د. عدنان علي العثربي - صدر حديثاً للأستاذ الدكتور/علي مطهر العثربي كتاب الأمن القومي وأثره في بناء الدولة ، تحدث في مقدمته عن التميز الاستراتيجي للموقع الجغرافي لليمن الذي جعله محط أطماع مستمرة كونه مهد الحضارات الإنسانية واسعة الانتشار والتفوق والاقتدار ، مشيراً إلى أن الغوص في أعماق التاريخ وأحداثه المثيرة يحتاج إلى موسوعات عالمية لتدوينه ، مبيناً أن هذا الكتاب يركز على الترابط الوثيق بين الأمن الوطني لليمن الواحد والموحد والأمن القومي العربي الشامل والمعاصر من خلال التعرف على أسباب الصراعات غير البريئة التي ظهرت بوادرها في أحداث 11 فبراير 2011م ، وهي الفترة الزمنية التي تقاطعت فيها مصالح العالم الحديث بعد إعادة الوحدة اليمنية وقيام الجمهورية اليمنية في 22مايو 1990م ، لأن القوى الاستعمارية قد أفزعها نشوء الدولة اليمنية الجديدة فكثفت اتصالاتها بالدول المعادية للوحدة اليمنية في المنطقة العربية مستفيدة من عدم وحدة الأمن القومي العربي واحتقان التخوفات التي تعاني منها الدول العربية وعملت على تأجيج وتضخيم وتوسيع تلك الخلافات من خلال الحرب النفسية التي مارستها القوى الصهيونية على دول الوطن العربي ، وكان هدفها منع الوحدة وتدمير الجيوش العربية وتجريد الدول المستهدفة من كل مقومات القوة القومية ومنع تحقيق الحلم بعودة الدولة العربية الواحدة.
وقد أوضح الدكتور العثربي أن الأمن الوطني للجمهورية اليمنية لا يمكن فصله عن الأمن القومي العربي بسبب الترابط الوثيق من خلال روابط اللغة والتاريخ والثقافة والحضارة والمصير الواحد والقدر المشترك والرقعة الجغرافية الواحدة ، ناهيك عن أن الدين الإسلامي الحنيف الذي جاء خاتماً لكل الديانات السماوية وكفل حرية الديانات وأصبح بمثابة الروح، والعروبة بمثابة الجسد ، الأمر الذي جعل الوطن العربي روحاً وجسداً يستحيل الفصل بينهما ، لأن محاولات الفصل بين الجسد والروح قد برهنت عبر التاريخ أنها إجراءات شاذة لا تحقق الحياة للجسد العربي بقدر ما تخلق عدم الاستقرار والنزاعات المسلحة وتجعل الوطن العربي عرضة لأطماع القوى الاستعمارية وضياع هيبة الدولة العربية ونهب الثروات وتحكُّم القوى الاستعمارية في موقعه الاستراتيجي ، ولأن اليمن هو محور الارتكاز في الحضارة الإنسانية كونه يتمتع بموقع استراتيجي عبقري جعل منه بؤرة الانتشار البشري والصراع من أجل البقاء فإن ترابط الأمن الوطني لليمن مع الأمن القومي العربي ضرورة حياتية تصون الأمن والاستقرار في العالم .
كما أشار أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء إلى أن الاتجاه نحو إعادة بناء الأمن القومي العربي من خلال مؤشر إعادة بناء الوحدة اليمنية قد فجَّر المخاوف لدى القوى الاستعمارية من الدولة العربية الواحدة ، ولذلك حركت أدواتها لتنفيذ المخطط الاستعماري المعروف بـ(الربيع العربي) 2011م ، وجعلت محاولة تدمير الوحدة اليمنية من أولوياتها باعتباره البداية العملية في هدم الأمن القومي العربي ، ثم تولدت القناعة المطلقة لدى القوى الاستعمارية بأن التدخل الخارجي المباشر عبر القوى الاستعمارية لا يمكن أن يجعل اليمن كنتونات متصارعة يحقق منع اليمنيين من الاستفادة من عبقرية موقهم الاستراتيجي ، ويحول دون الطموحات العربية صوب الوحدة الشاملة التي يمكنها أن تتحكم في مضيق باب المندب الأرخبيلات والجزر اليمنية في البحر الأحمر والبحر العربي والمحيط الهندي ويحقق لها القدرة على فرض توازن القوة في السياسة الدولية ، ومن ثم بناء الأمن القومي العربي ، ولذلك لجأت القوى الطامعة في السيطرة على مقدرات الوطن العربي إلى رسم سيناريوهات التدمير من أجل الوصول إلى البحر العربي والمحيط الهندي من خلال إحكام السيطرة على مضيق باب المندب واضعة على رأس تلك السيناريوهات تدمير اليمن كونه البوابة الجنوبية للبحر الأحمر ويصنع تداخلاً وثيقاً بين مضيقي هرمز وباب المندب ، ويُمثل طريقاً للناقلات المحملة بنفط الخليج العربي المتجهة إلى دول أوروبا ، ويشكل حزاماً أمنياً للجزيرة العربية والخليج العربي يمتد من قناة السويس ويرتبط بشط العرب ويمتد إلى مضيق جبل طارق الذي يتحكم في الخروج والدخول من وإلى البحر الأبيض المتوسط ، ويتمتع بمنافذ حيوية ويحول دون اختراق الأمن القومي العربي .
