عادل غنيمة - كان قرار القيادة اليمنية الثورية ممثلاً بقائد الثورة اليمنية السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، بفتح الجبهة البحرية ضد الكيان الإسرائيلي الصهيوني في منتصف شهر نوفمبر 2023م من خلال عمليات القصف الصاروخي لميناء أم الرشراش(ايلات)ومنع السفن الإسرائيلية من المرور عبر البحر الأحمر قراراً تاريخياً وله دوافعه وأسبابه.. فما الدوافع لاتخاذ مثل هذا القرار.. وما تداعياته على اليمن والكيان الإسرائيلي.. وما السيناريوهات المحتملة و المستقبلية للرد على قرار صنعاء التاريخي ؟ أولاً: دوافع وأسباب قرار حظر مرور السفن الإسرائيلية عبر مضيق باب المندب والبحرين العربي والأحمر من منطلق المسئولية الدينية والجهادية والتي تفرض على كل مسلم مناصرة اخوانه المسلمين في أي بقعة من بقاع الأرض وبنصوص قرآنية، فقد انتظر شعب غزة مؤتمر القمة العربي الاسلامي في 11_نوفمبر لإنقاذه من حرب الإبادة الصهيونية, ولكن كانت نتائج هذا المؤتمر مخيبة للآمال بعد أن خرج المؤتمر بقرار هزيل للمطالبة بفتح معبر رفح أمام المساعدات الإنسانية ولتشكيل لجنة وزارية للضغط على دول مجلس الامن والمجتمع الدولي لتحمُّل مسئولياته في إصدار قرار وقف الحرب العدوانية و هدنة إنسانية لدخول المساعدات بعد حصار صهيوني لقطاع غزة ومنع الغذاء والدواء والوقود والمياه عن شعب فلسطين في قطاع غزة والذي يقدر عددهم بحوالي مليونين ونصف مليون نسمة.. وقد جاء قرار صنعاء من خلال إعلان قائد الثورة بدخول الحرب مع الكيان الإسرائيلي وإعلانه حصارها بحرياً ومنع السفن الإسرائيلية من المرور عبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر , وكان استخدام صنعاء هذه الورقة الاستراتيجية في حظر بحري على الكيان الصهيوني تحريكاً لورقة ذات أبعاد إقليمية ودولية ,وكان رداً من صنعاء على قمة الخزي والعار للدول العربية والإسلامية والتي لم تستطع فرض معادلة الردع للحصار الصهيوني على شعب غزة، فكان قرار صنعاء يمثل فرض معادلة ردع ومن دولة واحدة فقط هي اليمن بقيادتها الثورية والتي أعلنتها صنعاء بوضوح -رفع الحصار عن الكيان الإسرائيلي في مقابل رفع الحصار عن قطاع غزة . ثانياً: انتقال صنعاء من التهديدات إلى الممارسة الفعلية لحظر عمليات الشحن من وإلى ميناء أم الرشراش (ايلات) قامت القوات البحرية اليمنية باحتجاز إحدى سفن شركة زيم الإسرائيلية المسماة جلاكسي ليدر في عمق البحر الأحمر والتي يمتلكها الملياردير الإسرائيلي (عيدافي مير) تنفيذاً لتهديداتها بمنع مرور السفن الإسرائيلية. ونتيجة الحصار لقطاع غزة والذي قد تسبب في كارثة إنسانية وتطورات أحداث البحر الأحمر وخوفاً من توسع الحرب إقليمياً قام الأمين العام للأمم المتحدة باستخدام حقه في دعوة مجلس الأمن للانعقاد بحسب المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة الذي يعطيه الحق في دعوة مجلس الأمن للانعقاد عندما يرى تهديداً للأمن والسلم الدولي, وقد انعقد المجلس بالفعل وكان قرار الفيتو الأمريكي الذي أبطل نفاذ أي قرار من مجلس الأمن لوقف الحرب في غزة وللمرة الثانية خلال شهر واحد مخيباً للمجتمع الدولي , ورغم القرارات المتتالية للجمعية العامة للأمم المتحدة التي تطالب بوقف الحرب في غزة، حيث كان القرار الأخير بتأييد 153 دولة إلا أن أمريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني تجاهلوا دعوات المجتمع الدولي فكان قرار صنعاء بتوسيع مساحة الحظر على عمليات الشحن من وإلى موانئ الكيان