من اسباب حالات عزلة المناطق الداخلية عن بعضها البعض ، وفي ذات الوقت عزلت اليمن والشعب عن العالم الخارجي ، وحقه الطبيعي بحياة يستحقها ، ويتفاعل مع بلدان وشعوب العالم في مختلف شئون الحياة (التعليم ،الصحة المواصلات والاتصالات التجارة.. الخ).
*تمددت حالة الانعزال ايضاً الى الفقه الديني والمذهبي بتشريع استبدادي عرفي متوارث بين الأئمة، غالباً لا يتيح للناس إمكانية الاطلاع على علوم وانتاج علماء المذاهب الإسلامية الأخرى واجتهاداتهم الفقهية او ما تصدره المطابع ودور النشر في مختلف العلوم والأدب ، وكل ما يتعلق بثقافة التحرر ، ومقاومة الاستبداد والاستغلال والاستعمار إلا فيما ندر وهو مماثل كل المعتقدات المتعصبة التي تتناغم وتتحالف مع الحكام والوهابية اقرب مثال لذلك ووفقاً لقاعدة (بالملك يقوى الدين وبالدين يبقى الملك)..
*وعن اوضاع حالات العزلة بكل تنوعاتها.. نقتبس من كتابات واقوال رجال عاشوها وناضلوا من اجل السعي لفتح اقفال ابوابها بكل الوسائل المتاحة والممكنة ونلخصها فيما يلي :-
*المؤرخ والسياسي الكبير أ.د/ عبدالله حسين العمري - أطال الله عمره- يذكر في كتابه (يمانيات) ..الإمام يحيى حميد الدين قد (بلغ من العمر 65عام) لم يغادر صنعاء منذ دخلها حتى مقتله ..بل انه لم يعرف البحر!! وكانت علاقاته بالخارج متميزة بالحذر الشديد وطبيعته الاستبدادية والفردية محور كل صغيرة وكبيرة رغم كفاءة من استعان بهم وجلهم من العثمانيين الذين فضلوا البقاء ، ومن عرب بلاد الشام.. وهي في الحقيقة تقاليد نظم الإمامة والخلافة اين كان وارثها
* المرحوم أ. يحيى محمد بهران
قال: ثورة الـ26 من سبتمبر19662م استعادت اليمن الذي كان خارج المعادلة الحضارية والتاريخية والإنسانية والعصر معزولاً عن العالم ، وكان يعتقد معظم الناس انه البلد الوحيد على الكرة الأرضية وبجواره فقط الحجاز مكة والمدينة المنورة
* المرحوم أ.د. ابوبكر السقاف يقول عن العزلة الفكرية والدينية وكان النقد الإيجابي الفقهي يتعارض مع حالة القداسة للإمام والتي تنص على من انتقد الإمام بقلبه منافق ، ومن انتقده بلسانه فمخطىء ، ومن انتقده بيده فمحارب (مجلة الكلمة يونية 1976م)
* أ.د علي محمد زيد
يقول في كتابه (الثقافة الجمهورية في اليمن) :إن من حق الجمهورية على الجيل الذي فتحت له باب الأمل والنجاة من الغرق في غياهب العزلة والانغلاق ، واخرجته من ظلام القرون الغابرة يتمسك ببصيص من نور القرن العشرين ان يدافع عنها ويستعرض الأحوال التي جعلت منها عملية قيصرية ضرورية لإنقاذ شعب اليمن من الاضطهاد والانقراض خلال فترة مملكة الظلام كما اسماها ..
*القطاع الزراعي : يذكر المرحوم العلامة السوري احمد وصفي زكريا وكان مستشاراً للإمام يحيى في كتابه : (رحلتي الى اليمن) معيشة اليمنيين قائمة على الزرع والضرع وزراعتهم حد الكفاف وكان لتهاون كبراء اليمن بإصلاح مرافق اليمن عامة والزراعة خاصة اثر كبير في هذا.. والفلاح اليمني اشقى فلاحي العالم لكثرة كده ونقص العناية بأمره.
