مطهر تقي - اثناعشر عاما من الفوضى والخلاف ثم الحرب والعدوان والحصار وتجزئة اليمن إلى كيانات متعددة كانت كفيلة بتوقف التنمية في اليمن فلا مدرسة جديدة ولامستشفى حكومي يفتح أو طريق يشق او مشروع مياه يتدفق ولا مشروع كهرباء يضيئ.. ولم تكلف تلك الكيانات وحكوماتها المتعددة نفسها بذل أي جهد حتى في صيانة المرافق الخدمية الموجودة أصلا وفشلت حتى في تقديم ميزانية سنوية وخطة تنموية كما هو واجبها بموجب الدستور واكتفت تلك الكيانات وخصوصا في السنوات الأخيرة بتشجيع المبادرات المجتمعية من قبل التجار والوجهاء وأصحاب المصالح والمواطنين بالقيام بشق الطرقات وحفر الآبار في مناطقهم المحرومة من تلك الخدمات كتبرع منهم وتخلت تلك الكيانات إلى حد بعيد عن مسؤولياتها كسلطة عليها واجب القيام ببناء المرافق الخدمية وتكتفي في أحسن الظروف بتقديم مساعدة مالية رمزية كمشاركة منها.
وأمام تلك اللامبالاة وتخلي تلك الكيانات عن مسؤولياتها الخدمية أمام شعبها من المهرة وحتى الحديدة كان لزاما على الرأس المال الوطني والوجهاء وقادة الرأي المتيسرين (خصوصا في المحافظات الشمالية) أن يقوموا بواجبهم بملء الفراغ الذي تخلت عنه تلك الكيانات فتوسعوا في بناء المستشفيات والمدارس الخاصة ونشطوا في بناء المشاريع المختلفة كفرصة لهم للنشاط الاستثماري ومساهمة منهم في العمل الوطني إذا اعتبرنا حسن النية متوفراً لدى البعض منهم..
وما لفت نظري خلال الأسبوع الماضي انعقاد المؤتمر العلمي الخامس لجراحة المخ والأعصاب والعمود الفقري في صنعاء برعاية رسمية ورعاية خاصة من قبل المجلس الطبي وبعض المستشفيات الخاصة والشركات الطبية وبمتابعة خاصة من الدكتور المتميز مجاهد معصار- استشاري جراحة المخ والأعصاب رئيس المجلس الطبي..
وكان أهم ماطرح في هذا المؤتمر تلك الدراسات والأبحاث التي قدمت من قبل عدد من الأكاديميين اليمنيين والعرب والأجانب في مجال طب جراحة المخ والأعصاب التي تتحدث عن أهم ما وصل إليه التقدم العلمي في جراحة المخ والأعصاب وأستفادة الجانب اليمني منها لتطوير الأداء الجراحي للمستشفيات اليمنية وتدريب الكوادر اليمنية الشابة عليها من أجل خدمة طبية تغني المواطن اليمني عن السفر إلى الخارج للحصول عليها (كما يتمنى البعض من الأطباء والمستثمرين).. وتم في المؤتمر تكريم خمسة عشر طبيبا حصلوا على شهادة البورد في جراحة المخ والأعصاب (مؤخرا) وتم كذلك تكريم عدد من الأساتذة المؤسسين لجراحة المخ والأعصاب والعمود الفقري في اليمن ومنهم الدكتور يحيى الثور والدكتور اسماعيل الكبسي والدكتور نصر النقيب..
وتأتي مبادرة تنظيم هذا المؤتمر الطبي الخامس في صنعاء (وقبله تلك الندوة المهمة التي قامت الشهر الماضي في عدن عن سوء التغذية بين الأطفال في اليمن وانعكاساتها السلبية على صحتهم عموما ومنها التقزم بين الأطفال الذي ظهر مؤخرا ووصلت نسبته إلى 58٪ بين الأطفال اليمنيين).. ولاشك أن تلك الجهود تأتي كمحاولة من الأطباء اليمنيين للتغلب على الظروف الصعبة التي تواجهها الخدمات الصحية في اليمن ومحاولة منهم لقهر ظروف الحرب والخلاف الذي انعكس سلبا على أهم مرفق خدمي واجه تحديات ومصاعب خلال الاثني عشر سنة الماضية التي زادت خلالها الأمراض المختلفة وعجز الحكومات المتعددة لتلك الكيانات المتصارعة عن القيام بواجبها في الاهتمام بالجانب الصحي وكذلك التعليمي.
فالشكر لمن قام بالإعداد والتجهيز للمؤتمر الخامس والنشاطات الأخرى في عدد من المحافظات اليمنية وما أرجوه من القطاع الصحي الخاص مراعاة الظروف المالية الصعبة للمرضى واعتبار الخدمة الطبية خدمة إنسانية قبل أن تكون استثمارية هدفها الربح.. كما أرجو من الجهات الرسمية المشرفة على الجانب الصحي تخفيف الضرائب والعائدات المالية التي تجبيها من المستشفيات الخاصة مقابل تخفيض تلك المستشفيات تكاليف العلاج خصوصا وخدمات المستشفيات الحكومية قد وصلت إلى حالة يرثى لها نتيجة لعدم توافر الميزانيات المالية لمرافقها ومرتبات موظفيها مما اضطرها أن تعمل تحت وطأة الظروف الصعبة وتلغي مجانية الصحة وتلزم المرضي بشراء علاجهم وحتى شراء الشاش والمغذيات والمطهرات من الصيدليات..
والمحظوظون هم أولئك الذين يحصلون على منح طبية وأوامر للعلاج المجاني (من المنتمين لذلك الكيان أو الثاني) سواء في المستشفيات الخاصة أو الحكومية.. والله المعين لهذا الشعب المغلوب على أمره..
|