الإسرائيلي لتشمل كل السفن التجارية التي تتعامل مع موانئ الكيان الإسرائيلي واستهداف أي سفينة أجنبية تتعامل مع الكيان الإسرائيلي, وهو ما يعني حظر عمليات الشحن لموانئ العدو الصهيوني التي تمثل نسبة 30٪ من تجارة الموانئ الإسرائيلية وكان رداً من صنعاء على حرب الإبادة الصهيونية للشعب الفلسطيني ومحاولة الصهاينة من خلال عمليات التدمير للمنازل وقتل النساء والأطفال بدم بارد تهجير سكان غزة من القطاع إلى جزيرة سيناء، ورغم التحذيرات للقوات المسلحة اليمنية البحرية للسفينة إلا أنها حاولت تجاوز التهديدات بعد التطمينات الأمريكية والبريطانية والفرنسية لحمايتها، حيث تم التعامل مع السفن المتجهة للكيان الإسرائيلي التي حاولت تجاوز الخطوط الحمر من التحذيرات التي أعلنتها صنعاء للشركات الإسرائيلية و العالمية للنقل البحري والتي تتعامل مع العدو الإسرائيلي، وقامت قوات صنعاء البحرية بالفعل بقصف سفينتين في خليج عدن وهما سفينة اكسيلور بصاروخ كروز بحري وسفينة نمبر ون بطائرة مُسيَّرة مما اضطر السفينتين لتغيير مسارهما عبر رأس الرجاء الصالح والذي يستغرق مسافة وزمناً أكبر تمر من خلاله عبر قارة أفريقيا يصل إلى 30 يوماً، والسفينتان مملوكتان لشركة زيم الإسرائيلية, والتي يمتلك فيها الملياردير الإسرائيلي عيدافي مير 30٪من شركة زيم وتمتلك الشركة 150 سفينة تعمل في النقل البحري لصالح العدو الإسرائيلي وعدد من الدول الأجنبية.. ومؤخراً تم إصابة إحدى السفن النرويجية التي تحمل وقوداً للكيان الإسرائيلي بعد تحذيرات من القيادة البحرية لصنعاء ورفض قيادة السفينة الاستجابة للتحذيرات مما اضطر القوات البحرية للتعامل معها وقصفها بصاروخ باليستي مما أدى لإصابتها وإلحاق أضرار بها؛ حيث يتم إصلاحها في جيبوتي ولم يكن هناك ضحايا من مرتادي السفينة والبالغ عددهم 52 شخصاً . استمرار إغلاق باب المندب أمام السفن الإسرائيلية والسفن الأجنبية التي تتعامل معها بتاريخ 15ديسمبر 2023م تم قصف سفينة ليبرالية واحتراق أجزاء منها ومازال الحظر للسفن قائماً حتى التاريخ . -الدافع القومي كان أيضاً من دوافع صنعاء للحرب مع إسرائيل ومناصرة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والذي يتعرض لحرب إبادة صهيونية في ظل صمت عربي وإسلامي وفي ظل معاهدة عربية مشتركة تم توقيعها عام 1950م والتي تم تطبيقها من قبل الجامعة العربية لأول مرة في تحالف العدوان على اليمن بحجة السيطرة الإيرانية على صنعاء وتهديدها للأمن القومي العربي.. ومن الغريب أن صنعاء اليوم هي التي تطبق هذه المعاهدة في دفاعها عن الشعب الفلسطيني والذي يتعرض لحرب إبادة في قطاع غزة وبذلك يصبح دخول صنعاء المعركة مع إسرائيل دفاعاً عن فلسطين شرعياً وفقاً لميثاق الجامعة العربية ومعاهدة الدفاع المشترك . فماهي التداعيات لقرار صنعاء بإغلاق مضيق باب المندب والبحرين العربي والأحمر امام العدو الإسرائيلي ؟ أولاً: التداعيات على العدو الإسرائيلي كان لقرار حظر عمليات الشحن للعدو الإسرائيلي تداعيات اقتصادية وسياسية واجتماعية ولاشك أن أهمها التداعيات الاقتصادية التي تتمثل في الآتي : 1-يعتمد العدو الإسرائيلي على البحر في تجارته الخارجية وبنسبة 90٪ حيث تقوم الموانئ الإسرائيلية بتحميل واردات من الخارج بحوالي 40 ملايين طن وبقيمة 107 مليارات دولار سنوياً وكذلك تقوم بتصدير حوالي 18 مليون طن وبقيمة73 مليار دولار.. وميناء أم الرشراش ( ايلات) يمثل نسبة الثلث تقريبا 30٪ من هذه البضائع حيث يمثل إغلاق الميناء خسائر للكيان الصهيوني تتمثل في التالي : 1-زيادة أجور النقل لشحن البضائع الإسرائيلية من شرق آسيا وأفريقيا . 