أ . د / محمد حسين النظاري * - لم يكذب من قال إن المحتل مهما طالت سنوات احتلاله فهو إلى زوال.. ليس أكثر برهانٍ على ذلك من الاحتلال البريطاني لجنوب اليمن، وعلى وجه الخصوص لمدينة عدن في 19 يناير 1839م، والذي دام حتى جلاء المستعمر منها في 30 نوفمبر 1967م.. أي بعد 128 عاماً من الاحتلال.
فهل استطاع البريطانيون طيلة قرن وربع من الزمن، وأد فكرة التحرر لدى اليمنيين؟
الجواب كان لا، فقد انطلقت الشرارة الأولى لثورة 14 أكتوبر في اليمن الجنوبي في 1963م ضد الاستعمار البريطاني، وذلك من جبال ردفان، بقيادة راجح لبوزة، رغم شنّ السلطات المحتلة لحملات عسكرية غاشمة استمرت ستة أشهر، ضربت خلالها القرى والسكان الآمنين بمختلف أنواع الأسلحة، تشرد على إثرها آلاف المدنيين العزل .
الكفاح المسلح ضد المستعمر البريطاني وأعوانه، برز في إمارة الضالع بتاريخ 24 يوليو 1961م بقيادة علي احمد ناصر عنتر، عقب عودة عدد من الشباب من تعز الذين خضعوا فيها لدورة تدريبية عسكرية دامت شهرين لينضموا إلى صفوف الرجال العائدين من شمال الوطن بعد مشاركتهم في الدفاع عن ثورة 26 سبتمبر في صفوف الحرس الوطني، وهنا يتبين كيف كان لثورة 26 سبتمبر دور كبير في تحفيز الهمم لدى المناضلين في جنوب الوطن .
بعد ثورة الـ14 من أكتوبر 1963م، أدرك المحتل البريطاني أن سنوات احتلاله طواها الثوار، والذين ترجموا ذلك في يوم 30 تشرين الثاني 1967م ليكون تاريخ جلاء آخر جندي بريطاني عن أراضي جنوب اليمن المحتلة.
لقد كان لموقع اليمن الجغرافي وأهميته الاستراتيجية، دافع لدى القوى الاستعمارية، فقد وجد البريطانيون أن ميناء عدن يمثل موقعاً لا نظير له، كونه الثاني على مستوى العالم حينها، ولهذا سارعوا إلى احتلاله، من إجمال السيطرة على مضيق باب المندب، الذي يعد ممراً مهماً للسفن، وحلقة وصل بين قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا .
نفس الأسباب التي دفعت البريطانيين إلى احتلال عدن، هي ذاتها وإن تغير الأسلوب والتنفيذ اليوم، ولم يدركوا أن للشعب رصيداً نضالياً لم ولن ينضب، وأحفاد ثوار الأمس يتمتعون بنفس الوطنية، ويدركون أن الأساليب الاستعمارية وإن تغيرت، لن تخدعهم، وإن فارق القوى لن يرهبهم، كما أن الفارق قبل 56 سنة لم يرهب الثوار الأبطال .
واليمنيون يحتفلون بالعيد الـ56 للاستقلال المجيد، وخروج آخر جندي بريطاني من تراب وطنهم، فهم يرسلون رسائل مهمة، بأن المحتل إلى زوال مهما تغير جنسه أو تبدل أسلوبه، وان الشعب اليمني يمر بفترات انكسار، نتيجة لعوامل عدة أبرزها الانقسام الداخلي، ولكنه سرعان ما يطرد المحتل طال الزمن أم قصر .
واليمنيون يحتفلون بالذكرى الـ56 لجلاء آخر جنود الاحتلال البريطاني، فها هو اليوم يساند أشقاءه في فلسطين المحتلة، وعلى وجه التحديد في غزة الصامدة، التي تتعرض منذ أكثر من 50 يوماً، لأبشع حرب وحشية يقودها الكيان الصهيوني المحتل، والتي راح ضحيتها أكثر من 14 ألف شهيد بينهم 6 آلاف طفل و4 آلاف امرأة، بعد بطولة طوفان الأقصى وأسر المجاهدين لأكثر من 250 صهيونياً، وقتل 1400 منهم، وتدمير عشرات الدبابات والآليات العسكرية، وعزيمة كبيرة للاستخبارات الصهيونية، رغم الدعم الأمريكي والأوروبي، وبهذا الجهاد سيصل الفلسطينيون إلى قيام دولتهم، وعاصمتها القدس الشريف، وتحرير الأقصى مسرى نبينا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وسيبقى اليمنيون سندهم بحراً وجواً، في ظل صمت دول العالم .
اليمن اليوم بحاجة ماسة إلى توحيد الصفوف، والتمسك بمبادئ ثورتيه 26 سبتمبر و14 أكتوبر ووحدته المجيدة، ومواكبة كل ما يزيدها تماسكاً، من كل القوى والتيارات الوطنية، من خلال روح التجديد المستمدة من تغليب المصلحة الوطنية، وادراك أن دول الإقليم تبحث عن مصالحها الخاصة بها، ولهذا علينا البحث عن مصالحنا الشخصية، مع الانفتاح على كل الدول التي تريد الخير لليمن، دون التفريط بالسيادة الوطنية .
المؤتمر الشعبي العام من الأحزاب الوطنية التي تمتلك قاعدة كبيرة من الوطنيين، ومع إخوانهم في الأحزاب والمكونات الأخرى، قادرون على تجاوز ما يعيشه الوطن اليوم، وتوحيد الرؤى والمواقف، وصولاً ليمن يسعد كل اليمنيين.
* عميد مركز التدريب وخدمة المجتمع بجامعة البيضاء
|