د. عبدالوهاب الروحاني - لأنك تمتهن الحرف وتصنع الكلمة فأنت صاحب قضية .. ولأنك تكشف حقيقة القتلة والمغتصبين والطغاة فأنت تصنع الامل والحياة.. ولأنك تؤمن بالكلمة وتقاتل بالكلمة فأنت بالتأكيد محل استهداف..
الكلمة الصادقة والموثقة موجعة، ليس فقط لانها تكشف الحقيقة وانما لانها تصنع الحدث ايضاً، وبها تتغير المواقف .. ومن هنا يأتي تركيز جيش الاحتلال الصهيوني على استهداف الصحفيين في حروبه واقتحاماته ضد الفلسطينيين ..
منذ اليوم الاول لحربه الهمجية ضد المدنيين العزل في غزة، وبعد كسر اسطورة "الجيش الذي لا يُقهر" في7 اكتوبر دمرت غارات الاحتلال (67) مؤسسة اعلامية في غزة، وقتلت اكثر من 48 صحافياً؛ حينما يستهدفون الصحفيين لا تستهدفونهم في الميدان فقط وانما في منازلهم ايضاً، ويقتلون اطفالهم ونساءهم كما فعلوا مع محمد الجاجة، ويحيى أبو منيعة، ومحمد أبو حصيرة، وكما فعلوا مع الدحدوح.
الكلمة الطلقة
قتلوا زوجته، وقتلوا ابنته وابنه وحفيده.. وحينما وصله الخبر استقبله وهو متماسك كالجبل في قلب الحدث .. في قلب غزة التي تواجه ابشع انواع النار والدمار .. يقاتل بالكلمة ويفضح من الميدان جرائم الحرب الاسرائيلية، التي تتم بتصريح وتشجيع غربي وتمويل عربي.
تجهز الرجل وجهز أهله للوداع الاخير، فكفَّنهم بيديه، وصلى عليهم ودفنهم راضياً محتسباً.. ثم قال وائل الدحدوح وهويقف على جثامين اقرب الناس اليه "بينتقموا منا بأولادنا .. معليش".. !!
و"معليش" الكلمة الملحقة قالها وائل، وربما عنت الكثير .. عنت ان الامة قد ماتت بصناديق انظمتها.. وان الارض تتكلم مقاومة، وان الفلسطيني هو الارض وهو الانسان، وهو الامة التي لا تزال تتكلم عربي..
شعب الجبارين
وائل، الصحفي الفلسطيني ضرب أروع الامثلة في الشجاعة، والنضال، والوفاء لقضية شعبه ووطنه حينما قرر ان يعود مباشرة الى ساحته .. حيث الكلمة الطلقة بمجرد ان القى اخر نظرة وداع لزوجته واولاده.
حينما استهدف النازيون احد احياء غزة وعاثوا فيه قتلاً وتدميراً.. كان وائل ينقل للعالم الحقيقة من موقع الحدث فأرادوا اسكات صوت الرجل.. فقد كانت حقائق الموت على الارض تترجمها وتنقلها على الهواء كلمات الدحدوح.
الطفل والرجل والمرأة الفلسطينية ووائل، وجاجة، وابو خصيرة ومنيعة نماذج حية لشعب الجبارين .. يتحدون في الميدان ويقولون بأعلى اصواتهم:
نحن على تراب أرضنا باقون ولن نغادرها.. وان قتلتم فلذات أكبادنا، وهدمتم بيوتنا، وقطعتم عنا الغذاء والكهرباء، والماء، والدواء.
دمنا فلسطيني وأرضنا عربية وان خذلنا اهلنا، نحن باقون وان قتلتم، ودمرتم، فسنحيا وسنعمر ولن نموت.
هذا هو شعب الجبارين ..
صابر بلا يأس .. يقاوم بأمل.. ويواجه ببسالة ابشع انواع مجازر الابادة الجماعية في التاريخ ..
يقاوم ارهاب الدولة منذ 75 عاماً.. وسينتصر حتماً.. وإن خذله أهله.
|