إبراهيم ناصر الجرفي - عادةً ما تفرض الأحداث ومتغيراتها ومستجداتها وظروفها على الأنظمة السياسية في كل زمان ومكان ، سياسة الهروب إلى الأمام والتي تهدف إلى الهروب من المشاكل والصعوبات الداخلية وتداعياتها السلبية على النظام السياسي ، عن طريق إدخال الوطن في مشاكل وحروب وصراعات خارجية ، بهدف اشغال الرأي العام المحلي بالمستجدات والتطورات والتهديدات الخارجية ، التي قد تنسيه مشاكله الداخلية في ظل التهديدات الخارجية ، وهكذا ظروف تمنح النظام الفرصة لإسكات الأصوات والأطراف الداخلية المعارضة ، وحشد التأييد الداخلي كونه في مهمة كبيرة وعظيمة وهي الدفاع عن الوطن ، وهذه السياسة قد تؤجل وترحل المشاكل الداخلية للنظام السياسي لكنها لا تحلها ، بل قد تزيدها تعقيداً وصعوبة مع مرور الأيام ، خصوصاً إذا طال أمد الحرب الخارجية ، ولم يحقق فيها النظام السياسي أي انتصارات ملموسة ..!!
وهكذا مغامرات سياسية خارجية لا بد أن يترتب عليها عواقب وخيمة ، لكن كل ذلك قد لا يمنع النظام السياسي من الهروب إلى الأمام أكثر وأكثر ، عن طريق صناعة المزيد من الخلافات والصراعات الخارجية ، لأنه يكون بسياساته تلك قد قطع على نفسه خطوط الرجعة ، ولم يعد أمامه من خيار سوى الاستمرار في خوض مغامراته ومقامراته الخارجية مهما كانت نتائجها وعواقبها ، على أمل حدوث متغيرات أو مستجدات إقليمية أو دولية قد تعمل لصالحه وتخفف عنه بعض أو كل الضغوط الداخلية والخارجية ، وهكذا سياسة تعتمد على الوقت والمتغيرات ليست مضمونه كونها ليست أكثر من مغامرة محفوفة المخاطر ، قد تعمل بشكل عكسي ضد مصالح النظام السياسي بل قد تؤدي إلى نهايته وزواله ، في حال خسر ذلك النظام الرهان على الوقت والمتغيرات ، وعمل الوقت في غير صالحه وحدثت المتغيرات السياسية الاقليمية والدولية عكس ما كان يرجو ويتمنى ..!!
وهكذا سياسات يمكن تشبيهها بالغرق أكثر وأكثر في الكثير من المشاكل ، والسباحة نحو المجهول ، وما يدفع النظام السياسي لخوض غمار هكذا مغامرات إلا بالتأكيد ضغوط وظروف كبيرة ، لأن من غير المعقول والمرغوب القيام بخوض هكذا مغامرات عواقبها وخيمة وكارثية ، وقد يدخل النظام السياسي في تحالف خارجي ويرهن نفسه وقراره السياسي لذلك التحالف وسياساته ، ليجد نفسه فجأة وهو مجبر ومكره على خوض حروب ومغامرات خارجية لا يريدها وليست في مصلحته ، ولكن لا مفر أمامه من القيام بذلك ، بعد أن أصبح قراره بيد ذلك التحالف الذي لا يعطي أولوية لمصالح الأنظمة المتحالفة معه بقدر إعطائه الأولوية لمصالحه ، فقد يكون من مصلحة التحالف الدفع بالنظام المتحالف معه للقيام بأعمال عدائية وتخريبية ضد الآخرين ، حتى لو ترتب على ذلك تعرض ذلك النظام للزوال الهلاك ، ولذلك ليس من مصلحة أي نظام سياسي رهن قراره ومصيره في يد تحالفات خارجية ، وليس من مصلحته الهروب إلى الأمام وصناعة خلافات ونزاعات وحروب خارجية ، فكل ذلك قد ينعكس بشكل سلبي على ذلك النظام ، بغض النظر عن المكاسب العاجلة والمؤقتة التي قد يحصدها من هكذا سياسات ..!!
|