2-خسائر لشركات النقل البحري الإسرائيلية والتي تمتلك أساطيل من السفن التجارية التي تعمل في البحر للعدو وللدول الأجنبية 3-تتأثر إسرائيل بفقدان علاقاتها التجارية مع دول التطبيع العربي تجاريا لاسيما دول التطبيع السياسي(دول الخليج) ,والتي وصلت واردات إسرائيل منها إلى أكثر من 8مليارات دولار وبنسبة 7,7٪من واردات العدو الإسرائيلي ,وصادرات إسرائيلية إليها تقدر بحوالي أكثر من 3مليارات دولار وبنسبة 4,4٪من صادراتها . 4-توقف عمليات نقل المسافرين من خلال شركات النقل البحرية الإسرائيلية يحقق لها خسائر مالية كبيرة إذ يصل عدد المسافرين إلى 378 ألف مسافر سنوياً من خلالها . 5- إغلاق مضيق باب المندب أمام حركة التجارة للعدو الإسرائيلي قد تؤدي إلى زيادة نسبة العجز الحكومي في الموازنة للكيان الصهيوني إلى 3,7٪ من الناتج القومي الإجمالي مما يضطر الحكومة الإسرائيلية إلى الاستدانة لتغطية العجز داخليا وخارجيا.. 6- يتوقع أن تصل الخسائر الاقتصادية للكيان الإسرائيلي إلى 80 مليار شيكل ما يعادل (21) مليار دولار سنويا إذا استمر إغلاق باب المندب أمام حركة التجارة للعدو الصهيوني .
التداعيات السياسية على العدو الإسرائيلي : 1-تطورات احداث البحر الأحمرواغلاق باب المندب ونتيجة تاثر عمليات التطبيع التجارية بين دول الخليج والكيان الإسرائيلي فلاشك ان ذلك يؤدي الى وقف عمليات التطبيع السياسي والتي كانت على وشك الحدوث بين العدو الإسرائيلي والسعودية . 2- معادلة صنعاء ربطت بين رفع الحصار البحري على الكيان الإسرائيلي وبين وقف العدوان ورفع الحصار على قطاع غزة وفتح المعابر للمساعدات الإنسانية لشعب غزة المحاصر منذ اكثر من شهرين ونيف من الغذاء والدواء والوقود والمياه والكهرباء وهو ما قد يحرج المجتمع الدولي ويفقد الغرب وامريكا والعدو الإسرائيلي الصورة النمطية التي يقدمونها للعالم كدول ديمقراطية وتحترم حقوق الانسان, ويجعل الراي العام العالمي ينظر لأمريكا والدول الغربية كدول داعمة للعنصرية الصهيونية وحرب الإبادة التي ينتهجها العدو الإسرائيلي .
التداعيات الاجتماعية على العدو الإسرائيلي : من الاثار والتداعيات الاجتماعية لحظر السفن التجارية في البحر الأحمر للكيان الإسرائيلي ما يلي: 1-ارتفاع أسعار السلع والكماليات بسبب ارتفاع أجور النقل لعمليات الشحن عبر طريق راس الرجاء الصالح يؤثر على المستوى المعيشي للمواطنين اليهود . 2- فقدان العاملين في ميناء ام الرشراش (ايلات) لوظائفهم وكل المتعاملين مع الميناء من شركات النقل الداخلي وشركات السياحة سيؤدي الى زيادة نسبة البطالة في عمالة الكيان الصهيوني .
ثالثا" التداعيات على اليمن : لاشك ان قرار صنعاء التاريخي بمنع السفن الإسرائيلية والأجنبية المتعاملة مع العدو الإسرائيلي لها تداعيات سياسية واقتصادية واجتماعية وتتمثل التداعيات السياسية في تهديدات الولايات المتحدة الامريكية بتعطيل اتفاق التسوية الذي تم التوصل اليه بين صنعاء والرياض , حيث تعمل أمريكا جاهدة لتعطيله من خلال الضغط على النظام السعودي لوقف عملية التسوية ,وتوقيع الاتفاق الذي كان متوقعا" له خلال نهاية شهر نوفمبر . -من التداعيات الاقتصادية على اليمن وشعوب المنطقة ارتفاع أجور التامين على السلع والكماليات بسبب التوتر في البحر الأحمر رغم تأكيد صنعاء ان المستهدف في عملياتها شركات النقل للسفن الإسرائيلية والمتعاملة معها تجاريا "فقط.