هذا وقد تضمن الكتاب ثلاثة فصول احتوى الفصل الأول ثلاثة مباحث تناول في المبحث الأول مفاهيم الأمن القومي في المعاجم اللغوية ، ومفهوم الأمن في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ، وتطرق إلى مكانة العرب في القرآن الكريم، شارحاً مفهوم الوطن والقوم ، واستعرض نشأة الأمن القومي العربي في الإمبراطوريات العربية والإسلامية المعينية والسبئية والحميرية والإسلامية ، وبين قدرة تلك الامبراطوريات على التحكم والسيطرة المتوازنة على الطرق التجارية وحماية الملاحة البحرية والتحكم في عبقرية الموقع الجغرافي للوطن العربي والقدرة على إدارة استثماره بما يحقق المنافع المتبادلة مع العالم ، كما استعرض في هذا المبحث مراحل تطور الأمن القومي ، أما المبحث الثاني فقد ركز فيه على صلة دراسات الأمن القومي بغيره من العلوم الاجتماعية ، كما خصص المبحث الثالث لاستعراض مناهج وطرق البحث العلمي وكيفية استخدامها في دراسات الأمن القومي .
أما الفصل الثاني فقد تضمن ثلاثة مباحث خصص المبحث الأول منه لدراسة الأمن الوطني للجمهورية اليمنية ركزت الدراسة على تعريف المفاهيم السياسية والمبادئ العامة للأمن الوطني ، كما ركزت على الوظائف الأساسية للأمن الوطني وشكل النظام السياسي الذي يساعد على تعزيز مكونات الأمن القومي بهدف حماية المكونات البشرية والجغرافية للدولة ، واستعرض وظائف الدولة في الفكر السياسي في الإسلام الحنيف وأنواع الأمن الوطني ، فيما استعرض المبحث الثاني عوامل بناء الأمن الوطني للجمهورية اليمنية التي من أبرزها الموقع الجغرافي للجمهورية اليمنية وطريقة الاستفادة منه ، وكذلك البُعد الاستراتيجي لليمن وتأثيراته السياسية والاقتصادية والعسكرية على الأمن القومي العربي ، كما استعرض الأبعاد المختلفة للسكان والمساحة وشكل الدولة اليمنية الحديثة سياسياً وإدارياً ، مبيناً أهمية الاندماج السياسي كأحد العوامل التي تسهم في بناء الأمن الوطني لليمن الحديث ، بينما استعرض المبحث الثالث عوامل ارتباط الأمن الوطني لليمن بالأمن القومي العربي ، مركزاً على نقاط القوة في الموقع الجغرافي للجمهورية اليمنية مستعرضاً الأهمية الاستراتيجية للأرخبيلات والجزر اليمنية ، شارحاً العوامل التاريخية والحضارية والثقافية التي تشكل الرابط الإنساني والأخوي في الوطن العربي ، حيث يرى مؤلف كتاب الأمن القومي وتأثيره في بناء الدولة أن عوامل توحيد الوطن العربي أكثر وأقوى بكثير من عوامل التمزق والفرقة وأن الأخيرة هي صناعة استعمارية قابلة للزوال وأن الدولة العربية الواحدة قادمة لا محالة بإذن الله .
هذا وقد تكوَّن الفصل الثالث من ثلاثة مباحث تناول المبحث الأول مقومات الأمن القومي العربي ، مركزاً على دراسة الجذور التاريخية للأمن العربي الشامل ومرتكزات الأمن القومي في السياسات القطرية للدول العربية، مبيناً حالة الترابط والتداخل الذي يصعب معه الفصل بين الأمن القطري لكل دولة عربية عن الأمن العربي الشامل ، مدللاً على ذلك بالأحداث التي تستهدف كيان الأمة العربية والتي منها الاحتلال الصهيوني لجزء من الوطن العربي وهو فلسطين العربية والمقدسات الدينية ، مستنكراً التصنيفات العبثية وغير الموضوعية التي تضع المدافع عن أرضه التي يمتلكها أباً عن جد موضع (الإرهاب)، وتضع المحتل الغاصب موضع (الدفاع عن النفس) ، ويعتبر ذلك جوراً يعاني منه الشعب الفلسطيني منذ اكثر من سبعين سنة دون أن يجد الإنصاف ، ثم تناول المبحث الثاني الدعائم الأساسية للأمن القومي العربي المتمثلة في وحدة الإرادة السياسية والعسكرية والاقتصادية ، إذ يرى مؤلف كتاب الأمن القومي وأثره في بناء الدولة أن غياب وحدة القرار العربي من المهددات الكبرى للأمن القومي التي جعلت خيرات ومقدسات الوطن العربي الكبير نهباً لقوى الاستعمار ، مستعرضاً الأحداث التي نالت من الأمن القومي العربي والتي منها العدوان الصهيوني على كل الأرض الفلسطينية عقب طوفان الأقصى 2023م .
هذا وقد خصص المبحث الثالث لدراسة خصائص الأمن القومي مستعرضاً العوامل المؤثرة في الأمن القومي الثابتة والمتغيرة والطارئة ودور الدبلوماسية في حماية الأمن القومي العربي ، وفي المبحث الرابع استعرض نظريات الأمن القومي التقليدية التاريخية والنظرية الليبرالية الرأسمالية والنظرية الواقعية والنظرية الماركسية الثورية ، ثم ركز على نظرية الأمن القومي من منظور الإسلام الحنيف شارحاً المفاهيم الملازمة للأمن القومي ، أما المبحث الخامس فقد خصص لدراسة الجهود القومية التي تبذلها الجمهورية اليمنية من أجل إصلاح العمل العربي المشترك الذي يقود إلى وحدة الإرادة السياسية والاقتصادية والعسكرية على طريق الوحدة العربية الشاملة .
|