*شهادات عن عزلة اليمن ماقبل ثورة 26 سبتمبر1962م
- تحدث عدد من شهود عيان ومن مناضلي ثورة سبتمبر 1962م شاركوا في ندوة نظمها مركز البحوث والدراسات اليمني في الذكرى الـ17 لثورة سبتمبر الخالدة ومن مواضيع نقاش الندوة (مظلمة وعناء العزلة التي كان يعيشها اليمن وشعبه خلال الحكم الإمامي الملكي، وقد ادار الندوة رئيس المركز حينها أ.د. عبدالعزيز المقالح يرحمه الله ..وتم توثيق كافة محاور وموضوعات الندوة في كتاب بعنوان (دراسات وشهادات للتاريخ (طبعة 1982م) ومن مداخلات واقوال بعض من شارك في نقاش الندوة.. والغالبية منهم قد انتقلوا الى رحمة الله تعالى نسأل الله لهم الرحمة والمغفرة نوردها بأسماء وأقوال اصحابها فيما يلي : * القاضي محمد السياغي: لقد خرج المواطن اليمني بعد الثورة من القمقم وبدأ يشارك في صنع وطنه بإبداع وثقة.
* القاضي احمد الصرفي: اظهرت ثورة 26 سبتمبر اليمن عالمياً واحتلت اليمن مكانها في الأسرة الدولية
* الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر: أهم ما حققته الثورة هو النظام الجمهوري والانفتاح على العالم وكسر العزلة التي احاطت باليمن وفتح الابواب امام المشاريع.
* د.محمد أنيس: كانت اليمن غائبة عن المشاركة في القضايا العربية.. فأصبحت اليمن جزءاً مهماً يُحسب حسابه.
- أ.عبدالله الوصابي : إن الثورة بكسرها سياج العزلة التي كانت مفروضة على اليمن أدت الى التفاعل مع روح العصر وتجاوز حالة الركود والسكينة.
- الخلاصة : الثورة اليمنية ومبادئها.. ثورة إنسانية عادلة تطلب فقه الضرورة الدينية والاخلاقية والإنسانية والوطنية حتمية الانتصار لها، وتجسيد القيم النبيلة بالهدف الاول للثورة الذي ينص على : (التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما واقامة حكم جمهوري عادل وازالة الفوارق والامتيازات ببن الطبقات)، هذا من قِيَم الدين الحنيف ، وقول من ارسله الله رحمة للعالمين سيدنا محمد عليه وعلى آله واصحابه افضل الصلاة والسلام؟ او كما قال ...(لافضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى والعمل الصالح...)
-يقول المرحوم القاضي عبدالرحمن الإرياني :
- ليس في الدين سيد ومسود..
فقرأوه وحققوا قرآنه
- إن دين الإسلام دين التساوي ليس فيه تعاظم واستكانة
- يقول حكيم اليمن وشاعرها الفذ المرحوم أ.عبدالله البردوني
- يارؤى الليل ياعيون الظهيرة
هل رأيتن موطني والعشيرة
- هل رأيتن يحصبا أو عسيرا
كان عندي هناك أهل وجيرة
- يارؤى... يانجوم اين بلادي؟
لي بلاد كانت بشبه الجزيرة
* يقول الشاعر الوطني الكبير المرحوم أ. عبدالله عبدالوهاب نعمان
- أتى الخير إلى هاماتنا ...
لاثماً منا انوفا وجباها
- واستعار المجد من قاماتنا...
قامة لم يعطه طولاً سواها
- تعيش وتحيا الجمهورية اليمنية بوحدتها المباركة بلا وصاية او تبعية كاملة السيادة والاستقلال.. والسلام والرحمة لكل من قدم مجهود نضالياً وجهد وتضحية ودعماً مادياً ومعنوياً.. وسيبقى نبض قلبي يمنياً
|