-من التداعيات الاجتماعية على صنعاء القرار الذي اتخذته منظمة الغذاء العالمية وعدد من المنظمات الدولية بإيقاف اعمالهم في مناطق سيطرة صنعاء تحت ضغوط أمريكية ,وبحجة وجود عجز مالي في المساعدات , مما سيؤدي الى زيادة حدة الكارثة الإنسانية لدى النازحين في اليمن وهو أسلوب ضغط فاشل من الولايات المتحدة الامريكية.
فماهي السيناريوهات المستقبلية المحتملة لقرار صنعاء بحظر عمليات الشحن في البحرين العربي والاحمر للسفن الإسرائيلية والأجنبية التي تتعامل تجاريا" مع الموانئ الإسرائيلية.
السيناريو الأول : يتم مرور اكثر من 21-25الف سفينة تجارية في البحرين العربي والاحمر سنويا" ,حيث تمثل نسبة 20٪ من حجم التجارة العالمية كما تمر حوالي 8 مليون برميل نفط يوميا" من مضيق باب المندب , ولاشك ان العمليات العسكرية في هذا الممر الدولي الهام التي تنوي أمريكا القيام بها سيؤثر بشكل سلبي على حركة التجارة العالمية وانهاك الاقتصاد العالمي بسبب رفع أجور التامين واحتمالية رفع أسعار المشتقات النفطية والغازية ,وكذلك الاثار الاقتصادية المتوقعة على اقتصاد العدو الإسرائيلي, ولذلك تسعى الولايات المتحدة الامريكية الى تشكيل تحالف دولي لقوات متعددة الجنسيات بحجة حماية حرية الملاحة البحرية ومواجهة التهديدات من القوات البحرية المسلحة لصنعاء رغم تأكيد صنعاء بحماية حركة التجارة الدولية في البحر الأحمر ,وان المستهدف من عملياتها هي السفن الإسرائيلية والسفن الأجنبية المتعاملة معها تجاريا ويتم التحذير سبقا" للسفن بعدم المرور من مضيق باب المندب والهدف من التحالف الامريكي هو زعزعة الامن لحركة الملاحة وحماية سفن العدو الإسرائيلي ,وهو ما يتضح لنا من خلال منع العدو الإسرائيلي من الرد عسكريا" الى صنعاء خوفا" من الرد اليمني الذي قد يكون مؤثرا" على الملاحة في المضيق والبحرين ,وتتوسع الحرب من غزة الى حرب إقليمية وهذا السيناريو الذي تعمل عليه السياسة الامريكية على ارض الواقع .
السناريو الثاني : هناك من يرى من المتابعين السياسيين ان الولايات المتحدة الامريكية وهي تسعى الى تشكيل تحالف دولي سياسي وعسكري لحماية الملاحة في مضيق باب المندب والبحرين العربي والاحمر تهدف من خلاله الى إقامة حلف سياسي وعسكري للسيطرة على مضيق باب المندب, وحركة الملاحة في البحرين العربي والاحمر بحجة وقف هجمات قوات صنعاء للسفن التجارية ,ورغم دعوة أمريكا للعديد من الدول العربية للانضمام الى هذا التحالف ,ولكن حتى التاريخ لم تعلن السعودية او حكومة الفنادق التابعة لها الموافقة على الانضمام لهذا التحالف الصهيوني .
السيناريو الثالث : البعض يرى أن الولايات المتحدة الأمريكية تخطط لحرب شاملة وهو ديدن السياسات الأمريكية عندما تفكر في العدوان على الدول العربية والإسلامية (العراق وأفغانستان وسوريا)، وأن المخطط الأمريكي يبدأ بتفجير الصراع الداخلي عسكرياً وإعادة الازمة اليمنية إلى مربع الصفر من خلال تقديم الدعم العسكري واللوجيستي الأمريكي للقوات المناوئة لحكومة صنعاء في مأرب والمخا والمحافظات الجنوبية وقد كانت هناك لقاءات عدة ما بين قيادة المنطقة الأمريكية الوسطى وعدد من قيادات القوات المناوئة لحكومة صنعاء وخلال المعارك العسكرية الداخلية سوف تتدخل قوات التحالف الذي شكلته أمريكا وحلفاؤها للسيطرة على جميع الجزر اليمنية في البحر الأحمر والعربي وسقطرى وموانئ اليمن في البحرين العربي والأحمر مع ترك الحرب الداخلية تستمر لعدة سنوات وهو السيناريو المتوقع حدوثه على المدى القريب العاجل وعلى القوى السياسية المناوئة لصنعاء الحذر من المخططات الامريكية ووحدة الصف مع حكومة صنعاء والاستعجال في التوقيع على خارطة الطريق للتسوية السياسية التي تم التوصل اليها بين صنعاء والرياض حماية لموانئ اليمن وجزرها وحفاظاً على سيادة اليمن.. |